هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 الافتتاحية : الاخلاد الى الارض

 اغتنموا فرص الخير

 التوحيد محور جميع الحقائق القرآنيّة

  سورة التوبة .... نظرة اجمالية 1

  الزواج أول مرحلة للخروج من النفس الفردية

 محبة فاطمة صك الفكاك من النار

 التكافل الاجتماعي في الاسلام

 المنشأ النفسي والاجتماعي لظاهرة العنف

 القيمة الأساسية لحياتنا الأخلاقية

 الذكرى الأولى لعدوان تموز 2006

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7020579

  • التاريخ : 19/03/2024 - 05:33

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : فكر .

              • الموضوع : نظرة أولية في الديموغرافيا اللبنانية(1) .

                    • رقم العدد : العدد الخامس عشر .

نظرة أولية في الديموغرافيا اللبنانية(1)

 

 


نظرة أولية في الديموغرافيا اللبنانية(1)


الشيخ علي سليم سليم

مقدمة:
يعتبر «التاريخ الرسمي» في لبنان كلاً من فخر الدين المعني الثاني وخلفائه من المعنيين والشهابيين، أبطالاً تاريخيين عملوا جاهدين «لبناء لبنان المستقبل» ويتحدث باسهاب عن معاركهم وجيوشهم وإداراتهم، كما لو كانوا حقاً أصحاب دول وحضارات، بينما لا يتم أية إشارة إلى عروبيين وقوميين مخلصين أمثال الإمام عبد الحسين شرف الدين، في مواجهة المحتل الفرنسي، حتى بلغت الوقاحة حداً إلى وصف المقاومين أمثال أدهم خنجر وصادق حمزة بالعصابات وقطاع الطرق. وفي كتاب «الرائد في التاريخ» لتلامذة السنة الثالثة المتوسطة يقرأ التلاميذ تحت عنوان «فخر الدين المعني يبني لبنان المستقبل» ما يلي:
بعد أن استكمل الأمير فخر الدين فتوحاته، التفت إلى بناء البلاد، كما استمر في تدعيم جيشه وقلاعه ليجعلها قادرة على رد الهجمات الخارجية، وعلى نشر الأمن والطمأنينة في دولته الواسعة... وبما أن الدفاع عن أرض الوطن واجب على كل مواطن، لذلك كان جيش الأمير يتألف من جميع المواطنين القادرين على حمل السلاح». وأما عن «سياسة الأمير الاقتصادية» فإن «فخر الدين عمل لجعل لبنان يلحق بركب الحضارة العصرية...». هذا «وعرف الأمير بعدله فكان يتبع سياسة المساواة بين جميع السكان؟. ومن نتائج هذه «السياسة العادلة»  أن «جاء الموارنة من بشري والجبال الشمالية، وسكنوا البقاع ولبنان الجنوبي والشوف والمتن وكسروان ثم نزلوا في بيروت ـ الحدث والغبيري ، وصيدا».
هكذا وبمثل هذه الطريقة يتعرف أبناؤنا في المدارس على تاريخ أوطانهم، ويتعلمون على تمجيد فظائع الخونة الذين لم يخل منهم تاريخ شعب، إذ أن التاريخ المدرسي يعتمد على تلفيق الأساطير وفرضها على أنها تاريخ وطن.
إن فخر الدين المعني الذي بالغوا في تضخيم أسطورته إلى حد جعلوه حالماً وساعياً طيلة حياته إلى بناء ما سموه عنه «مشروع الوحدة اللبنانية» لم يذكر عنه أي من مؤرخيه المعاصرين كالخالدي والمحبي والدويهي أنه لفظ كلمة لبنان ولو مرة واحدة بمدلول سياسي، وإنما تسلم إمارته باسم «جبل الدروز» .
عندما تتصفح التاريخ السياسي لهؤلاء ابتداء من عهد الأمير فخر الدين المعني الثاني إلى آخر عهد الأمير بشير شهاب الثاني، لا تجد ما يرضي الطموح الوطني والقومي.. أو ما يعزز الوحدة الوطنية ويوجب الألفة والمحبة بين الطوائف والأحزاب المختلفة...
