هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 دور الإمام زين العابدين عليه السلام في بقاء جذوة ثورة الإمام الحسين عليه السلام

 وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ

 القرآن الكريم على ضوء القراءة التاريخانية

 نظرية المعرفة في ضوء مباحث الوجود الذهني

 في رحاب الزيارة الجامعة .... معرفة أهل البيت عليهم السلام

 بمناسبة الذكرى 37 لانتصار الثورة الاسلامية الايرانية

 حسن الاستفادة من الشّهر الكريم

  بيان إدانة حول تجاوزات النظام البحريني بحق المعارضة

 الوظائف الرئيسية لشهر الصوم

 السيرة المختصرة للإمام علي عليه السلام

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7019627

  • التاريخ : 19/03/2024 - 03:17

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : مفاهيم .

              • الموضوع : في رحاب الزيارة الجامعة معرفة أهل البيت عليهم السلام .... .

في رحاب الزيارة الجامعة معرفة أهل البيت عليهم السلام ....

  

في رحاب الزيارة الجامعة     معرفة أهل البيت عليهم السلام ....

 

خزان العلم ومنتهى الحلم

  آية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي

خُزّان العِلْمِ

"خُزّان" جمع خازن، مثل طلاّب وطالب وجهّال وجاهل، وهذه الكلمة مشتقة من المادة"خزن" بمعنى الجمع والكنز في مكان معيّن، سواء كان المخزون شيئاً مادياً أم معنوياً، وسواء كان المخزن شيئاً مادياً أم روحياً، فكما يخزن المال كذلك يخزن العلم ويجمع.

والخازن هو الجامع والحافظ ومن بيده مفتاح الخزينة.

ومما يجدر التنبه إليه هنا: أنّ الخُزانة في الأشياء المادية ليست هي الخازن، إذ إنهم يحرزون المتاع المادي ـ مثلاًـ في الصندوق أو المخزن ويودعون المفتاح عند الخازن، لكن الأشياء المعنوية ليس لها خزانة مادية، بل خزانتها الروح، وصاحب الروح الخازنة بيده التصرف في المخزون، فليس الخازن للأمور المعنوية شيئاً آخر غير الخزانة، وفي هذه الفقرة من الزيارة، المقصود أن تلك الذوات المقدسة هم خُزانة العلم نفسها، وإن عبّر فيها بالخُزّان والحافظين للعلم.

 

 

 

خزائن العلم:

الأئمة عليهم السلام كون جامع لجميع النشآت الوجودية في مرتبة النورانية والولاية الكلية، بمعنى"المرحلة التامة"، وهي حقيقة إمامتهم، فهم نافذون في عوالم الوجود كلها، ولا يخفى عن علمهم المحيط شيء.

وبعبارة أخرى: كل مجريات وأحداث نظام الوجود، عظيمها وحقيرها، حتى رمش عين الإنسان، قيامه وقعوده، سقوط ورق الشجر و... هو بمرأى منهم، ولا معنى للزمان الماضي والحالي والمستقبل بالنسبة إلى إحاطتهم العلمية، لكنهم كغيرهم في المرحلة الناقصة، وهي مرحلة المادة وعالم الطبيعة، بمعنى أنهم عليهم السلام قد لا يريدون العلم بشيء ما، ويرغبون أن يبقى خارج نطاق علمهم.

وما يميزهم أن غيرهم لا سبيل لهم إلى تلك الخزانة التي لا تنفد، ولا قدرة لهم على العلم بما يرغبون بالعلم به، بينما الأئمة المعصومون قادرون على ذلك، لأنهم خزّان تلك الخزانة التي لا تنضب.

