في وداع الكعبة وفي بعض مآثر حجة الوداع
في وداع الكعبة وفي بعض مآثر حجة الوداع
وهي خطبة خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي أوتي جوامع الكلم، والذي ما كلّم العباد يكُنه عقله قط، حيث لم يكن مَن يعادله حتى يكلمه بكُنه عقله إلا هو نفسه،{وَأَنْفُسِنَا وَأَنْفُسِكُمْ}(آل عمران)
وكما أنه (صلى الله عليه وآله وسلم): قد صلى ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): صلّوا كما رأيتموني أصلي، وحج وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) خذوا عني مناسككم، كذلك أدّب الناس وعلّمهم نظام الحج وأسراره في خطبته المباركة في حجة الوداع. ولنشر إلى نزر من شَذَراتها فيما يلي:
أحدهما: تهذيب النفس بالتوحيد الخالص
وتزكيتها بتولي أولياء الله، وتطهيرها عن النفاق والخلاف، حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم)، حثّاً على الوعي، نصر (وفي نسخة نضّر الله عبدا-أي جعل وجهه من الوجوه الناضرة يوم القيامة) الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلّغها من لم يبلغها؛ رُبّ حامل فقه ليس بفقيه، ورُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه؛ ثلاث لا يفَل عليهن قلبُ امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم ....
فالحاج يعبد الله مخلصا له الدين، وينصح لأئمته، ويلازم المجتمع الإسلامي، كما قال علي (عليه السلام): وليس رجل أحرص على جماعة أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأُلفتها منّي، ابتغي بذلك حسن الثواب وكرم المآب (نهج البلاغة كتاب 78
وثانيها: تأمين الناس على الدماء والأموال
حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): .."إن الله حرّم عليكم دمائكم وأموالكم.. ولا تعثوا في الأرض مفسدين فمن كانت عنده أمانة فليُؤدّيها.. فالحاج أمين لأعراض الناس وأسرارهم، لأن قلوب الأحرار خزائن الأسرار .
وثالثها: تسوية الناس بآحادهم وقبائلهم
حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): .."الناس في الإسلام سواء.. لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بتقوى الله.. فالحاج يستوي ويُساوي.. ولا يرى لنفسه فضلاً على غيره، ولا لقومه تقدما على قومٍ آخر، ويرى الآحاد والشعوب سواسية
ورابعها: تطهير المجتمع الإسلامي عن السنن الجاهلية الجهلاء في الأموال والدماء والبغضاء والشحناء
حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): كلُّ دمٍ كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي.. وكلُّّ ربا كان في الجاهلية، موضوع تحت قدمي. وأوّل ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب.. فالحاج لا يَجْرِمنّهُ شنآن قوم أن يعتدي، ولا يجرّه حب الدنيا إلى أن يأذن بحرب من الله . ويقول، إنما البيع مثل الربا، لأنه يعلم إن الله تعالى يمحق الربا ويُربي الصدقات .
وخامسها: تكريم النساء كالرجال، وتعديل الحقوق التي لهن عليهم ولهم عليهن
حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :… أُوصيكم بالنساء خيرا.. ولكم عليهن حق ولهن عليكم حق، وكسوتهن ورزقهن بالمعروف. فالحاج يرى قوله تعالى … جعل بينكم مودة ورحمة، ويشاهد قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} ، ويراعى قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(البقرة/228
وسادسها: تحبيب العمال وتفقّد الخَدَمة
حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم).. أوصيكم بمن ملكت أيمانكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون … فالحاج يتحبب إلى من يخدمه ولا يستعلي عليه، بل يجتمع معه على مائدة، ويلبسه ما يتلبّس به، ولا يتزّئ ولا يتفوه بقوله، أنا أحسن منك أثاثا ورئياً .
وسابعها: تنسيق المجتمع الإسلامي على نسق العدل والأمانة
حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) … إن المسلم أخ المسلم لا يغشه ولا يخونه ولا يغتابه ولا يحل له دمه ولا شيء من ماله إلا بطيب نفسه .. فالحاج مع أي مسلم آخر أخٌ له في الدين، أبوه النور وأمه الرحمة، وهو طيّب لا يحنّ إلاّ نحو الطيّب
وثامنها: تكليف المجتمع الإسلامي برسالة التبليغ والاهتمام بالمسؤولية
حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إنكم مسؤولون، فليبلغ الشاهد منكم الغائب .. فالحاج يحمل الفقه إلى أي مسلم آخر لم يوفق الحضور في المواقف ولم يدرك الحرمين ومجامعهما.
وتاسعها: تعليم الناس بأهم فرائض الإسلام
وهو الاعتصام بالثقلين، الذين تركهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) .. إني خلّفت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي .. فالحاج يعتصم بحبل الله، ومن اعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم .
وعاشرها: تولية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وجعله ولياً للمسلمين
حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم) .. من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وبذلك يكمل الدين ويتم النعمة.
المصدر : أســرار الحـج لآية الله جوادي آملي (بتصرف يسير)