إن حكام الغرب وملوكه قد عضدوا الأمير فخر الدين وأمدوه بالمساعدات المعنوية والمادية وبالسلاح والعتاد وبالخبراء والقادة لمجرد أنه كان ضد الدولة العثمانية، أم أنهم عضدوه وساعدوه بكل ما يستطاع لكي يعيد الأراضي المقدسة إلى الصليبيين ويستبدل مستعمراً بمستعمر ثم يكون بالتالي تحت حماية الأسياد الجدد.. وقد أحاطه الأوروبيون بالكثير من المغريات الفعالة ليجعلوا من إمارة لبنان قاعدة لغزوهم وانطلاقهم السياسي والاقتصادي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط وإلا فما هي الغاية البريئة من تلك الأسلحة الجديدة التي كانت تهدى إليه بكثرة؟ وما معنى تلك الرعاية المركزية لمساندته في الحرب والسلم؟ وتلك المعاهدات المريبة في أهدافها وشروطها التي رسمها له الأوروبيون.
... لقد ساعد فخر الدين الموارنة على الانتشار في بقية مقاطعات لبنان كالمتن، والغرب، والشوف، وفي مدنه الساحلية وثغوره كصيدا، وصور وعكا، وفي سهوله كعكار، والبقاع، وبلاد بشارة، ومرجعيون حيث أقام الأمير على المرتفعات المشرفة على السهل الشرقي عدة قرى مسيحية لرد غارات البدو وغيرهم عن جبل لبنان، مثل كوكبا وقد جلب أهلها من أهدن، وجديدة مرجعيون، والقليعة، وأصلهم من العاقورة، والخريبة، وسرده، وغيرها فضلاً عن قرى البقاع وهكذا استعان الأمير بالموارنة على التوسع والتوطيد، واستعانوا به على انشاء وطن قومي لهم في لبنان.
فهل ما كان يفعله.. ما من شأنه أن يوطد الألفة والمحبة بين أبناء الوطن الواحد؟
إن كل ما فيه من حقائق كان يدعو إلى التذمر والقلق ـ لدى اضطراب الأوضاع العامة ـ إلى تحد وانفجار، كما حدث في الشوف سنة 1841 إلى 1860 من جراء السياسة المشابهة لسياسة فخر الدين في تغليب فئة على فئة وإيثار طائفة ـ من أهالي البلاد ـ على طائفة.
وفي كل حال فحين يمعن المرء في شكه وتثريبه أن يرجع إلى أصالة القول المأثور «بأن التاريخ لا يعرف الرحمة ولا النقمة وإنما يتحرى ليسجلها بدقة وأمانة بقطع النظر عن اعتبارها مدحاً أو هجاء» .
من الأحداث البارزة في تاريخ لبنان الحديث، والتي تركت ذيولاً لا تزال بصماتها بارزة للعيان حتى يومنا هذا، سياسة تهجير العائلات الشيعية من مقاطعات جبة بشري وجبيل والبترون، واحلال عائلات مارونية محلها. لا يزال عدد كبير من أفرادها يتوارث إلى جانب الملكيات الزراعية الواسعة الاقطاع السياسي والاقتصادي في تاريخنا المعاصر  فقد تعرضت المناطق في جبل لبنان (كسروان) ومن ضمنها المتن الشمالي الحالي لسلسلة من العمليات العسكرية المنظمة عرفت بالحملات الكسروانية.
جرت هذه الحملات في الفترة الممتدة من 1292 ـ 1305م وأدت إلى افراغ منطقة كسروان وجوارها من سكانها واحداث تطورات ديموغرافية مهمة، ما كان له كبير الأثر على التحولات السكانية في كسروان وفي غيرها من المناطق اللبنانية .
إن وجود الشيعة في جبل لبنان وجبل عامل وساحل البحر المسامت لهذين الجبلين، وسهل البقاع، يعتبر من الألغاز التاريخية. فمن المقطوع به أن أغلب المناطق، التي صارت داخل الحدود السياسية لما صار فيما بعد «الجمهورية اللبنانية» كانت معمورة بجماعات شيعية.
