الصحبة في اللغة والاصطلاح واحوال الصحابة
الصحبة في اللغة والاصطلاح واحوال الصحابة
الصحبة في اللغة
الصحبة لغة : المعاشرة أو الملازمة( المفردات في غريب القرآن « صحب » .) ، يقال : صحبته أصحبه صحبة فأنا صاحب . والجمع : صحب ، وأصحاب ، وصحابة(3) .
قال الراغب : « ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته ... »( المفردات « صحب » ) .
فصاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـعلى ما يقتضيه معنى الكلمة لغة ـ من عاشره ، أو لازمه ، سواء كان مسلماً أوكافراً ، برّاً أو فاجراً ، مؤمناً به أو منافقاً ... إذ الأصل في هذا الاطلاق ـ كما قال الفيومي ـ « لمن حصل له رؤية ومجالسة »( المصباح المنير « صحب ).
واذا تبين معنى « الصحبة » في اللغة ، فلننتقل إلى الكلام حول « الصحابي » في الاصطلاح .
الصحابي » في الاصطلاح :
1 ـ عند الأصوليين: إشترط الأصوليون والمحدثون بالاجماع كونه مسلماً حتى يصح اطلاق اسم « الصحابي » عليه. ثم اختلفت كلماتهم في تعريفه :
فالمشهور عند الأصوليين هو : « من طالت مجالسته مع النبي صلى الله عليه وآله على طريق التتبع له والأخذ عنه ، بخلاف من وفد إليه وانصرف بلا مصاحبة ولا متابعة »( مقباس الهداية ، الدرجات الرفيعة 10 . ) .
2 ـ عند المحدثين
والمعروف بين جمهور المحدثين : إن الصحابي هو : « كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » ( حكاه في المختصر 2|67 . ).
وقيل : « من أدرك زمنه صلى الله عليه وآله وإن لم يره »( حكاه في مقباس الهداية عن جماعة من المحدثين . ).
وقال بعضهم : إنه « من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً به ومات على الإيمان والاسلام وإن تخللت ردة »( اختاره الشهيد الثاني | 120 والسيد علي خان المدني | 9 وابن حجر العسقلاني 1 | 10 ونسبه شيخنا المامقاني وابن حجر إلى المحققين . ).
وهناك أقوال أخرى وصفت بالشذوذ .
حال الصحابة :
وأمّا النسبة إلى الصحابة وحالهم من حيث العدالة وعدمها ، فقد اختلف المسلمون على ثلاثة أقوال :
الأول : كفر الجميع :
لقد ذهبت الفرقة « الكاملية » ومن كان في الغلوّ على شاكلتهم إلى القول بكفر الصحابة جميعاً(1) .
وهذا القول لا فائدة في البحث عن قائليه وأدلتهم وردها ...
الثاني : عدالة الجميع :
واشتهر بين أهل السنة القول : بأن الصحابة كلهم عدول ثقات ، لا يتطرق إليهم الجرح ، ولا يجوز تكذيبهم في شيء من رواياتهم ، والطعن في الأقوال المنقولة عنهم ، فكأنهم بمجرد صحبتهم للرسول صلى الله عليه واله وسلم أصبحوا معصومين عن الخطأ ، ومحفوظين من الزلل ...
قال المزني : « كلهم ثقة مؤتمن ... »
وقال الخطيب : « عدالة الصحابة ثابتة معلومة ... »
وقال ابن حزم : « الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعاً »( الاصابة 1 | 19 . ).
وبهذا صرح ابن عبدالبر وابن الأثير والغزالي وغيرهم ...
وأما دعوى الاجماع على ذلك من بعضهم كابن حجر العسقلاني ( الاصابة 1 |17 ـ 18 ) وابن عبد البر(الاستيعاب 1 | 8 .) فيكذبها نسبة هذا القول إلى الأكثر في كلام جماعة من كبار أئمتهم :
قال ابن الحاجب : « الأكثر على عدالة الصحابة ، وقيل كغيرهم ، وقيل إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون ، لأن الفاسق غير معين ، وقالت المعتزلة ، عدول إلامن قاتل علياً... »( المختصر 2 | 67 وكذا في شرحه . ).
وكذا في جمع الجوامع وشرحه حيث قال : « والأكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة... » ثم نقل الأقوال الأخرى( النصائح الكافية | 160 . ).
بل صرح جماعة منهم السعد التفتازاني والمارزي شارح البرهان وابن العماد الحنبلي والشوكاني وآخرون ومن المتاخرين الشيخ محمود أبو رية والشيخ محمد عبدة ...وآخرون ... بأنّ الصحابة غير معصومين وفيهم العدول وغير العدول... وهذا بعينه هو رأي الشيعة الامامية :
الثالث : لا إفراط ولا تفريط :
فإنهم أجمعوا على أن الصحابة كسائر الناس فيهم العادل والفاسق ، المؤمن والمنافق ، وأن الصحبة ليست بوحدها ـ وإن كانت شرفاً ـ مقتضية عصمتهم ونفي القبيح عنهم ، والقرآن مشحون بذكر المنافقين من الصحابة ، الذين آذوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأقوالهم وافعالهم في نفسه وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام ... والأحاديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم في ذم بعضهم كثيرة ...
وكتب الحديث والآثارمشحونه بردّ بعضهم على بعض ، وتكذيب بعضهم بعضاً ، وطعن بعضهم في رواية بعض ...
وأما أئمّة الحديث وكبارالتابعين فتلك آراؤهم بالنسبة إلى بعض الصحابة مسجلة في كتب الرجال والتاريخ :
فقد سئل مالك بن أنس : « عمن أخذ بحديثين مختلفين حدثه بهما ثقة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتراه من ذلك في سعة؟
فقال : لا والله حتى يصيب الحق ، ما الحق إلا في واحد ، قولان يكونان صواباً ؟ ما الحق وما الصواب إلا في واحد »( احكام الاحكام لابن حزم . ).
وعنه أنه سئل عن اختلاف الصحابة فقال : « خطأ وصواب ، فانظر في ذلك »( جامع بيان العلم لابن عبد البر. ) .
وعن أبي حنيفة : « الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا ، ثم عدّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك »( شرح نهح البلاغة لابن أبي الحديد. ).
وعن الشافعي : إنه سر إلى الربيع : لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة وهم : معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد »( المختصر في اخبار البشر لأبي الفداء .) .
وقال شعبة : « كان أبو هريرة يدلّس »( البداية والنهاية لابن كثير. ) .
وعن الليث : « إذا جاء الاختلاف أخذنا بالأحوط »( عن جامع بيان العلم . ).
وإلى هذا كله استند الإمامية فيما ذهبوا إليه ...
وأمّا أهل السنة فزعموا أن الله سبحانه ورسوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام قد زكيّا الصّحابة وعدّلاهم جميعاً فوجب المصير إلى ذلك ، وتأويل كلّ ما يؤثر عنهم من المخالفات والمنافيات للنصوص الصريحة من القران والسنة واستدلوا في دعواهم تلك بآيات من القرآن الحكيم ، وأحاديث رووها في كتبهم عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في فضل الصحابة ..
المصدر : من بحث حول حديث اصحابي كالنجوم للسيد الميلاني