علماء قدوة ... ومواقف رسالية للعلماء الشيخ المظفر
علماء قدوة ... ومواقف رسالية للعلماء
إعداد هيئة التحرير
تاريخ العلماء حافل بالقصص والمآثر والعبر .. وقصص العلماء زاخرة بالأخلاق والمثل العليا التي تنمّ عن عمق الايمان والثقة بالله والاحساس بالمسؤولية، وهذه المواقف من هؤلاء العظماء في علمهم وعملهم لا بد من الوقوف عندها لأخذ العبر والاقتداء.
الإمام الخميني (قده) واحترام العلماء
منذ اليوم الأول لقدوم آية الله السيد البروجردي الى قم حتّى يوم وفاته ـ في شوال 1380 ﻫ.ق ـ لم يتخذ الإمام أي موقف سياسي تجاه الأوضاع الجارية في البلاد، واكتفى بالتدريس والتأليف والسعي في تهذيب النفوس والتذكير بالمراجع خاصة المرحوم السيد البروجردي. في حين كان المتوقع أن يستمر صاحب كتاب (كشف الأسرار) في توضيح أفكاره السياسية في ظل ذلك الجو السياسي الحر نوعاً ما؛ لكنه على العكس، اختار السكوت واهتم بالتأليف وتربية الطلاب.
فما السبب الّذي دفع الإمام للسكوت وعدم الاستمرار في خطبه الصاخبة المؤثرة؟
السبب أنّه كان رجلاً إلهياً، تدور جميع حركاته وسكناته، كلامه وسكوته، حول محور الواجب والتكليف، فبعد الزعامة الواسعة للمرحوم السيد البروجردي، لم تكن وظيفة الإمام سوى (النصيحة لأئمة المسلمين.
ومن مظاهر احترامه لمرجعية السيد البروجردي أيام مرجعيته، انه قد جاءه احد المقلدين في زمن السيد البرودجردي، وقد جلب له حقوقا شرعية وهدية (عباءة)، يقول هذا الشخص أنه لما جلبت له ذلك المبلغ الجيد والعباءة؛ قبل العباءة وشكر الموقف، ولكنه طلب مني أن أسلم المبلغ إلى مكتب السيد البروجردي وقال أنه هو المرجع، ويجب أن ندعم مرجعيته بكل قوة، وحاولت أن ألح عليه بقبول المبلغ لكنه أصر علي بذلك.
جملة أخرى من صفاته
رغم أن الإمام (رضوان الله تعالى عليه) كان يحيي الليل بالعبادة والتهجد، إلاّ أنّه كان يشمئز جداً من التظاهر بالزهد والتقوى أمام الناس , ورغم زهده وتقواه وابتعاده عن ملذات الدنيا وزبرجها، كان يسعى للظهور بمظهر لائق من ناحية اللباس والشكل، واجتناب ارتداء الملابس القديمة أو الرخيصة؛ لأنه حسب الظاهر كان يعتقد أن هذا السلوك يعد مظهراً من مظاهر الاستعطاء وليس الزهد.
ورغم كونه إنساناً متفكراً وقوراً وذا هيبة خاصة يكثر من السكوت والتأمل، إلاّ أنّه في عين الحال كان يحب مجالس الأنس مع الأصدقاء والمقربين، لأنه كان يعتبر مثل هذه المجالس ضرورية لصفاء الذهن وشحنه، حتى أنّه كان يقول: « في مرحلة الشباب، لم يكن يمض خميس أو جمعة إلاّ وكنا نقيم مع بعض الأصدقاء مجلسا للأنس والترفيه، وكثيراً ما كنا نذهب خارج قم خاصة إلى جمكران، وفي فصل الشتاء أثناء هطول الأمطار والثلوج، كنا نجتمع في إحدى الغرف للسمر والترفيه عن أنفسنا، وما أن نسمع صوت المؤذن حتّى ننهض للصلاة.
وكان الإمام (رضوان الله تعالى عليه) شديد التعلق بالقرآن وتلاوته والتدبر في معانيه الدقيقة، وعندما طلب منه أن يكتب تفسيراً للقرآن، رد قائلاً: إن من يكتب التفسير ينبغي أن ينشغل في حياته بهَمِّ وهدف واحد فقط، وليس ممن هو مثلي لديه الكثير من الاهتمامات والمشاغل.