فمدينة «طرابلس» ظلت حاضرة شيعية مزدهرة حتى سقوطها بيد الصليبيين سنة 1109م. ومنطقة «الضنية» وجوارها في شمال لبنان كانت أكثرية شيعية على الأقل حتى القرن الخامس عشر الميلادي. كما أن جبال كسروان و.. جبيل والمتن الأعلى كانت معمورة بهم، حتى ما يعرف بـ»فتوح كسروان» في القرن الرابع عشر الميلادي. وكذلك «البقاع البعلبكي» فلا نعرفه إلا شيعياً. وجبل عامل لا نعرفه كذلك إلا شيعياً فضلاً عن القرى القائمة في وادي نهر الليطاني الموصل ما بين سهل البقاع وجبل عامل. أما وجودهم في أعالي «الجليل» فقد استمر حتى سقوط فلسطين سنة 1948  .
وتكتظ اليوم منطقتا بعلبك وجبل عامل بالشيعة الإثني عشرية. وكانت جماعات من الشيعة تسيطر، قبل العهد العثماني بمدة طويلة، على لبنان كله، ما عدا مناطق بشري والبترون وجبيل... أما منطقة كسروان، وأكثر سكانها اليوم من الموارنة، فظلت حتى القرن الرابع عشر آهلة بالشيعة. وما زال جبل الضنية إلى الشمال من بشري يحمل إلى هذا اليوم اسم الجماعة الشيعية التي استقرت هناك قبيل الحروب الصليبية. وعند الحملة الصليبية الأولى، كان بنو عمار وهم من الشيعة يحكمون طرابلس.. وقبل ذلك التاريخ كانت الإسماعيلية قد ازدهرت في وادي التيم وفي الشوف أيضاً، إلى أن تحول أهل هاتين المنطقتين إلى المذهب الدرزي في مطلع القرن الحادي عشر. وعندما بلغت الحملة الصليبية بلاد الشام في أواخر القرن الحادي عشر كانت منطقتا الشوف ووادي التيم قد أصبحتا منطقتين درزيتين. وباستثناء هاتين المنطقتين بقيت السيطرة على البلاد للشيعة.
وفي أوائل القرن السادس عشر، تكاثر الشيعة في كسروان من جديد وامتدوا ليستوطنوا في مناطق جبيل والبترون وبشري. ولكن ما إن اقترب القرن الثامن عشر من نهايته حتى كان أكثر هؤلاء المستوطنين قد طردوا، بمساعدة الشهابيين من هذه المناطق المارونية على حد تعبير كمال الصليبي . ولكن الوجود الإسلامي في كسروان وبلاد جبيل لم يكن وجوداً طارئاً وغريباً على المنطقة، بل هو وجود تاريخي وحضاري قديم منذ أن افتتحها المسلمون.
أما بخصوص الشيعة في تلك المنطقة، فبسبب التعصب المذهبي جردت الحملات عليهم وآخرها سنة 1305، حيث وجه آقوش نائب المماليك في الشام جيشاً كبيراً اشترك فيه التنوخيون وجيوش أخرى أتت من فلسطين شارك فيها أمراء الشوف وأخذت المناطق الكسروانية فعرفت بالفتوح.. وفيما بعد قام المماليك العسافيون بتشجيع الموارنة على النزوح جنوباً إلى كسروان، ورويداً رويداً بدأت الهجرة المارونية إلى كسروان، ويذكر فيليب الخازن أن الموارنة لم يتوطنوا كسروان ولم تطأها أقدامهم في عهد أمراء آل عساف أيحتى سنة 1590 ويقول الأب لامنس: «وعندنا أن الموارنة لم يتوطنوا كسروان قبل القرن السادس عشر».
ومع مرور السنين بدأ الموارنة النازحون من الشمال يستوطنون هذه المناطق وأخذ المد الماروني يتجه تدريجياً من الشمال نحو بلاد جبيل وكسروان وجزين .
ويؤكد البطريرك الدويهي أنه لم يكن في كسروان ولا كنيسة واحدة. فأول كنيسة شيدت هي سيدة عجلتون سنة 1665 وأول دير أقيم فيه هو دير مارشليطا سنة 1628، وكل ما أنشئ فيها من كنائس هو مستحدث بعد هذا التاريخ .
وكان الموارنة في البداية يستوطنون مناطق بشري والبترون وجبيل، ثم شرعوا بالنزوح جنوباً إلى كسروان بعد أن شتتت المماليك سكانها الشيعة سنة 1305. وبفضل حماية المعنيين والشهابيين، قدم الموارنة بأعداد كبيرة من الشمال ليستقروا مع الزمن في المناطق الدرزية في الجنوب وفي سواها من الأراضي اللبنانية الحالية التي كانت في ذلك الحين تحت حكم الأمراء. وهكذا شهد القرنان السابع والثامن عشر هجرة مارونية واسعة إلى جميع أنحاء لبنان... وفي خارج جبل لبنان والمدن الساحلية، نزل الموارنة بكثرة بين الشيعة في منطقة بعلبك وجبل عامل... وكانت تلحق بهم، حيثما استوطنوا، فئات كبيرة من الملكيين، أكثرهم من داخل بلاد الشام ..
