موالاة الكافرين
موالاة الكافرين
قال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
لم يكتف سبحانه بالنهي عن موالاة الكافر، لنقول: انها محرمة، و كفى، كالكذب و الغيبة، بل اعتبرها كفرا بدليل قوله: (وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) فإن الظاهر منه ان اللّه بريء ممن يتولى الكافرين، و من تبرأ اللّه منه فهو كافر
و يؤيد هذا قوله تعالى: «وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ- المائدة 51»
و قوله لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ- المجادلة 22».
فهذه الآيات تدل بظاهرها على ان من يتولى الكافر فهو كافر .. أجل، ان لموالاة الكافر أقساما شتى، منها ما يستوجب الكفر، و منها لا يستوجبه، و التفصيل في الفقرة التالية
أقسام موالاة الكافر
كل من قال: لا إله إلا اللّه، محمد رسول اللّه كان له ما للمسلمين وعليه ما عليهم إلا في حالات
منها أن يتولى الكافرين على التفصيل التالي
1_ أن يكون راضيا عن كفرهم، و هذا يستحيل أن يكون مسلما، لأن الرضى بالكفر كفر
2_ أن يتقرب إلى الكافرين على حساب الدين .. فيؤوّل آيات اللّه تعالى و أحاديث رسوله (ص) بما يتفق مع أهواء الكفار أعداء اللّه و الرسول، على ان يتنافى تأويله مع أصول الإسلام و العقيدة .. يفعل ذلك عن علم و عمد. و هذا كافر أيضا.
و تسأل: ان الذي يفعل ذلك جاحدا للإسلام يكون كافرا بلا ريب، أما إذا فعله عن تهاون فينبغي أن يكون فاسقا، لا كافرا، تماما كمن ترك الصلاة، و هو مؤمن بوجوبها، و شرب الخمر، و هو جازم بتحريمها؟
الجواب: ان التفصيل بين المتهاون و الجاحد انما يتأتى في الفروع، كالصلاة و شرب الخمر، أما فيما يعود الى أصول الدين و العقيدة، كالوحدانية، و نبوة محمد، و ما اليهما فإن النطق بإنكار شيء منها يستوجب الكفر، سواء أ كان الناطق متهاونا أو جاحدا، جادا أو هازلا.
3_ أن يكون عينا و جاسوسا للكافرين على المسلمين .. و هذا ينظر في أمره
فإن فعل ذلك طمعا في المال أو الجاه فهو مجرم فاسق، و ان فعله حبا بالكافرين، بما هم كافرون، و بغضا للمسلمين بما هم مسلمون فهو كافر من غير شك.
4_ أن يلقي بالمودة الى أهل الكفر، و هو على يقين انهم حرب على المسلمين، يعملون على إذلالهم و استعبادهم و نهب مقدراتهم .. و هذا مجرم آثم، و شريك للظالم في ظلمه، حتى و لو كان الظالم مسلما.
5_ أن يستعين بالكفار المسالمين على الكفار المحاربين .. و هذه الاستعانة جائزة بالإجماع، فقد نقل أهل التاريخ و التفسير ان النبي (ص) حالف خزاعة، مع انهم كانوا مشركين، و استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه على حرب هوازن، كما استعان بيهود بني قنيقاع، و خصهم بشيء من المال، بل جاء في تذكرة العلامة الحلي ان جماعة من الفقهاء أجازوا الاستعانة بالكفار على حرب أهل البغي من المسلمين، لأن الاستعانة بهم كانت لاحقاق الحق، لا لابطال الباطل.
6_ أن يصادق المسلم الكافر، لأسباب عادية، و مألوفة، كالجوار، و تلاؤم الأخلاق، و الزمالة في الدرس، و المشاركة في المهنة، أو في التجارة، و ما اليها مما لا يمس بالدين .. و هذه الصداقة جائزة أيضا بالإجماع، لأن مودة الكافر انما تكون حراما إذا استدعت الوقوع في الحرام، أما إذا لم تكن وسيلة للمعصية فلا تحريم، بل قد تكون راجحة إذا عادت بالنفع و الخير على بلد من البلدان، أو أي انسان كان، بل ان اللّه سبحانه أمر بالحب و الالفة و التعاون بين الناس أجمعين من غير نظر الى دينهم و ملتهم، قال سبحانه: «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَ اللَّهُ قَدِيرٌ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ- الممتحنة 8.
و نحن لا نشك ان في (الكافرين) من هو أحسن سيرة و أنبل خلقا- من حيث الصدق و الأمانة و الوفاء-، أحسن بكثير من الذين نسميهم و يسمون أنفسهم (مسلمين) و ان صداقته خير للانسانية و الصالح العام من العملاء الخونة الذين يتظاهرون بالدين و الإسلام .. و ألف صلاة و سلام على من قال: القريب من قربته الأخلاق .. رب قريب أبعد من بعيد، و رب بعيد أقرب من قريب
و هذه حقيقة يدركها الإنسان بفطرته و ينساق معها بغريزته من غير شعور
المصدر : تفسير الكاشف، ج2، ص: 39