الطوائف اللبنانية شعوب متعددة في التاريخ والجغرافيا السنة نموذجاً {3}
بسمه تعالى
الطوائف اللبنانية شعوب متعددة في التاريخ والجغرافيا السنة نموذجاً {3}
إعداد : الشيخ علي سليم سليم
الحقيقة، وفي حدود اطلاعي عما كتب ويكتب عن سيرة الطوائف في لبنان، لم أجد سوى الانحياز الواضح في أغلب الكتّاب إلى طوائفهم، وهذا لا يعني عدم وجود كتاب موضوعيين ومنصفين يبتغون الحقيقة وتدوينها دونما أي تحريف أو تزوير أو تعمية، من كل الطوائف بالطبع، ولا يعني كذلك أن الكاتب إذا كتب عن طائفة محددة ينبغي بشكل تلقائي وبالضرورة أن يكون موضوعياً، كلا فكثر من هم وعلى مر التاريخ من يؤجرون ضمائرهم ويسخّرون أقلامهم في خدمة السلاطين والحكام لقاء حفنة من الدراهم والدولارات.
فالسلاطين والحكام الذين حكموا البلاد العربية باسم الإسلام بدءاً من الأمويين وحتى العثمانيين باستثناء الحمدانيين في بعض سورية والفاطميين في مصر وبني عمار في طرابلس كانوا كلهم من السنة، وكثير من سنة لبنان هم من التركمان كانت تأتي بهم الولاة والحكام كحماة على الثغور لسد هجمات الروم وغيرهم، خصوصاً على السواحل.
الموارنة والسنة:
إذا كان السنة قد تم تجريدهم على امتداد الحرب الأهلية من دورهم وإخراجهم من اللعبة السياسية، وإن الوجود السني هو الخاسر الوحيد، فمن كان يحكم لبنان قبل ذلك، ومن يحكمه الآن؟!
زعم غريب وهرطقة وهراء أغرب، وسوف أذكر لاحقاً الوقائع التي تظهر من كان حاكماً.
إدعاء آخر ربما يكون أغرب من سابقه أن ضعف الطائفة السنية في لبنان يعود لعدة نواحي أولها غياب المرجعية والولاء الخارجي خلافاً لباقي الطوائف كالشيعة والمرجعية الإيرانية والمسيحيين عموماً والمرجعية لفرنسا!
إن الطائفة السنية في لبنان طائفة كبقية الطوائف اللبنانية، وهي من الطوائف الثلاث الكبرى، هي طائفة قومية عروبية، وأممية لا تعترف بالأطر والكيانات ، ربما يعود السبب في ذلك إلى أنها اعتادت الشعور بالانتماء إلى الدولة المترامية الأطراف نظراً لكونها جزءاً لا يتجزأ من الدولة الإسلامية عبر التاريخ ، من هنا رفضت مع بقية المسلمين الكيان الجديد"لبنان الكبير" ورفعت شعار الانضمام إلى الوحدة السورية في بادئ الأمر.
لكن بعد ميثاق 1943 صارت الطائفة السنية العمدة الثانية للكيان اللبناني، والمسلمون قبلوا في العام ذاته بتولية مسيحي ماروني لرئاسة الجمهورية مع أنه لا يوجد نص بذلك ـ بغية إزالة مشاعر الخوف عند المسيحيين، مع أن المسلمين عام 1920 كانوا أشد خوفاً من التحالف الفرنسي الماروني، ومع ذلك لم تؤخذ مشاعرهم بعين الاعتبار، وأعطيت الرئاسة للمسيحيين مما يؤكد وجود نوايا غير سليمة وراء إعطاء الرئاسة لماروني والحرص على صبغ لبنان بصبغة مسيحية طائفية.
وانطلاقاً من هذه النوايا رفض الحكم في لبنان عام 43 إلغاء الطائفية السياسية، وتقدم حينها نائب بيروت عبد الله اليافي من المجلس النيابي باقتراح إلغاء المادة 95 من الدستور التي كرست الطائفية، لكن لم يؤخذ به.. وتقدم النائب صبري حمادة باقتراح مماثل، إلا أن هذا المشروع كغيره بقي مشروعاً ودفن في المجلس النيابي، مما يعني أن هذا الفكر متأصل في الممارسات السياسية القائمة أصلاً على الطائفية.
وعندما كان يتقدم أحد من المسلمين للترشح إلى الرئاسة بما أن الدستور لا ينص على مارونية الرئيس، كان يرفض، ومع أنه لا يوجد دليل وثائقي يؤكد الاتفاق على توزيع الرئاسات الثلاث بالشكل الذي تم، وقد حدث أكثر من مرة أن ترشح لرئاسة المجلس النيابي نائب غير شيعي مثل النائب الكاثوليكي يوسف سالم الذي نافس عام 1944 النائب الشيعي صبري حمادة، وفي عام 1946 ترشح النائب الأرثوذكسي حبيب أبو شهلا وفاز في رئاسة المجلس، وتقبل حمادة النتيجة وهنأ الرئيس الجديد.
وهذا جدول الرؤساء المجالس النيابية حتى عام 1951:
5 موارنة
3 أرثوذكس
2 سنة
1 شيعة
ومنذ سنة 1951 ثبت هذا المنصب للطائفة الشيعية أما الحكومات اللبنانية فقد كان يتقاسمها كل من الموارنة والسنة، فكيف يستقيم هذا مع القول أن السنة طائفة مهمشة غير مشاركة في الحكم؟!