وقد بقي الوجود الإسلامي على حاله من القوة والازدهار حتى عام 1622 عندما ابتدأ بالانحسار بعد أن قرر الأمير فخر الدين المعني الثاني جعل كسروان منطقة نصرانية خالصة فاقتلع القرى الإسلامية منها . وسهل انتقال الموارنة من جبل لبنان في الشمال إلى الشوف والبقاع وجبل عامل، وساعد في انتشارهم في المدن الساحلية مثل صيدا وصور وعكا، وأيضاً في السهول الداخلية مثل عكار والبقاع وبلاد بشارة ومرجعيون .
ونتيجة لتلك السياسة التي انتهجها الأمير فخر الدين الذي وصفه الأب لامنس الفرنسيسكاني بالمحامي عن النصرانية وأكبر محسن إلى رهبنتنا وهو الذي وهبنا ديورة الناصرة وصيدا وعكا من بث التفرقة والنعرات الطائفية والمذهبية واغراء  المسلمين بترك دينهم، وزرع قرى ومزارع نصرانية في التجمعات الإسلامية، حيث بدأت بالنمو والاتساع حتى سيطرت على أراضي المسلمين وعقاراتهم وأوقافهم، حيث كانت يتم بناء الأديرة والمدارس التبشيرية وتضم إليها.
وأدت كذلك تلك السياسة إلى منع المسلمين من التواصل فيما بينهم في المناطق الأخرى. إلى أن بلغ الأمر حد ارتداد عائلات كثيرة عن دينها كان منها: آل هاشم، غانم، طه، زغيب، عواد، زوين، خير الله، مراد، قرقماز وغيرهم .
وهذه السياسة اتبعت من كل الدول التي تعاقبت على البلاد التي كانت تجد الأرضية الصالحة لبذور الشقاق واحداث الفتن واتخاذ الأعوان الملائمة والمتجانسة معها. ففي عهد المماليك والعثمانيين تحول إلى المذهب السني في بلاد الشام كثير من النصارى والشيعة تفادياً للاضطهاد المستمر. وكان معظم سكان بلاد الشام حتى أواخر القرن الثالث عشر من النصارى، كما كان معظم المسلمين من المذهب الشيعي غير أن سلوك النصارى والشيعة في الفترة الصليبية أثار عليهم نقمة الدولة السنية فيما بعد، إذ كان النصارى، بطبيعة الحال، متهمين ـ وبحق ـ بالميل ـ إلى الصليبيين وكان الشيعة، على الرغم من عدم ميلهم إلى الصليبيين، غير متحمسين في ولائهم للدولة السنية في أثناء الجهاد ـ وهذا لا يعني عدم جهاد الشيعة للصليبيين، كما سيأتي في مواجهتهم وتصديهم لهم في جزين ـ فلما انتهى دور الصليبيين، جاء دور هاتين الطائفتين، فأنزلت الدولة السنية بهما لسنين عدة، شتى أنواع الاضطهاد.
ويعود تكاثر عدد السنة في لبنان إلى هذا العهد. ففيه استقرت أولى جالياتهم في كل من طرابلس وبيروت وصيدا، وفي بقية أنحاء الساحل التي شعرت بوطأة حكم المماليك. وكثيراً ما ادعى الدروز والشيعة في البقاع ووادي التيم والشوف الانتماء إلى المذهب السني على سبيل التقية في أوقات الشوه، متخذين دين الفئة الحاكمة.
ولعل بعض من مارسها أخذ يحسب نفسه مسلماً سنياً ونسي مع مرور الزمن أنه مارسها تقية. وفي هذا ما يفسر، على الأرجح، منشأ الجماعات السنية الموجودة حالياً في قرى البقاع الأوسط وبعض قرى اقليم الخروب.
وهناك عامل آخر وهو أن المماليك في مطلع القرن الرابع عشر، رغبة منهم في توطيد حكمهم على بلاد الشام  كانوا يستقدمون القبائل المختلفة لحماية الثغور ومن ثم استوطنوا في البلاد.