وكان ملتزماً بقراءة الزيارة الجامعة في جميع مراقد أهل البيت (عليهم السلام).
كما كان يهتم كثيراً بالبحث والمناقشة في المسائل العلمية، ويرغب بالمناقشة وطرح الإشكالات في الدرس، حتّى أنّه إذا ما خيم السكوت على الدرس، كان يقول: هذا مجلس درس، وليس مجلس وعظ، تكلموا واعترضوا.
فطلبوا من الإمام أن يذكر الطلاب بالتقليل من الأسئلة والإشكالات، وأن أقلل من الحديث، فرد الإمام عليهم: إني أعتقد أن الإشكالات المطروحة في الدرس أقل من المطلوب، وينبغي أن تكثروا من الإشكالات من باب (إن قلت قلت).
الشهيد آية الله السيد حسن المدرس (ره) وسجاياه الأخلاقية ومكانته
وهو صاحب المقولة الشهيرة: "ديانتنا عين سياستنا وسياستنا عين ديانتنا"
جمعت شخصيته بين التقوى والعلم والبساطة من جهة، والقدرة على قراءة المستقبل والوضع السياسي من جهة ثانية.
وكان بيته محلاً ومنزلاً لكل محتاج من صغير إلى كبير ومن فقير إلى وزير. ومما يذكر أن السيد خلال فترة وجوده في النجف الأشرف ــ 7 سنوات ــ لم يستلم أي راتب من الحوزة لأمور عيشه، وكان مصدر رزقه هو الطبابة، فقد كان السيد المدرس (رحمه الله) ملماً بالطب القديم، ويداوي به.
كانت في المدرس ثلاث خصال هي: الزهد والشجاعة والصراحة.
أمّا زهده فقد. عاش عيشة الفقراء على الرغم من تمكنه، وكان لا ينفق على نفسه إلا ثلث مرتبة الشهري من المجلس، على أن السيد (رحمه الله) لم يتغير بعد انتقاله إلى طهران ودخوله ميدان العمل السياسي، وهو الذي يقول في إحدى كلماته بالمجلس: "أتحدّى ادّعاء أي شخص أو وزارة بأني تقدمت بطلب أو حاجة في فترة وجودي هنا". فقد كان زاهداً في حطام الدنيا الزائلة، وهذا ما أكسبه قوة وشجاعة، جعلت الآخرين يهابونه ويخافون منه.
ويصف المؤرخ الإيراني "حسين مكي" بيت السيد وحياته، فيقول: " في مقابل اشرافه على مدرسة "سبهسالار" والتدريس فيها، ورفع مستواها العلمي كان يحصل على قدر لا بأس به من المال، ولكنه لم يكن يستفيد من ذلك المال لحاجته الشخصية، لذلك لم تتغير حياته الشخصية أبداً، وبقي على ذلك البساط، والسجادة القديمة، ونفس الكوز، والاناء و…؛ تلك الأشياء كانت كل أثاث بيته، وبقيت حتى النهاية هكذا.. ملابسه هي الأخرى لم تتغير. والشيء الوحيد الذي أضيف لحياته، والذي أجبر عليه بسبب كثرة زائريه، هو انه اشترى سجادة بحجم (3×4) أمتار، وكانت هذه السجادة تفرش ظهراً في السرداب، لينام عليها السيد، وعصراً في فناء الدار، ليجلس عليها ضيوفه من رجال الدولة والأعيان وذوي الحاجات، وكان يعيش مع خادمه كصديق له. يجلس إلى جانبه ويأكل معه".
وأما شجاعته، فإنه كان لا يخاف شيئاً، ويقول كلمة الحق ويعمل كل ما بوسعه لتحقيقها. ولولا هذه الشجاعة والإقدام، لما استطاع الصمود أمام دكتاتورية "رضا خان" التي كان الجميع يخافها.
الشهيد السيد مجتبى نواب صفوي والواجب الشرعي
زار الشهيد بعض الأقطار العربية سنة 1954م، والتقى بياسر عرفات .