ولقد جاء في الروايات: "إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم"، وبهذا يكونون مظهر العلم الإلهي، فكما لا يعزب عن علم الله غير المتناهي شيء: {واعلموا أن الله بكل شيء عليم}([1])ا، {والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم}([2])، {ألا إنه بكل شيء محيط}([3])، كذلك يحيط علم الأئمة الأطهار عليهم السلام بموجودات عالم الوجود كلها، والفرق أن علم الله تعالى استقلالي وبالأصالة، وعلم الأئمة تبعي وعرضي، ونابع من منبع العلم الإلهي غير المحدود، ولولا التعليم الإلهي لهم واتصالهم بعلمه غير المتناهي لكانوا وغيرهم سواء، ولذا جاء في الروايات: "إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك"([4])

ومما يروى في هذا السياق أنه فقدت ناقة الرسول الأكرم ‘ حينما أراد السير إلى تبوك، ولم يعلم بمكانها أحد، فأرجف بعض المنافقين، وقال: هذا محمد يخبركم أنه نبي، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته!! فقال النبي: "إني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي في شعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها، فذهبوا فجاءوا بها"([5]).

ملاحظتان: الأولى: ما يدّخر في الخزانة ربما ناله الآخرون وانتفعوا منه، لكن ذلك لا يحصل جزافاً بل بتنسيق وتخطيط، لأن الخزانة لها خازن قائم عليها، ليست كالنبع الفياض الخارج عادة عن السيطرة وبإمكان أي أحد الاستفادة منه، هي:

أولاً: تحت سيطرة الخازن الحافظ لها، وله أن ينتفع منها متى شاء.

ثانياً: هي خارجة من سيطرة وتصرف غيره.

ثالثاً: لا ينال الآخرون منها إلا بالقدر الذي يرتضيه الخازن نفسه، من دون أن يخرج عن سيطرته.

الثانية: يجب الالتفات إلى أن علم الإمام وإن كان تابعاً لإرادته، وما يريد العلم به يعلم به، لكن إرادته تابعة لإرادة ومشيئة الله تعالى، فما دام لم يرد لن يريدوا، وفي الرواية عن الإمام الهادي عليه السلام قال: "إن الله جعل قلوب الأئمة مورداً لإرادته، فإذا شاء الله شيئاً شاؤوه، وهو قول الله: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}([6])

 

إشارات

1-            أسس العلوم

ينقسم الناس بالتقسيم الكلي الأولي إلى قسمين: عالم وغير عالم

وينقسم العلماء باعتبار ما يحوزه كل عالم من كمال إلى طوائف عدة، نذكر بعضاً منها:

أ‌-                 من يعلمون بشيء من الأمور، ولكنهم لا يحسبون من معادن ذلك العلم ومنابعه، لأنهم تلقّوه من غيرهم.

ب‌-           العالمون بالشيء وهم أيضاً معدنه وأصله، بمعنى أن "العلم" وليد فكرهم هم، لكن لا قدرة عندهم على حفظه وإحرازه.

وهؤلاء أشبه بالنبع الفوّار، فإنه يفيض بما فيه من ماء قهراً، ولا يقطع ماؤه إلا بسده، وما دام مفتوحاً فإن خرير مائه يملاً الآذان.

           ج-     أولئك العالمون بما لا يعلمه غيرهم، من أسرار الخلقة وغيرها مما لا يعلمه سواهم، الذين هم أصل وأساس ومنبع فيّاض لعيون العلم والحكمة، فيملأ سيل علمهم الموّاج أكناف العالم، كما قال علي عليه السلام عن نفسه: "ينحدر عني السيل"، وسائر الأئمة هم أيضاً نبع وأصل لكل علم، وسيبه ومنعه بيدهم.

 

2-            التقية في العلوم

أكدت روايات كثيرة على العمل بالتقية، فقال الإمام الصادق عليه السلام: "اتقوا على دينكم فاحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له، ، إنما أنتم في الناس كالنحل في الطير، لو أن الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شيء إلا أكلته".

والتقية هي كتمان السر والتحرز من الغريب غير المأمون على السر، وهذا الغريب قد يكون مسلماً غير شيعي، وقد يكون شيعياً متوسطاً أو كاملاً، بل وقد يكون أكمل.