في عهد الأمير بشير الثاني الذي استمر نصف قرن، لمع نجم الكنيسة المارونية، حتى أنه سمح لها، على سبيل المثال باضطهاد المبشرين البروتستانت وأتباعهم الجدد. ويروي كمال الصليبي حادثاً أقدم فيه رجال الأكليروس على اعتقال الشاب الماروني أسعد الشدياق وتعذيبه حتى الموت، بسبب اعتناقه البروتستانتية.
وكان هذا الأمير يشجع الفلاحين الموارنة على الانتقال إلى الأراضي الحرة في وسط لبنان، ويساعد في الوقت نفسه على شراء أراضي المسلمين والاستيلاء عليها من قبل النصارى الأغنياء.. هادفاً من وراء ذلك إلى غايات سياسية واقتصاديى، مما أدى إلى احتلال الموارنة المتزايد لجنوب وسط لبنان... وحاز الكثيرون منهم على ملكية المنازل والأراضي التي كانت سابقاً بحوزة المسلمين ثم أخذها منهم بشير الثاني .
وهكذا اندفع الموارنة جنوباً نحو كسروان التي كانت مقراً للمسلمين الشيعة، فأجبروهم على النزوح إلى سهل البقاع، ووصلوا إلى المناطق الدرزية في الجنوب بأعداد كبيرة، وقاموا تحت قيادة رهبانهم وقساوستهم ببناء رهبانيات وأديرة واستعملوا الأودية والأراضي للزراعة. وفي هذا الوقت بدأت الكنيسة تحصل على أملاك خاصة بها واستولت على مساحات كبيرة من الأراضي... وقد استطاع الموارنة تدريجياً أن يستولوا على كسروان، وقام البطريرك يوحنا الحاج في القرن التاسع عشر بإخراج الشيعة من جرود العاقورة وتنورين، وبشري، وتوسع نفوذ الموارنة من الحنين إلى ضهر القضيب. ورغم أن جزين كانت في العهد المملوكي مركزاً دينياً إسلامياً شيعياً هاماً ـ ويعتبر القرن الرابع عشر الميلادي عصرها الذهبي ـ فقد أصبحت فيما بعد تحت السيطرة المارونية . ولم يبق أي وجود للشيعة فيها ولا أي أثر يذكر، رغم تاريخها العلمي المشهود، وانسلخت بل سلخت عن كل ماضيها المجيد، حتى لكأن صورتها اليوم لا تمت إلى ذاك الماضي بأية صلة.
في سنة 1711 اقطع الأمير حيدر الشهابي اقليم جزين الشيخ قبلان القاضي.. وتسلم الأمير يوسف الشهابي اقليم جزين من الجنبلاطيين مع مقاطعة جبل الريحان وجعل تصرفهم فيه عن يده.
أما التشيع في جزين واقليمها فإنه قديم، وحسبك دليلاً على قدمه انتساب عبد الله بن أيوب العاملي الجزيني إليها، وهو من رجال المائة الثانية للهجرة ومن المنقطعين إلى الإمام الرضاQ. وأما تقلص ظل الشيعة من هذا البلد فلا يمتد إلى أكثر من قرن وسببه مزاحمة مساكنيهم من غير أبناء ملتهم لهم على مساكنهم التي ابتدأت من عهد امارة الأمير فخر الدين المعني وابن أخيه الأمير أحمد، ثم الحرب التي كانت سجالاً بين العامليين وأمراء الشوف، ثم قضى الجزار والأمير بشير على النفوذ الشيعي، يوم لم يكن للأهالي سلطة على الأرض ولم يكن هناك مساحة تلزمهم بها وإنما كانت الأرض ملكاً للدولة، وكان كل شيء بيد حكام المقاطعات ورهن حكمهم الكيفي وإرادتهم الغاشمة.
فلا عجب بعد هذا أن يصبح الشيعة أقلية ضئيلة في هذا الاقليم الذي كان معموراً بهم، وأن تصبح جزين نفسها بلداً مسيحياً محضاً ..
كانت جزين مقصداً للمعرفة ومجمعاً للعلم والفكر، ومشهورة بعلمائها ومجتهديها، وللتدليل على عظمة تلك الشهرة نذكر ما أورده عبد المجيد الحر في مجلة العرفان: أنه توفي في أواخر القرن السادس الهجري مجتهد فقيه هو العلامة إسماعيل بن الحسين العودي الجزيني فشيعه إلى مثواه الأخير عشرون ألفاً وصلى على جثمانه الطاهر سبعون مجتهداً ورثاه الشاعر العاملي إبراهيم بن الحسام بقصيدة منها:
عرّج بجزين يا مستبعد النجف
  ففضل من حلها يا صاح غير خفي


