الإمام محمد الجواد عليه السلام
الإمام محمد الجواد عليه السلام
الإمام محمد الجواد ابن الإمام علي الرضا عليهما السلام ويكنى بأبي جعفر ويقال أبو جعفر الثاني تمييزاً له عن الإمام الباقر عليه السلام.
ولادته: ولد في المدينة في ليلة الجمعة العاشرة من رجب، وقيل التاسع عشرة من شهر رمضان المبارك سنة 195هـ
عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر، قالت: لمّا حضرت ولادة خيزران أمّ أبي جعفر، دعاني الرضا فقال: يا حكيمة أحضري ولادتها، وأدخلني وإياها والقابلة بيتاً، ووضع لنا مصباحاً، وأغلق الباب علينا. فلمّا أخذها الطلق، طفئ المصباح فاغتممت لذلك فبينا نحن كذلك، إذ بدر أبو جعفر في الطست، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب، يسطع نوره حتى أضاء البيت، فأبصرناه فأخذته ووضعته في حجري، ونزعت عنه ذلك الغشاء. فجاء الرضا عليه السلام وفتح الباب، وقد فزعنا من أمره. فأخذه ووضعه في مهده، وقال لي: يا حكيمة إلزمي مهده، قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء، ثمّ نظر يمينه ويساره، ثمّ قال: أشهد ان لا إله إلا الله، وأشهد انّ محمداً رسول الله
ألقابه: الجواد، القانع، المرتضى، النجيب، النقي، المنتجب، المختار، المتوكل، المتقي، الزكي، العالم
أولاده: الإمام علي الهادي عليه السلام، موسى فاطمة، أمامة
عاصر من الحكام العباسيين المأمون، المعتصم.
عمره الشريف
أمّا عمره الشريف فكان خمساً وعشرين عاماً وهو أصغر الأئمة الطاهرين عليهم السلام سناً، وقد قضى معظم حياته في نشر العلم، وإذاعة الفضيلة بين الناس فكانت حياته الغالية مدرسة للفكر والوعي ومعهداً للإيمان والتقوى
سنة وفاته عليه السلام
استشهد الإمام الجواد عليه السلام سنة 220 هـ يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي القعدة وقيل لخمس ليال بقين من ذي الحجّة وقيل لست ليال خلون من ذي الحجّة سنة 220هـ ببغداد ، متأثراً بسمّ دسّه إليه المعتصم العباسيّ على يد زوجته أم الفضل وكان عمره الشريف: خمسا وعشرين ودفن عند جده الإمام الكاظم عليه السلام، في بغداد وتسمّى الكاظميّة وكانت مدة إمامته سبع عشرة سنة.
كانت للرسول الاَعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم مواقف صرّح في بعضها بأسماء الاَئمة خلفائه واحداً واحداً حتى اثني عشر إماماً ، كما أن الاَئمة عليهم السلام ـ باعتبار عصمتهم ـ نصوا على من يليهم بهذا المنصب ، ولم يكن الاَمر باختيارهم
عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس رفعه : « إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لاِثنا عشر ، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي » . قيل : يا رسول الله ومن أخوك ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : « عليّ » . قيل : فمن ولدك ؟ قال : « المهدي الذي يملأ الاَرض قسطاً وعدلاً .. » الحديث فرائد السمطين 2 : 312 | 562 . وراجع : ينابيع المودة | القندوزي الحنفي 3 : 383 الباب 94
عن الاَصبغ بن نباتة ، عن ابن عباس رفعه : « أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون » فرائد السمطين 2 : 313 | 563 ، 564 . وراجع : ينابيع المودة 3 : 384 .