والمتقى فيه تارة يكون من قبيل المسائل والأحكام العملية، وتارة يكون من قبيل المسائل الاعتقادية والمعارف الإلهية، وذلك لوجود خطر الإفشاء في هذه الأمور كلها، والعاقل يعمل بأسباب الأمان حين الإحساس بالخطر، ومن أسبابه التحرز.

إن بعض الناس لا قدرة عندهم على تحمل وهضم بعض العلوم، فيقدمون على تفسيق وتكفير حامليها، ويعدونهم زنادقة، ولا جرم، فإن "الناس أعداء ما جهلوا"، وتقول الآية {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه}([7])، وفي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ذُكرت التقية يوماً عند علي بن الحسين عليه السلام فقال: "والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله ‘ بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق..."([8])، وكان من شأن أبي ذر أن قال فيه علي عليه السلام: "وعى أبو ذر علماً عجز الناس عنه، ثم أوكى(بمعنى أقفل) عليه فلم يخرج منه شيئاً"([9]) وقد شبهه النبي‘ في زهده بعيسى بن مريم، قال: "أبو ذر في أمتي على زهد عيسى بن مريم"([10]).

ملاحظة: ما ذكرناه في حديث الإمام الصادق عليه السلام هو المعنى المعروف، لكن بعضهم ذكر أن الضمير في الفعل "لقتله" راجع إلى جملة "ما في قلب سلمان" والضمير فيه مفعول به راجع إلى أبي ذر، فيكون المعنى هكذا: لو علم أبو ذر ما يعلمه سلمان لكان ذلك العلم سبباً في قتل أبي ذر وموته، لعدم تحمله له، مما يحمله على إفشائه، وبالتالي يبتلى بما ابتلى به أمثال منصور الحلاّج.

وهذا الاحتمال وإن كان خلاف الظاهر، إلا أنه يلائم ما ذكر من لزوم التقية.

إن السر في بقاء الأئمة عليهم السلام وخواص أصحابهم سالمين من نوائب الزمان، وتعليق أمثال منصور (الحلاج) على أعواد المشانق، هو العمل بالتقية والتفريط فيها.

(شعر قال) إن ذلك الرفيق الذي علق رأسه   في المشنقة كان جرمه إذاعة الأسرا([11])

قال الإمام الباقر عليه السلام لأصحابه: "لو كان لألسنتكم أوكية لحدثت كل امرئ بما له وعليه"([12]).

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: " ما كلم رسول الله‘ العباد بكنه عقله قط.."([13])

والسبب هو رعاية التقية في المسائل العلمية، لأن البليغ كتوم، والرسول أبلغ من الكل، جاء أحدهم ـ وكان يحسب أن في القرآن تناقضاً ـ إلى أمير المؤمنين، وعرض عليه ما عنده من مسائل، فأجابه عليه السلام، وفي آخر كلامه قال له: "وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس، لأن منهم القوي والضعيف، ولأن منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله، إلا أن يسهل الله له حمله، وأعانه عليه من خاصة أوليائه، وإنما يكفيك أن تعلم أن الله المحيي المميت، وأنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم"([14]).

وهذا تعريض منه إلى أنه: لا ينفعك طلب مثل هذه المعارف الدقيقة، لأن من هو مثلك لا قدرة له على تحملها وفهمها.

إن المتكلم الذي يحدث مستمعيه بأكثر مما تستوعب أفهامهم، ولا يراعي في ذلك مقتضى البلاغة، فهو ـ علاوة على إضاعة وقته ووقت المستمع، لأنه لا المستمع يستفيد منه شيئاً ولا هو يثاب على كلامه ـ يُذهب باعتباره الشخصي أدراج الرياح، وربما أفشى سره أو سرهما معاً! وعلى فرض عدم الابتلاء بذلك فهو على أقل تقدير يهدر وقت مستمعيه، قال الإمام الصادق عليه السلام: "ليس منا من أذاع حديثنا، فإنه قتلنا قتل عمد لا قتل خطأ"([15]).

وقال الرسول الأكرم‘: "لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم"([16]).