واستمرت جزين في عطائها إلى حين خروج المتاولة منها سنة 1171هـ/1757م على إثر الحروب التي دارت بينهم وبين سكان الشوف ثم استقدم الأخيرون فلاحين من الطوائف المسيحية، أقاموهم في مناطق اقليم التفاح التي أخذوها من المتاولة، ليعملوا في الزراعة شركاء بالعمولة لاعتمار الأرض واستدرار بركاتها، بعد أن كانت في ذلك العهد قصبة مهمة محشودة بالسكان .
ومن المؤسف حقاً أن تجد إلى اليوم بعض من أغشى بصيرته التعصب الأعمى يعود ما يقرب من سبعة قرون إلى الماضي ليبرر ما فعله التعصب الأعمى المجرم من الذبح والهتك والحرق والهدم والسبي على يد المماليك بسبب تحريض مشايخ السوء وفتاواهم أمثال ابن تيمية.. فرد الدكتور محمد علي مكي مفترياته... لو كان لصاحب المقال حس غير التعصب الأعمى لكان أشار إلى الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه المماليك بالقضاء على شيعة كسروان وتفريغ المنطقة منهم، لأن عملهم ذاك سبب امتلاءه بالموارنة فيما بعد، كما سبب خطأ العثمانيين تفريغ جزين من الشيعة لتمتلئ بعد ذلك بالموارنة .
ويؤخذ على كاتب المقال قصر نظره في التاريخ، وإننا نحسن الظن إذ قلنا ذلك، لأن على المؤرخ الطامح إلى وحدة أمته ومصلحة بلاده أن يكتب بروح علمية بريئة تبعث فينا هزة الاكبار لكل مخلص أمين على الواجب القومي والوطني والإنساني، أو تعزز في نفوسنا ثورة المقت والغضب والاحتقار لكل خائن أو جائر أو مستهتر بواجب المرؤة وواجب الإيمان والتضحية في سبيل المثل العليا ـ على ما تفرضه الحياة في كل زمان وفي كل قطر ـ وإلا كان التاريخ من عوامل الرجعة والانتكاس والجمود. ولا يتأثر بما طبع عليه المؤرخون ورواة الحديث من عصبية أو عنجهية أو ممالأة غالبة كانت ولم تزل تفرض على المؤرخ مهما يكن مستواه ـ في ظل الحكام المستبدين ـ أن يحذف أو يضيف وأن يقتصد أو يبالغ وأن يتأول أو ينحرف حسب الظروف والأهواء والمصالح الوقتية.. كل ذلك لا يخدم أي قضية أو هدف سام، في بلد كلبنان تضاربت فيه النعرات القبلية والاقليمية والطائفية والمذهبية، حتى أوشكت أن تجعل منه برجاً من أبراج بابل أو تحوّل برلمانه إلى ما يشبه جمعية أمم، كما عبرنا في مقالات سابقى بالأمم الملتحدة .
لقد أهمل ذلك الكاتب الظروف التي كانت سائدة في الربع الأخير من القرن الثالث عشر ومطلع القرن الرابع عشر ومنها:
العداوة الاقطاعية والمذهبية بين تنوخيي الغرب وشيعة كسروان وتحالف الشيعة مع مماليك دمشق وأمرائها الأيوبيين وكلهم سنة، ومحاربة الشيعة مع قلاوون وسيرغي حاكم جبيل ضد الصليبيين في طرابلس، والصراعات المملوكية فيما بينهم للوصول إلى السلطة، وتحالفاتهم مع المغول والصليبيين، كل ذلك أهمله ليخرج علينا بهذه الفتنة التي أسماها: التحالف الشيعي الماروني الانفصالي تحالف الروافضة الموارنة لتحقيق المخطط الانفصالي.. أنه لم يزور فحسب بل هو يهيء للفتنة!
ويقول ابن حجر كان الناس إذا أرادوا أن يكيدوا لشخص دسوا عليه من رماه بالتشيع، فتصادر أملاكه وتنهال عليه العقوبات والإهانات حتى يظهر التوبة من الرفض.
بهذه الروحية وبهذه العقلية قدم المماليك إلى لبنان، حيث كانت الطوائف تعيش متآلفة ومتجاورة لا تعرف التعصب ولا تتعامل به.
ولم يسجل التاريخ أي تصادم بين شيعة كسروان والظاهر بيبرس بينما سجل التصادم بين التنوخيين وبيبرس، وكذلك بين موارنة الشمال وبيبرس بسبب تعاونهم مع صليبي طرابلس وبيروت.
لقد تحالف الملك الكامل المملوكي سنقر الأشقر بعد وفاة بيبرس سنة 1277 مع التنوخيين ومع الجرديين الشيعة في كسروان على بناء الدولة الجديدة.. هذا الحلف الإسلامي الواضح صوّر حلفاً بين الموارنة والروافضة!
إن تهمة الكسروانيين بمساعدة الصليبيين في طرابلس أمر فيه التباس ومناف للحقيقة حيث سكن الموارنة بعد تفريغ الشيعة من كسروان وعرفوا بعد ذلك بالكسروانيين فاختلط الأمر على بعض المؤرخين المحدثين... إن أزهى أيام طرابلس كانت في عهد بني عمار الشيعة وأن شيعة كسروان أنقذوا كسروان من أيدي المردة (الموارنة) منذ القرن التاسع الميلادي وجعلوه داراً للإسلام، وحموه بعد ذلك من الاحتلال الصليبي طيلة الحكم الصليبي في الشرق  وكانوا دائماً خير مرابطين في هذه المنطقة، ولم يتخل الشيعة الكسروانيون عن كسروان إلا بسبب الخطيئة المميتة التي ارتكبت بحقهم.