وإمامنا الجواد عليه السلام وردت النصوص بإمامته عن جدّه النبيّ الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعن آبائه عليهم السلام وإليك جملة من هذه ال
عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبدالله الاَنصاري يقول:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أوّلهم عليّ ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي ابن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي . . . » ينابيع المودة 3 : 398 الباب 94 . وكشف الغمة | الاِربلي 3 : 314
ونقل صاحب الفرائد خبراً آخر يرويه ابن عباس عن يهودي يدعى نعثلاً حاجج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صفات الله ، ثم في أوصيائه وطلب من النبي تسميتهم ، فسماهم له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر وصيّاً فرائد السمطين 2 : 132 | 431 ، وعنه أورده القندوزي في ينابيع المودة 3 : 281 الباب 76 .
وهذا نصٌّ صريح بإمامته من جدّه الاِمام الكاظم عليه السلام في رواية طويلة ننقل منها موضع الحاجة : « إنّي أؤخذ في هذه السنة ، والاَمر إلى ابني عليّ سمي عليّ وعليّ ، فأما عليّ الاَول فعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وأما عليّ الآخر فعليّ بن الحسين ، أُعطي فهم الاَول وحكمته ، وبصره وودّه ودينه ، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره ، وليس له أن يتكلم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين ، ثم قال : يا يزيد فإذا مررت بهذا الموضع ، ولقيته وستلقاه ، فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك ، وسيعلمك أنّك لقيتني فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من بيت مارية القبطية جارية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن قدرت أن تبلغها منّي السلام فافعل ذلك » .
ثم يرحل الاِمام الكاظم عليه السلام ، ويلتقي يزيد بالاِمام الرضا في نفس ذلك الموضع ويخبره ، ويقصّ عليه الخبر . فيجيبه الاِمام عليه السلام : « أما الجارية فلم تجيء بعد ، فإذا دخلت أبلغتها منك السلام » . قال يزيد : فانطلقنا إلى مكة ، واشتراها في تلك السنة ، فلم تلبث إلاّ قليلاً حتى حملت ، فولدت ذلك الغلام اُصول الكافي 1 : 313 ـ 319 | 14 . وإعلام الورى 2 : 50
وهناك روايات أخرى في هذا المجال .
عمره والامامة
يقول الشهيد الصدر:
(فإنّ الظاهرة التي وجدت مع هذا الاِمام وهي ظاهرة تولّي شخص للاِمامة وهو بعد في سن الطفولة ، على أساس أن التاريخ يتّفق ويُجمع على أنّ الاِمام الجواد توفي أبوه وعمره لا يزيد عن سبع سنين . ومعنى هذا أنّه تولّى زعامة الطائفة الشيعية روحياً وفكرياً وعلمياً ودينياً وهو لا يزيد عن سبع سنين ، هذه الظاهرة التي ظهرت لاَول مرة في حياة الاَئمة في الاِمام الجواد عليه السلام ) من محاضرة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سرّه ضمن مستندات ووثائق موسوعة الشهيد الصدر .
وقد نصّ الاِمام الرضا عليه السلام وهو الاِمام المعصوم وشهد بأن مولوده الصغير سيكون الاِمام من بعده بالرغم من صغر سنِّه (عن اُصول الكافي 1 : 321 | 10 و322 | 13 و383 | 2 . وإثبات الوصية : 185 .)
و عن محمد بن اسماعيل بن بزيع ، قال : سألته ـ يعني أبا جعفر عليه السلام ـ عن شيء من أمر الاِمام ، فقلت : يكون الاِمام ابن أقل من سبع سنين ؟ فقال : « نعم ، وأقلّ من خمس سنين » .
الإمام الجواد عليه السلام والمعتصم العباسي
المعتصم هو أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد لقب بالمعتصم وهو ابعد ما يكون من الاعتصام بالله عز وجل وكان عرياً من العلم، وكان فاسد الأخلاق .