وتحمّل العلوم والأسرار الإلهية وكتمانها وعدم إذاعتها أمر صعب جداً، ولا يطيق القيام به بالشكل الأمثل سوى الأئمة الأطهار عليهم السلام، ومن ادخر شيئاً منه من خُلّص وكُمّل شيعتهم لم يكن يفتح بابه لكل طارق، بل كانوا يتحدثون مع الناس مراعين للتقية، ويتكلمون بقدر استعداد المستمع واستيعابه، فيقولون ما يجب أن يقال، ويكتمون ما ينبغي أن يكتم.

وقال الإمام الصادق×: "يا أبا محمد (= أبا بصير) إن عندنا والله سراً من الله، وعلماً من علم رسول الله، والله ما يحتمله ملَك مقرّب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان([17]).

وفي الرواية عن بعض أصحابنا، قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر×: جعلت فداك ما معنى قول الصادق×: "حديثنا لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان؟"، فجاء الجواب: "أنّ الملك لا يحتمله حتى يخرجه إلى ملك غيره، والنبي لا يحتمله حتى يخرجه إلى نبي غيره، والمؤمن لا يحتمله حتى يخرجه إلى مؤمن غيره، فهذا معنى قول جدي عليه السلام".

ملاحظة: المقصود من "الاحتمال والتحمّل" الوارد في مثل هذه الروايات هو التلقي والحفظ في القلب.

إنّ من يكون مسقى علم لا يمكنه أن يكتمه بين جوانحه، بل لا بد له من البوح به لأحد ما أو كتابته، وهذا ما يعنى حبل مشنقة له! وذريعة محكمة لاتهام غيره والافتراء عليهم، كما قالت الرواية: "إنما الهالك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول: "والله ما كان هذا، والله ما كان هذا! والإنكار هو الكفر"([18]).

وأما من هو منشرح صدره واع قلبه ومخزن كتوم للأسرار، فهو لا يهلك نفسه ولا غيره، بل يقصد حانة الوحدة سراً غير جاهر بـ "أنا الحق" لكن منصور (الحلاج) وأمثاله ـ الذين هم مساقٍ للأسرار لا مقار لها ـ يجهرون بذلك، ويدفعون ثمنها على أعواد المشانق!

وعلى هذا فإن كون حديثهم صعباً مستصعباً، كما جاء في روايات كثيرة، لا ينحصر معناه في عدم قدرة أحد على فهمه، بل هو بمعنى صعوبة حفظه في القلب أيضاً، ومثله مثل الصبي، فإنه ربما استطاع حمل شيء ثقيل لمدة قصيرة، لكنه لا يطيق حمله لمدة أطول ولا نقله عن محله، لأن ذلك بحاجة إلى قوة أكبر مما عنده، فهو إما أن يضع ذلك الشيء الثقيل أرضاً، أو أن يسقط منه قهراً.

ملاحظة: من لوازم خِزانة العلوم والمعارف معرفة الوقت المناسب للإفاضة والعطاء.

 

ومنتهى الحلم

"منتهى" اسم مكان من باب "الافتعال"، وهو مشتق من المادة "نهى" المقابلة للأمر، و"النهي" طلب ترك الشيء، ويقال للعقل "نُهية" ـ على وزان لقمة ـ لأن بمساعدته يُطلب الترك، وجمعه "نُهى" والافتعال" يفيد المطاوعة، ومطاوعة النهي بمعنى أن المتدين يقف حيث يكون النهي ويمتنع من الفعل المنهي عنه، أو ينهي ويقطع العمل المنهي عنه، و"المنتهى" هو مكان نهاية الشيء الذي انتهى فيه، بحيث لا حركة ولا عمل بعده، ولهذا يقال لنهاية كل شيء: "منتهى".