وإليك هذا الجدول لرؤساء الحكومة حتى عام 1943
7 مسيحيون
8 سنة
نعم كانت الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية بموجب الدستور واسعة كالملوك تماماً تخوله أن يتولى السلطة الإجرائية يعاونه الوزراء ويسميهم ويسمي رئيسهم ويقيلهم، من دون الرجوع إلى أحد، وما من حكومة قدمت استقالتها بعد حجب الثقة عنها في المجلس النيابي كما ينص الدستور!
فمع كل ما ذكرنا كيف يقال أن السنة لم تدخل المعادلات السياسية وأن هناك ثمة استهداف لكل ما هو سني في لبنان، وأن هناك اتفاقاً على سنة لبنان لتحويلهم إلى الحلقة الأضعف، والضحية دائماً في كل التحولات التاريخية والسياسية في هذا البلد!
إن هذا الكلام الذي يكتب على أنه حقائق وأحداث واقعية، أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه تزوير للحقائق وكذب صراح.
يقول الرئيس سليمان فرنجية: أن ملك السعودية عبد العزيز آل سعود هو الذي اقترح عام 1943 أن تكون الرئاسة للموارنة كونهم أداة اتصال بالغرب وأكثر معرفة بلغاته، مما يجعلهم ترجماناً يستفيد منها العرب في ترتيب علاقاتهم مع الدول الغربية.([3])
ومعروف تاريخياً ـ وذكرت في مقالات سابقة ـ أن كل الطوائف منذ عهد المتصرفية وإلى اليوم كان لها دول رعاية وحماية باستثناء الطائفة الشيعية، نعم منذ انتهاء الحرب الأهلية إلى اتفاق الطائف، صار لهذه الطائفة مرجعية وسند إقليمي من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تتبنى قضايا المستضعفين في العالم الإسلامي وخصوصاً القضية الفلسطينية العادلة، والتي تعتبرها مركزية، وتدعم محور المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق بوجه المحتل الأميركي والإسرائيلي، وليس على أساس طائفي أو مذهبي كما تفعل بقية الدول، خصوصاً السعودية، وغيرها من إمارات الجزيرة العربية التي تتعاطى مع من ينتمون معها إلى نفس المذهب على أنهم رعاياها، وتتدخل في كل شأن يتعلق بهذا المذهب ربطاً بالتوزيع الطائفي للإدارات والمناصب، وهذا ما أدى إلى تحويل لبنان إلى مجموعة أسهم يعرضها أمراء السياسة والحرب لكل راغب في سوق البورصة الإقليمية والدولية، كل ذلك على حساب لبنان والمجتمع والكيان.
بالعودة إلى الحديث عن الطائفة السنية التي تعتبر من أهم مكونات هذا المجتمع الطائفي مع الطائفتين الأخريين: الشيعية والمارونية.
العلاقة بين الشيعة والسنة في لبنان هي علاقة لم تعرف محطات نزاعية في تاريخها اللبناني تحت عنوان مذهبي أو بخلفيات مذهبية باستثناء حالة التشنج التي سادت مؤخراً بسبب المحكمة الدولية التي تهدف إلى الاقتصاص من مقاومة هزمت "إسرائيل" الخلاف فيها أو عليها محض سياسي ، لكنه ألبس لبوساً مذهبياً بغية تحقيق الأهداف المتوخاة من أصل إنشاء هذه المحكمة لتحدث فتنة مذهبية، وقبلها أحداث السابع من أيار عام 2008 عندما امتدت اليد إلى أهم الوسائل التي حققت انتصار المقاومة على إسرائيل في عدوان 2006 وهو سلاح الإشارة. واعتبرت هذه اليد إسرائيلية كان الوعد إن تقطع ، فكان الإجراء التأديبي لمن أصدر هذا القرار الأسود في الحكومة السوداء التي كان يرأسها فؤاد السنيورة، وهذا هو حجم هذه الخطوة وليس له أي بعد مذهبي، وهو أمر واضح حتى عند من صنع هذا القرار الذين تلقوا الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية في ذلك، إلا أن أدواتهم في الداخل أرادوا استغلاله بطريقة بشعة للتحريض على الفتنة بين الشيعة والسنة.
وإذا كان السنة يعتبرون أن القول بأنهم"الثنائي الحاكم" تهمة، فهذا يعني أن الموارنة كانوا يحكمون لبنان بمفردهم بمؤازرة الاحتلال الفرنسي وبدعم كامل، وهذا وإن كان صحيحاً، لكن الموارنة لوحدهم لم يستطيعوا الاستمرار لفترة طويلة على هذه الحال ما اضطرهم إلى إشراك المسلمين السنة إشراكاً محدوداً في السلطة على أساس أن لبنان لا يمكن له الحياة من دون جناحيه: المسيحي والمسلم! أما المسلمون الشيعة بقوا مهمشين وفي أسفل السلم الاجتماعي بكافة مستوياته كما ذكر ذلك مجموعة من الباحثين الأوروبيين عن أوضاع الشيعة في بلد مثل لبنان معبرين عن ذلك بدهشة، كيف أن طائفة وشريحة كبيرة تمثل ما يقارب من ثلث السكان وهم بهذه الحالة المزرية والمهمشة إلى درجة لا يمكن تخيلها..