لقد كان المعتصم محدود التفكير ميالاً للقسوة في تعامله مع خصومه السياسيين وغيرهم، وكان يفتقد كثيراً من مقومات الحنكة السياسية في إدارة شؤون الدولة، وقد تعرّض حكمه لكثير من صور الاضطرابات السياسية في أقاليم عديدة من الدولة العباسية
لم تكن المدة التي قضاها الإمام الجواد عليه السلام في خلافة المعتصم طويلة فهي لم تتجاوز السنتين، كان ختامها شهادة الإمام عليه السلام
فكان استقدام الإمام عليه السلام إلى بغداد ليكون على مقربة منه ويراقب حركاته، ولذلك جلبه من المدينة، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين وكان هذا الاستقدام بمثابة الإقامة الجبرية تتبعه عملية اكبر وهي التصفية الجسدية.
ولقد كان الإمام الجواد عليه السلام يتوقع استشهاده بعد هذا الاستدعاء فقد روي عن إسماعيل بن مهران قوله: لمّا أُخرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جُعلت فداك، إني أخاف عليك من هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ قال: فكرّ بوجهه إليّ ضاحكاً وقال: ليس حيث ظننت في هذه السنة
فلمّا استدعي به إلى المعتصم صرتُ إليه فقلتُ له: جُعلتُ فداك، أنت خارجٌ، فإلى من هذا الأمرُ من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته ثم التفتَ إليّ فقال: عند هذه يُخاف عليّ، الأمرُ من بعدي إلى ابني علي
لقد درس المعتصم أكثر السبل التي يستطيع بها أن يصفي الإمام، فاعلية وأقلها ضرراً، فلم يجد أفضل من أُم الفضل بنت أخيه المأمون للقيام بهذه المهمّة فقد صرّحت بعض الروايات أنّ المعتصم أغرى بنت أخيه زوجة الإمام أمّ الفضل بالأموال، فدسّت إليه السمّ
ولقد كان أمر غيرتها شائعاً بين الناس لذلك قال المؤرخون: "وقد روى الناس أن أُم الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول: إنه يتسرى علي ويغيرني. فكتب إليها المأمون: يا بنيّة إنا لم نزوجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالاً، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها .
دوافع اغتياله عليه السلام
أمّا دافع اغتيال المعتصم للإمام تتلخّص بما يلي
أولاً: وشاية أبي داود السجستاني الذي كان من أعلام ذلك العصر، أمّا السبب في ذلك فيعود إلى حسده للإمام عليه السلام فلقد حقد أبو داود على الإمام كأشدّ ما يكون الحقد وذلك حينما أخذ المعتصم برأيه في مسألة فقهية وترك بقية آراء الفقهاء، فتميّز أبو داود غيظاً وغضباً على الإمام عليه السلام، وسعى إلى الوشاية به، وتدبير الحيلة في قتله، فقد دفعت المعتصم إلى اغتيال الإمام عليه السلام.
قال زرقان: إنّ أبا داود قال: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت: إنّ نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة، وأنا أكلّمه بما أعلم إنّي أدخل به النار قال: ما هو؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيّته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين فسألهم عن الحكم فيه، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك وقد حضر المجلس أهل بيته وقوّاده ووزرائه، وكتّابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثمّ يترك أقاويلهم كلّهم، لقول رجل: يقول شطر هذه الأمّة بإمامته، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه، ثمّ يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء
قال: فتغيّر لونه، وانتبه لما نبّهته له، وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيراً...
ثانياً: حسد المعتصم للإمام عليه السلام على ما ظفر به من الإكبار والتعظيم عند عامّة المسلمين فقد تحدّثوا مجمعين عن مواهبه وعبقرياته وهو في سنّه المبكّر، كما تحدّثوا عن معالي أخلاقه من الحلم وكظمه للغيظ، وبرّه بالفقراء وإحسانه إلى المحرومين إلى غير ذلك من صفاته التي عجّت بذكرها الأندية والمحافل، ممّا دفع المعتصم على فرض الإقامة الجبرية عليه في بغداد ثمّ القيام باغتياله.