و"الحِلم" بمعنى كظم الغيظ ولجم القوة الغضبية حال الغضب، وتجنب الخفة وردة الفعل النزقة وغير الحكيمة، بحيث تغلب على الغاضب حالة السكينة وتحمل الصبر في المكاره، فالحلم في الحقيقة هو ثمرة اعتدال القوة الغضبية، والحليم هو من لا يفِرط ولا يفرّط في الاستفادة من القوة الغضبية، ولا يعجل في العقاب والانتقام مع القدرة عليهما.

وعلى هذا فمعنى هذه الفقرة من الزيارة هو: "أنكم وصلتم إلى نهاية وآخر درجة من درجات الحلم والصبر التي يمكن للمخلوقين بلوغها والوصول إليها".

 

تقارن العلم والحلم:

تضمنت الفقرة الآنفة أنهم عليهم السلام خزائن العلم، و"لن يثمر العلم حتى يقارنه الحلم"، لأن العلم ينمو ويؤتي أكله بالصبر والتحمل، والعالم الحليم الصبور يظفر بفوائد وغنائم أكمل، قال الإمام الجواد ×: "الحلم لباس العالم فلا تعرينّ منه"، وفي كلام أمير المؤمنين× توضيح للعلاقة بينهما، حيث يقول: "العلم أصل الحلم"، و"الحلم زينة العلم"، وبالالتفات إلى دور الحلم في طلب العلم وتأثيره في الانتفاع بالمعرفة، قال الإمام الصادق× بعد وصيته بالحلم:"عليك بالحلم فإنه ركن العلم".

مجموع هذه الروايات ـ والكثير مما هو بمعناهاـ كاشف عن تآزر العلم والحلم وتعاضدهما، بحيث إن العلم لن يكون مفيداً أبداً بدون الحلم، والحلم لن يكون قائماً على أسس محكمة بدون العلم، فثبات الحلم ودوامه مرتهن بالعلم، ومقداره مساوٍ لمقداره، وهذا هو سر التوصية بتقارنهما ومعيتهما، وبعبارة العلامة المجلسي: "إذ بترك الحلم ينفر العلماء عنه، فلا يمكنه التعلم منهم، وأيضاً يسلب الله علمه عنه، ولا يفيض عليه الحكمة بتركه".

ونحن نقول للأئمة عليهم السلام في هذه الفقرة: أنتم لستم خزائن العلوم في البعد النظري وحسب، بل أنتم أيضاً واصلون في البعد العملي إلى آخر مرتبة من الحلم لا يمكن لمخلوق بلوغ أعلى منها، وهذه الدعوى دليلها ما روي في قصة الرسول الأكرم‘ وشمعون بن لاوي بن يهودا، وكان من حواري النبي عيسى، جاء فيها: "...فتشعب من العقل الحلم، ومن الحلم العلم...".فعد العقل أس الحلم وقد عُرّف العقل في رواية أخرى بأنه "ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان".

والحلم في ذاته أصل لكثير من الخصال الحميدة، ولكل خصلة منها شعب عديدة، وعلى هذا فالعقل أساس ومبدأ كل خير، وهذا ما جاء في هذه الرواية نفسها، قال: "إن الله خلق العقل، فقال له أقبل فأقبل، وقال له أدبر فأدبر، فقال الله تبارك وتعالى: "وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعظم منك، ولا أطوع منك، بك أبدأ وبك أعيد، لك الثواب وعليك العقاب"..([19])

وبهذا البيان يتضح أن من يحظى بعقل أوفر يكون حظه من محمود الخصال أكثر.

ونحن إنما نقول للأئمة: إنكم بلغتم النهاية والغاية في الحلم والصبر ولا يدانيكم في ذلك أحد، لأنه لا أحد يقاربهم في رتبة العقل التي يمتازون بها، لأنهم ورّاث "العقل الكلي" وهو الرسول الأكرم‘، كما أنهم في الدرجة الأعلى في صفات الكمال المتشعبة من الحلم، الدرجة التي لا تقدر الممكنات على بلوغ أعلى منها.

