افتتاحية العدد : نفحات ربانية
افتتاحية العدد : نفحات ربانية
بقلم رئيس التحرير
لا يعدو الزمان والمكان بنفسيهما، أن يكونا اطارين للحدث ولا تتمايز مصاديقهما وأجزاؤهما، فالماضي والحاضر والمستقبل، كما هنا وهناك وهنالك، قطعات متفرقة للزمان والمكان لا تتمايز ولا يفضل بعضها الآخر في نفس الأمر، ولكن الحدث يضفي عليهما قداسة به تتفاضل أجزاؤها. من هنا كان لأشهر النور (رجب ـ شعبان ـ رمضان) تلك القداسة لارتباطها بأحداث كولادة معصوم أو نزول القرآن، ولذا حين أراد تعالى أن يتحدث عن شهر رمضان قال شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ـ فعرّفه بأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن وهذا الحدث أعطى لهذا الشهر تلك القيمة والقداسة، وهذا ينطبق أيضاً على شهري رجب وشعبان فكانت ولادة أمير المؤمنين(ع) وولادة الإمام المهدي وغيرهما من الأئمة(ع) وولادة الاسلام في صيغته النهائية, الاسلام المهيمن بكتابه على سائر الكتب السماوية مع بعثة النبي الاكرم (ص) هي أحداث أضفت قداسة على هذه الاشهر كما يضفي جمال المعنى جمالاً على اللفظ.
يقول الإمام روح الله الخميني (قدس سره) في بركات الأشهر الثلاثة: "توجد في هذه الأشهر الثلاثة (رجب وشعبان ورمضان المبارك) العديد من البركات التي أعدّها الله للإنسان، وهو يتمكّن من الاستفادة منها على أحسن وجه. بالطبع، إنّ مبدأ كلّ تلك البركات "المبعث النبوي الشريف"، وما بقي يكون تابعاً له...، ومن المعلوم أنّ الألسن والعقول والأفكار لا تتمكّن من سَبر أغوار شرف ومكانة هذه الشهور الثلاثة.
أراد سبحانه وتعالى لتلك المحطات الزمانية أن تكون مجالاً لتزوّد الإنسان في مسيره الشاق والطويل نحو الله "إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه" فدعا إلى الاستفادة من نفحاتها "إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها".
فعلى الإنسان أن يستفيد من تلك الأيام المباركة بأداء الفرائض والسنن ويستغل ذلك الاقبال القلبي على الطاعة والذي عادة ما يترافق مع قدوم هذه الأشهر .
قال الشيخ الطوسي(ره) في "مصباح المتهجّد عن شهر رجب- شهر عظيم البركة شريف. كانت الجاهليّة تعظّمه، وجاء الإسلام بتعظيمه، وهو الشهر الأصمّ، سُمّي بذلك لأنّ العرب لم تكن تُغير فيه ولا ترى الحرب وسفك الدماء، فكان لا يُسمع فيه حركة السلاح، ولا صهيل الخيل، ويسمّى أيضاً الشهر الأصبّ؛ لأنه يصبّ الله فيه الرحمة على عباده، ويُستحبّ صومه.
فكما تهتم ايها الانسان بعملك وبوظيفتك وتهتم بزوجتك وبأولادك،وبسائر أشيائك المادية اهتم بنفسك . فليست الحياة كلها شغلاً ومادة وأموالاً، الحياة طريقٌ إلى مصيرك.
وقد وقف الإمامُ أمير المؤمنين عليٌ عليه السّلام ذات يوم على أهل السّوق فبكى وقال: ”يا عبيد الدّنيا وعمّال أهلها، إذا كنتم بالنهار تحلفون
وبالليل تنامون، وما بين ذلك أنتم غافلون، فمتى تهيئون الزادَ وتفكّرون في المعاد؟!“
في هذه الايام القاسية والمليئة بالضغوطات الحياتية نحتاج إلى التوجه الى الله تعالى والتزود من هذه الاشهر الكريمة والفرص الربانية بالصلاة والدّعاء وقراءة القرآن لإذابة الغرور والغفلة التي هي حجابٌ عن النور وعن العطاء ونعمر قلوبنا بالنّور والرّحمة، لتصبح قطعًا بيضاءَ طاهرة ناصعة عسى ان نكون محلا لقوله تعالى ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ (المجادلة:22) ونلقى الله تبارك وتعالى وهو راض عنا.