هذه بعض الأسباب التي دفعت المعتصم إلى اقتراف هذه الجريمة النكراء
تجهيزه ودفنه
وجُهِّز بدن الإمام عليه السلام فغسُّل وأدرج في أكفانه، وبادر الواثق والمعتصم فصلّيا عليه وحُمل الجثمان العظيم إلى مقابر قريش، وحفر للجثمان الطاهر قبر ملاصق لقبر جدّه العظيم الإمام موسى بن جعفر عليه السلام فواروه فيه وقد واروا معه القيم الإنسانية، وكلّ ما يعتزّ به الإنسان من المثل الكريمة
صفات الإمام الجواد عليه السلام
العلم
وتجمع الشيعة على أنّ الإمام لا يدانيه أحد في سعة علومه ومعارفه وأنّه لابدّ أن يكون أعلم أهل زمانه، وأدراهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين، والإحاطة بالنواحي السياسية والإدارية وغير ذلك ممّا يحتاج إليه الناس، أمّا الأدلة على ذلك فهي متوفّرة لا يتمكّن أحد أن ينكرها أو يخفيها، فالإمام أمير المؤمنين سيد العترة الطاهرة هو الذي فتق أبواباً من العلوم بلغت -فيما يقول العقّاد- اثنين وثلاثين علماً
وامامنا الجواد عليه السلام وهو في سنّه المبكر قد خاض مختلف العلوم وسأله العلماء والفقهاء عن كلّ شيء فأجاب عنه
العصمة
وأمر آخر بالغ الأهمّية تذهب إليه الشيعة في أئمتها وهو عصمتهم من الزيغ والإثم والباطل وهو حقّ لا شبهة فيه، و من يمعن النظر في سيرة الأئمة الطاهرين تتجلّى له هذه الحقيقة بوضوح فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام - على حدّ تعبيره - لو أعطي الأقاليم السبع بما تحت أفلاكها على أن يعصي الله في جلب شعيرة يسلبها من فم جرادة ما فعل، وهذه العصمة ثابتة لأئّمة أهل البيت عليهم السلام ومنهم امامنا الجواد عليه السلام
عبادته عليه السلام
كان الإمام الجواد أعبد أهل زمانه، وأشدّهم خوفاً من الله تعالى، وأخلصهم في طاعته وعبادته ، فكان الإمام الجواد كثير النوافل، ويقول الرواة: كان يصلي ركعتين يقرأ في كلّ ركعة سورة الفاتحة، وسورة الإخلاص سبعين مرّة
زهده عليه السلام
أمّا الزهد في الدنيا فإنّه من أبرز الذاتيات في خُلق أئّمة أهل البيت عليهم السلام فقد أعرضوا عن زهرة هذه الدنيا، وفعلوا كلّ ما يقربهم إلى الله زلفى
لقد كان الإمام الجواد عليه السلام شاباً في مقتبل العمر، وكان المأمون يغدق عليه الأموال الوافرة البالغة مليون درهم. وكانت الحقوق الشرعية ترد إليه من الطائفة الشيعية التي تذهب إلى إمامته بالإضافة إلى الأوقاف التي في قم وغيرها إلاّ أنّه لم يكن ينفق شيئاً منها في أموره الخاصّة وإنّما كان ينفقها على الفقراء والمعوزين والمحرومين.. وقد رآه الحسين المكاري في بغداد، وكان محاطاً بهالة من التعظيم والتكريم من قِبل الأوساط الرسمية والشعبية فحدّثته نفسه أنّه لا يرجع إلى وطنه يثرب وسوف يقيم في بغداد راتعاً في النعم والترف، وعرف الإمام قصده، فانعطف عليه وقال له :يا حسين، خبز الشعير، وملح الجريش في حرم جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله أحب إليَّ ممّا تراني فيه.