والسيرة العملية للأئمة الأطهار عليهم السلام شاهد حي على كونهم"منتهى الحلم"، فقد كان بمقدورهم ـ بحسب القدرة الإلهية المعطاة لهم ـ أن يوجدوا بلمح البصر آثاراً كثيرة في نظام الخلقة، دفعاً للآلام الروحية والجسدية، والسجن و...لكنهم لم يفعلوا شيئاً، لأنهم لم يؤمروا بالاستفادة من تلك القدرات.

 

الحلم والتوقيت المناسب:

ليس معنى الحلم أن لا يفعل المرء شيئاً أبداً كردة فعل للمضايقات  والأذى لأن من هذه حاله فهو معطل للقوة الغضبية، ومن لا يفيد منها مطلقاً ليس معتدلاً في قواه الطبيعية، بل معناه أن لا يعجل في الإقدام قبل التبصر ومعرفة غبّ الأمر، والمعتدل في قواه الإنسانية، والحليم الصبور المتأني، يقدم على الفعل في الوقت المناسب، لأن الإنسان السوي ماهر في تحري الوقت الصالح، ويفعل ما يلزم في وقته، وفي حياة كل إمام معصوم شواهد كثيرة على صبرهم وتحريهم للوقت المناسب للفعل.

والأئمة عليهم السلام عمَدُ علم محكمة ومنارات حكمة رفيعة، وأصل كل فضيلة ومنبع كل منقبة حميدة، فليقصدهم المشتاقون إلى العلم الحق والتوّاقون إلى الشجاعة، ليتعلموا منهم دروس البطولة والإيثار، وليجلس إليهم جلسة المتعلم أيضاً كل من يريد الارتواء من نبع المناقب الصافي الزلال، لأنهم قافلة مدرسة على رأسها المعلم الثاني علي×، وما عداها مستنقعات طرق ملوثة بأنواع الآفات لأن في بيتهم الرفيع وحدهم دوحة العلم الباسقة، وليس هذا وحسب، بل إن أغصان فضائلهم وكمالاتهم، كالشجاعة والمروة، هي شجرة طوبى، تلقي بظلالها على عالم الإمكان.

وفوق هذا كله هم أصل وأساس كل خير وحسن "إن ذُكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه" وفيما جاء عن أمير المؤمنين قوله: "والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت"، وقال أيضاً: "... فإني لم أفر من الزحف قط، ولم يبارزني أحد إلا سقيت الأرض من دمه".

ملاحظة: يفخر عامة الناس بالصفات، لكن الصفات هي من تفخر بالإضافة إلى الذات النفيسة للكاملين، لأن الصفات العرضية، سواء الإيجابية كالعفة والشجاعة والعدالة أم السلبية كالحقد والخوف والظلم، ليست أموراً عدمية ومهملة، وليس وجودها وجوداً اعتبارياً محضاً، بل لها وجود حقيقي واقعي مؤثر، ولكي تبقى يجب أن تستند على الذوات النفيسة، وبهذا اللحاظ هي ذات وجود حقيقي واقعي، له حدوده الخاصة، وليست مهملة سائبة، تحل في أي مكان وتقر في أي ذات! وهذا هو وجه قولهم: إن علياً أخاف الخوف، فهو يخشى الاقتراب من ساحته.

ومن يقرأ حياة "حقيقة الشجاعة والبطولة" هذه سيرى فيها حالين مختلفتين:

الأولى: حال الصبر مدة طويلة "فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى".

الثانية: الحال الأخرى في حرب النهروان، حينما كوّم تلالاً من قتلى الخوارج، وفي حرب البصرة ضد عديمي البصيرة، حينما قصم جمل الحماقة والجهالة الناكثين الحاقدين، وفي حرب صفين، حينما دك بذي الفقار مكر وكفر قاسطي الشام الأموي المشؤوم.