يقول عرفات عن لقاءه هذا: لقد شدّني الشهيد نواب إلى العمل الثوري الحقيقي من أجل القضية الفلسطينية حينما قال لي: إنّ مكانك هو في فلسطين وليس في القاهرة. ثمّ يضيف عرفات: وحينها بدأت أفكاري تختمر لوضع البداية المطلوبة في انطلاقة المقاومة الفلسطينية، وفعلاً جاءت بعدها حركة فتح.
ودُعي الشهيد نواب إلى مؤتمر إسلامي عقد في بيت المقدس لمناقشة قضية مصادرة الأراضي الفلسطينية من قبل اليهود، فألقى خطابات ثورية باللغة العربية في المؤتمر دعاهم فيها إلى تحرير القدس والقيام ضد الحكومات العميلة للاستعمار.
تأثير الكلام والمنطق القوي
لم يقتصر نبوغ الشهيد نواب الصفوي في ساحة النضال والحماس؛ بل بالإضافة إلى ذلك كان قوياً من ناحية المنطق والبيان والاستدلال، كان وبمجرد أن يفتح شفتيه للحديث، يؤثر في الجميع، فكان كلامه يخرج من القلب ليستقر في القلوب فيؤدي إلى إيجاد تحول عميق في الفكر والعقيدة.
يتحدث الإمام القائد آية الله الخامنئي حول تأثير كلام نواب الصفوي القوي :
"يجب القول أن شعلة الثورة الإسلامية التي وجدت عندي كانت بواسطة نواب ولا أشك أن الشعلة الأولى قد أضاءها نواب في القلوب.
لم يكن كلام نواب كلاماً عادياً. كان ينهض ويقف ويردد شعاراً حازماً. كنت متأثراً به إلى حد الفناء فيه. كنت أقطع الصفوف لأصل إليه وأجلس أمامه. كنت منجذباً بكامل وجودي إلى هذا الرجل لأستمع إلى كلامه. كان كلامه يتمحور حول وجوب إحياء الإسلام.
يجب أن يحكم الإسلام وأما الموجودون على رأس الحكم فهم أشخاص كاذبون. هم ليسوا مسلمين فقد سمعت هذه الكلمات لأول مرة من نواب الصفوي فكان لها نفوذ في وجودي بحيث كنت أشعر أن قلبي يرغب البقاء مع نواب دائماً"4
في ساحة العبادة والمناجاة
يقول والد زوجته: "عندما كان يشتغل بالعبادة، وعندما كان يركع ويسجد، كان يبكي بشدة فتظهر عليه حالة عرفانية ومعنوية غريبة تجعل كل مشاهد متحيراً مما يرى. كان يصوم أغلب الأيام من دون سحور. ولم يترك صلاة الليل وصوته القرآني يجذب كل مستمع ولم ينس زيارة عاشوراء على الإطلاق. لم يترك الشهيد نواب الأذان العلني والواضح في كافة أوقات الصلاة
فقيد النجف الأشرف حجة الإسلام الشيخ محمد رضا المظفر (قده)
أن هذا الرجل كان يمثل الدين بحق وجدارة ومعنى يمثل الدين أنه رجل العلم والعمل ، رجل الرحمة والحنان والحب والسلام ، والضمير والوجدان ، رجل الإخاء والصفاء ، والصبر والتسامح ، والصدق والصراحة ، والزهد والعدل لا رجل المادة والمنفعة ، والحقد والكراهية ، والتملق والرياء.
إن رجل الدين ، أو العالم الديني ، مهما شئت فعبر ، لن يكون أبدا صغير النفس وحقيرها لأن الدين كبير وعظيم .
إن" الذي يتسامح في أشيائه الخاصة يفقد انتصارا جد صغير وحقير ، ولكنه يربح الإنتصار الكبير وهو مرضاة الله ، وثقة الناس ، وقد تجلت هذه الحقيقة في سيرة الشيخ المظفر.
الشيخ المظفر الذي شعر بالمسؤولية وتحملها ، ثم أداها بإخلاص. لقد شعر بوجوب العمل على التطور والتقدم ، فأقدم عليه بجرأة ، وعمل له بأمانة ، وتحمل ثقله بمغامرة ، وصارع في الميدان حتى انتصر، وعبر جميع متاهات الخطر. وهنا يكمن سر عظمته التي تميز بها عن الذين لا ينطقون ، حتى بكلمة « نعم ، أو لا، قبل أن يضمنوا الأرباح العاجلة الزائلة.