إن شيعة كسروان لم يتدخلوا في معركة طرابلس بدليل أن أحداً من المؤرخين المعاصرين لفتح المدينة لم يذكر ذلك. ومن المعروف أن المؤرخ أبا الفداء كان حاضراً في معركة طرابلس مع قلاوون ولم يشر إلى ذلك على الاطلاق. كما أن صالح ابن يحيى التنوخي؛ صاحب تاريخ بيروت، وهو خصم للشيعة الكسروانيين لم يشر إلى ذلك، ولو كانت التهمة صحيحة لكانت في مصلحة التنوخيين.
وبما أن الموارنة سكنوا كسروان بعد ذلك، أي بعد تفريغ كسروان من الشيعة وأصبحوا يعرفون كذلك بالكسروانيين، فقد اختلط الأمر على بعض المؤرخين المحدثين من حيث الاسم، فجعلوا المساعدة المارونية للصليبيين أيام طرابلس مساعدة كسروانية وتناس الكاتب الفارق الزمني بين السكنين: الشيعي والماروني في كسروان وهو حوالي قرنين ونييف من الزمن .
لقد كانت الحملات الكسروانية بسبب رسالة ابن تيمية للسلطان محمد بن قلاوون التي احتوت على انتقادات قاسية لمعتقدات أهل الجرد وجبيل وكسروان، فهؤلاء حسب ابن تيمية هم «أهل البدع المارقون وذووا الضلال المنافقون الخارجون عن السنة والجماعة المفارقون للشرعة والطاعة» والمتمردون على سلطة الدولة وهم على مذهب أهالي جزين، وما حواليها وجبل عاملة ونواحيه وقرى متعددة بأعمال دمشق وضد طرابلس وحمص وحماة وحلب، واضعاً إياهم بالرافضة، لأنهم ينكرون شرعية خلافة كل من الشيخين.
لقد أوضح ابن تيمية الذي لا يطيق مخالفة مذهبه فحرض على إعمال السيف بهم، إن الهدف ليس سياسياً فقط، وإنما له علاقة بالمعتقدات الدينية. ومن أجل تبرير القتل زعم بقوله أن أتباع هذا المذهب يكفرون كل من لا يؤمن بمنتظرهم (المهدي) مع أنه محض افتراء. ومن جهة أخرى إشارته لتعاون الكسروانيين مع «أعداء المسلمين» ومواجهة الصليبيين في جزين ومنطقتها في سنة 1217م خير دليل على دحض هذه الافتراءات. وهناك نصوص تاريخية ثابتة في هذا المجال، منها ما ذكره ابن الجوزي في مرآة الزمان... عند وصول الفرنج إلى جزين... تحدرت عليهم المياذنة من الجبل فأخذوا خيولهم، وقتلوا عامتهم، وأسروا... وهرب من بقي منهم إلى صيدا.
ولا ينكر من دور لأمراء بني عمار في مواجهة الصليبيين لمنطقة طرابلس حتى العام 1109م حيث خضعت المدينة لاحتلال دام 180 عاماً بعد أن أحرق الفرنج دار العلم التي ضمت أغنى مكتبة في الدنيا وضمت ثلاثة ملايين مخطوط في العلوم الإنسانية، على عهد أمراء بني عمار كما ذكر مؤرخ طرابلس الدكتور عمر عبد السلام تدمري.
ابن تيمية هذا الذي سبب كل هذا السفك لدماء المسلمين، لم يبصر وفود الخيانة متزاحمة على باب هولاكو ملوكاً وسلاطين وصدوراً وأعياناً، بل أبصر نصير الدين الطوسي وحده، لأنه عندما كان يكتب لم يكن ينظر ببصره، بل ببصيرته، وبصيرته كانت مغشاة بعصبيته فانحجبت عنها الحقائق وتجلت الأباطيل! ابن تيمية لا يبالي أن يدافع عن الوثني الطاغية السفاك السفاح ويبرئه من الأمر بقتل الخليفة ويلصق ذلك بالمسلمين، إنه لا يبالي بذلك بعد أن غطت العصبية العمياء بصيرته! فقد كانت عصبيته تغشي على بصيرته فيقع في فضائح تاريخية وغير تاريخية. قال: إن التتار لم يكونوا ليغيروا على بغداد  ولم يكونوا ليقتلوا الخليفة العباسي وبقية القواد المسلمين إلا بمساعدة الملاحدة الإسماعيلية. مع أن قاضي القضاة المحرض والمتحمس كان من أخلص الأعوان للمغول، فمن الذي ساعدهم على الاغارة على بغداد؟ أهو قاضي القضاة أم الإسماعيلية الذين استهدفهم تحريض القاضي ثم استهدفهم تنكيل المغول؟! رغم أن ملوك وسلاطين وأمراء مسلمين ساروا مع هولاكو لتحطيم قلاع الملاحدة.. على أن الأمر لم يقف عند هذا الحد فبعد احتلال هولاكو لبغداد وزحفه إلى بلاد الشام انضم إليه من انضم من ملوك المسلمين وساروا معه لقتال لإخوانهم المسلمين ومعاونته على فتح بلادهم.. وسارع معهم على ما يقول أبو الفداء في تاريخه الملك السعيد الأيوبي وأعلن الغسق والفجور وسفك دماء المسلمين وسلم لهولاكو قلعة الصبيبة المطلة على بلدة بانياس الواقعة في سفح جبل الشيخ. وغيره، لكن ابن تيمية يتجاهل كل هذه الجرائم، لأن عصبيته توحي إليه بهذا التجاهل. وماذا لو أن ملكاً شيعياً سلم القلعة لهولاكو أو قاتل مع المغول في معركة عين جالوت ماذا سيفعل؟! إنه يفعل ذلك لأنه يريد بأية وسيلة أن ينال ممن يكرههم، يكرههم لا لشيء يستدعي الكره، بل لأنهم لا يرون رأيه في كل شيء، وكل من لا يرى رأيه فهو مكروه منه بل هو حلال الدم، حلال الكرامة حلال الاستباحة: الاستباحة بالسيف أو الاستباحة بالقلم!
وبهذا الاستحلال، بفتاوى ابن تيمية سفكت دماء المسلمين في كسروان، وكادت تسفك دماء المسلمين في بعلبك والهرمل ودماء المسلمين في جبل عامل لولا أنهم لم يؤخذوا على حين غرة ...