كرمه عليه السلام
كان الإمام أبو جعفر عليه السلام من أندى الناس كفّاً وأكثرهم سخاءً، وقد لُقِّب بالجود لكثرة كرمه ومعروفه وإحسانه إلى الناس وقد ذكر المؤرّخون بوادر كثيرة من كرمه كان منها ما يلي
روى المؤرّخون أنّ أحمد بن حديد قد خرج مع جماعة من أصحابه إلى الحجّ، فهجم عليهم جماعة من السرّاق ونهبوا ما عندهم من أموال ومتاع، ولما انتهوا إلى يثرب انطلق أحمد إلى الإمام محمد الجواد وأخبره بما جرى عليهم فأمر عليه السلام له بكسوة وأعطاء دنانير ليفرقها على جماعته، وكانت بقدر ما نهب منهم.
إحسانه عليه السلام إلى الناس
أما الإحسان إلى الناس والبرّ بهم فإنّه من سجايا الإمام الجواد ومن أبرز مقوماته، وقد ذكر الرواة بوادر كثيرة من إحسانه كان منها ما يلي:
روى أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهالي بست وسجستان قال: رافقت أبا جعفر في السنة التي حجّ فيها في أوّل خلافة المعتصم فقلت له: وأنا على المائدة: إنّ والينا جعلت فداك يتولاّكم أهل البيت ويحبّكم وعليّ في ديوانه خراج، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالإحسان إلي، فقال عليه السلام: لا أعرفه، فقلت: جعلت فداك انّه على ما قلت: من محبّيكم أهل البيت، وكتابك ينفعني واستجاب له الإمام فكتب إليه بعد البسملة :
أمّا بعد: فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً، وإنّ ما لك من عملك إلاّ ما أحسنت فيه، فأحسن إلى إخوانك، واعلم أنّ الله عز وجل سائلك عن مثاقيل الذرة والخردل
ولما ورد إلى سجستان عرف الوالي وهو الحسين بن عبد الله النيسابوري إنّ الإمام قد أرسل إليه رسالة فاستقبله من مسافة فرسخين، وأخذ الكتاب فقبّله، واعتبر ذلك شرفاً له، وسأله عن حاجته فأخبره بها، فقال له: لا تؤدِّ لي خراجاً ما دام لي عمل، ثمّ سأله عن عياله فأخبره بعددهم فأمر له ولهم بصلة، وظلّ الرجل لا يؤدّي الخراج ما دام الوالي حيّاً، كما انّه لم يقطع صلته عنه كلّ ذلك ببركة الإمام ولطفه .
مواساته عليه السلام الناس
ويقول المؤرّخون: إنّه قد جرت على إبراهيم بن محمد الهمداني مظلمة من قِبل الوالي، فكتب إلى الإمام الجواد عليه السلام يخبره بما جرى عليه، فتألّم الإمام وأجابه بهذه الرسالة :
عجّل الله نصرتك على من ظلمك، وكفاك مؤنته، وابشر بنصر الله عاجلاً إن شاء الله، وبالآخرة أجلاً، وأكثر من حمد الله.
لقد شارك الناس في البأساء والضراء، وواساهم في فجائعهم ومحنهم، ومدَّ يد المعونة إلى فقرائهم، وضعفائهم، وبهذا البرّ والإحسان فقد احتلّ القلوب والعواطف وأخلص له الناس وأحبّوه كأعظم ما يكون الإخلاص والحبّ
هذه بعض مثل الإمام الجواد وقيمه، وقد رفعته إلى المستوى الرفيع الذي بلغه آباؤه الذين فجرّوا ينابيع العلم والحكمة في الأرض، ورفعوا مشعل الهداية والإيمان بالله تعالى
لقد كان الإمام الجواد عليه السلام من أروع صور الفضيلة والكمال في الأرض، فلم ير الناس في عصره من يضارعه في علمه وتقواه وورعه، وشدّة تحرّجه في الدين، فقد كان نسخة لا ثاني لها في فضائله ومآثره التي هي السرّ في إمامته.