وقد يسأل المتتبع لسيرة علي: لِمَ سار الإمام عليه السلام بهاتين السيرتين المختلفتين في الحالين؟

 

لماذا لم يحارب بقية مخالفيه الذين جرّعوه أمّر من الحنظل؟

والجواب: من الإمام نفسه، فقد بيّن الوضع السياسي والاجتماعي لعصره، وما فيه من لعب سياسية لسياسيي زمانه، وجوابه: إن الناس حديثو عهد بجاهلية، فلا يعرفون كامل حقيقة الإسلام، ولا يعرفون شأن أهل البيت، وكمالاتهم وخصائصهم الدينية، وفي مثل هذا الجو المغتر البئيس نشرت سقيفة لا أسّ لها ظلّها المشؤوم، وتحت ظلها غُصب حقي غير المنازع في الخلافة، وقد علم الكل"أن محلي منه(=الخلافة) محل القطب من الرحا"، فاحتججت سلماً وجادلتهم بالتي هي أحسن وأتممت الحجة عليهم، ولكن لم يأت ذلك بطائل، لأن كثيراً من الناس جاهلون بحقيقة الأمر، وكان إحقاق الحق يقتضي مني إشهار السيف، لكني لم أر صلاحاً في القتال، لأنه لم يكن أحد ليهب معي، عدا أهل بيتي وقليل أصحابي، فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، فأغضيت على قذى، وشربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمرّ من طعم العلقم".

لكنه حينما أخذ بزمام الحكم، ورأى الأرضية ممهدة لمحاربة الباطل، لم يصبر على الناكثين، ناقضي الميثاق، وعلى المارقين عن الدين، والقاسطين عن الحق، بل فتح في وجه كل باطل جبهة دفاع مناسبة، وهذا مثال على صبره وتحريه للوقت المناسب، ومبدأ هذا وأصله نجده في سيرة الرسول الأكرم‘، وله شواهد كثيرة من سيرة أبنائه أيضاً، فالإمام الحسين× صبر طيلة عشرين عاماً، وهي مدة تولي معاوية للحكم، ولم يقدم على أي فعل قبال استشهاد أصحابه طيلة هذه السنين، لكن حينما تولى السلطة شاب نزق خمّار كيزيد، علم الإمام أنه إن نهض فسوف يستطيع بدمه إعداد الأرضية لسقوط الحكم الأموي الغاشم، وينفخ روحاً جديدة في جسد الإسلام، فنزل الميدان مضحياً مسخياً، وجاء إلى كربلاء بكل من معه ـ من رضيع ذي الستة أشهر إلى المسن ذي التسعين ـ ليجعل منهم أعلام هداية للعالم.

وهذا التحمل والصبر والدقة في التوقيت نراه أيضاً في حياة بقية الأئمة عليهم السلام فالله سبحانه منح العلم والقدرة غير المحدودة لأناس بلغوا النهاية في كظم الغيظ ولجم عادية الغضب، وكان بمقدورهم ـ لو شاؤوا إعمال علمهم وقدرتهم بلا روية ـ أن يقمعوا مخالفيهم وينتصروا لأنفسهم دوماً في ساحات الوغى، وأن ينالوا ما يرغبون فيه من النعم الطبيعية...ولكن بالتالي سيختل نظام التكليف.



[1] البقرة/231

[2] الحجرات/16

[3] قصلت/54

[4] كتاب الكافي ج1 ص 258

[5] كتاب سيرة ابن هشام ج 4 ص 166

[6] كتاب بحار الأنوار ج 25 ص 372

[7] يونس/39

[8] كتاب بحار الأنوار ج 22 ص 343

[9] كتاب أُسد الغابة ج 6 ص 97

[10] المصدر السابق

[11] كتاب ديوان حافظ، شعر مترجم عن الفارسية.

[12] كتاب بحار الأنوار ج 26 ص 149

[13] كتاب أصول الكافي ج 1 ص 23 ح 15

[14] كتاب بحار الأنوار ج 90 ص 141

[15] بحار الأنوار ج 2 ص 79

[16] المصدر السابق، ص 78

[17] كتاب أصول الكافي ج 1 ص 402 ح 5

[18] كتاب أصول الكافي ج 1 ص 401 ح1

[19] كتاب بحار الأنوار ج 1 ص 124

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/30   ||   القرّاء : 6088


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net