نتائج الحملات الكسروانية:
أسفرت الحملات العسكرية على كسروان عن تبدلات سياسية واجتماعية وسكانية في هذه المنطقة، فباخراجهم النصيرية  من مناطق كسروان، وبمنعهم انتشار الشيعة والدروز شمالاً، يكون المماليك قد أسهموا، من دون قصد منهم، في تعزيز مكانة المسيحيين في كسروان ومحيطها.
لقد أعقب تخريب هذه البلاد نزوح الناجين من سكانها إلى أماكن مختلفة من بلاد الشام، كي يكونوا بعيدين عن متناول السلطة. فبعد أفول مكانتهم السياسية في جبل لبنان وما حوله، انتقل معظم الشيعة إلى البقاع وجزين وجبل عامل، كما لجأ بعضهم إلى مناطق أخرى، حيث اعتمدوا التقية متظاهرين بالانتماء إلى الشافعية، أحد مذاهب أهل السنة الأربعة، ليعود جماعة منهم، بعد حين، إلى قراهم في جرود كسروان، وبخاصة إلى المرتفعات الوعرة منها، فأعادوا بناءها، واستقروا فيها، من دون أن يستعيدوا مكانتهم، بوصفهم يمثلون عصبية محلية لها حضورها الحيوي على مساحة الحدث في منطقتهم، وحاذروا التمركز في التلال المشرفة على الساحل بسبب وجود الحاميات التركمانية على مقربة منها.
أما الجماعات الدرزية فنزحت إلى المناطق الجبلية في الشوف، بينما توجهت جماعة النصيرية شمالاً لتستقر في منطقة عكار، حيث انتقل بعض منهم إلى مذاهب أهل السنة.
أما مسيحيو المناطق اللبنانية في الشمال، حيث الأكثرية المارونية، فلم يكن ثمة ما يسوغ تحالفهم مع أهالي كسروان، لأن انتصار الكسروانيين وتنامي نفوذهم قد يهدد استقلال جيرانهم، وفق ما ذكر المستشرق هنري لاووست (H. laouts). ويعزز ذلك أننا لم نقع في المصادر التي وصل إليها اطلاعنا على ما يؤكد مشاركة مسيحيي الشمال في الخروج على المماليك، بل أن هؤلاء المسيحيين استفادوا من المستجدات الحاصلة في منطقة كسروان، وخلوها من سكانها، فانتقلت جماعات منهم إلى المنطقة واستوطنتها من دون اعتراض من المماليك، ذلك لأن هؤلاء الأخيرين، حسب تعبير عادل إسماعيل كانوا يفضلون المسيحيين المحايدين على المسلمين المخالفين لهم، والمستعدين دائماً للعصيان».
ومنذ القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي، وربما مع بداية القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، بدأ الموارنة يتمركزون بكثافة في مناطق كسروان وجبيل، مستفيدين من الصراع المستفحل بين التنوخيين الدروز وبني عساف السنة من أصول تركمانية، وبسطوا سيطرتهم تدريجياً على بلاد كسروان وجبيل .
وبعد، يأتي البحث والتدقيق عن أصول من سكن في تلك المنطقة وما حولها.

 

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2008/08/20   ||   القرّاء : 10907


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net