هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



  عاشوراء:تطلعات وآفاق

 هيئة علماء بيروت تدين بشدة التطاول على سيد المقاومة

  مَتى بدأ التشيّع

 هيئة علماء بيروت تبرق مهنئة

 التواضع في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام

 الحرية المعنوية

 بحث روائي حول الصوم

 التشيّع في مواجهة التحديّات

 فلسفة الحج من خلال الروايات

 هيئة علماء بيروت تدعو إلى الكف عن التآمر على المقاومة

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7047100

  • التاريخ : 29/03/2024 - 10:50

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : فكر .

              • الموضوع : الجهل وآثاره في السلوك العملي .

                    • رقم العدد : العدد الثامن والعشرون .

الجهل وآثاره في السلوك العملي

  

الجهل وآثاره في السلوك العملي

الشيخ اسماعيل حريري

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد الخلق محمد وآله الطاهرين

ورد في الخبر عن أمير المؤمنين عليه السلام : " الجهل موت " .[1]

يصنّف الناس عادة بحسب الصفات العارضة عليهم الى أصناف كثيرة ، فباعتبار المال يصنفون الى غني وفقير ومتوسط الحال ، وباعتبار الشكل الخارجي الى جميل وقبيح وما بينهما ، وباعتبار الدِّين الى متدين وغيره ، وكذلك باعتبار العلم يصنفون الى عالم وجاهل .

فالعالم هو الإنسان الذي يعلم شيئاً معتداً به في علم واحد أو علوم متعددة ، والجاهل هو الانسان الفاقد لهذه الصفة (أي العلم) إما مطلقاً وإما في بعض العلوم دون بعض .

ولذلك نرى العلماء بل مطلق العقلاء يطلقون مقولة " رجوع الجاهل الى العالم " للدلالة على أنّ الجاهل لا بد له من الرجوع الى العالم لرفع جهله كما في مسألة التقليد للمجتهد في أحكام الشريعة الاسلامية ، حيث يكون المجتهد هو العالم ، لعلمه بكيفية استنباط الحكم الشرعي ، والمقلد هو الجاهل من هذه الجهة وإن كان عالماً من جهات أخرى وفي علوم أخرى .

وهذا لا يشكّل نقصاً في حدّ ذاته بالنسبة الى المقلد لأنّه لا يجب على الانسان أن يكون عالماً بكل علم ، بل من الواضح أنه لا قدرة له – عقلية ونفسية وزمانية – على كل ذلك .

ولذا كان من الطبيعي أن يرجع الجاهل في علم ما – مع كونه متخصصاً في علمٍ أو علوم أخرى – الى المتخصص في هذا العلم بالخصوص .

نعم من الامور الحسنة والممدوحة عقلاً وشرعاً أن يسعى الانسان الى تحصيل العلم والتعلم ما أمكنه ذلك ، وفي كل علم نافع ولو بمقدار لا يكون جاهلا فيه بالمطلق .

وقد يقول قائل : اذا كان ما ذكر من حالات جهل غير مذمومة ، فكيف نفسّر ما ورد من الذم الشديد للجهل في الآيات والروايات وخصوصاً في الأخيرة (الروايات) ، حتى عُدّ الجهل موتاً وداءً وفساداً وشراً وغير ذلك من مساوىء الصفات وقبائح النعوت ؟!

فيقال : من الواضح أن الجهل المذموم في الشريعة الاسلامية بل عند العقلاء جميعاً هو الجهل الذي يركب به صاحبه المهالك ويُقدر الأمور على أساسه فيقع في سوء التقدير ويتردى به الى سوء المصير ، لأنه يُقدم مع جهله على ولوج أمور يحتاج معها الى العلم والتعلم ، غفلة عن ذلك أو تعنّتاً وعناداً . وقد يصل الأمر ببعضهم – لشدة عناده – أن يناجز العلماء ويُقارع الفضلاء وينازعهم بجهله مقابل علمهم ، كما هي حال المشركين والكافرين الذين واجهوا أنبياءهم الذين بعثوا لهدايتهم وجاؤهم بعلم وبيّنة ومعرفة من الله عز وجل فواجهوهم بجهلهم وقارعوهم بالسيف والتزييف والتشهير والاضطهاد والنبذ والهجر جهلاً منهم أو من بعضهم بحقيقة الحال ، ولعدم التروي والتفكر والوقوف عند ما يجهلونه وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :" الناس أعداء ما جهلوه" [2] ، ولذلك ورد عن الامام أبي عبدالله الصادق عليه السلام :" لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا " [3].

أما من يقف عند جهله فلا يمارس سلوكاً عمليّاً على أساسه ، ولا يتبنى فكرة أو قناعة بناء عليه ، بل يقف في ذلك عند أهل العلم فلا يتعداهم فهذا لا يُذم على ما به ، وقد قيل : رحم الله امرءاً عرف حده فوقف عنده .

اذا توضح ذلك فلندخل في بعض العناوين التفصيلية المرتبطة بالجهل والجاهل :

الاول : في ذم الجهل ومدح العلم :

مما لا يختلف عليه اثنان من المسلمين بل من العقلاء أن العلم صفة ممدوحة حسنة ، والجهل صفة مذمومة قبيحة ، والمسلمون خصوصاً  يرون ذلك واضحاً جلياً في قرآنهم الكريم وروايات نبيهم صلى الله عليه وآله وخلفائه من أئمة أهل بيته عليهم السلام أجمعين .

قال الله تعالى} يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات{ [4]

وقال تعالى} قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون{ [5]

وقال عز وجل} إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأَبينَ أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوماً جهولاً{ [6]

وفي الروايات : في العلم :

ما رُوي عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: طلب العلم فريضة على كل مسلم ، ألا إن الله يحب بغاة العلم "[7] .

وعنه عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا خير في العيش إلا لرجلين : عالم مطاع ، أو مستمع واعٍ "[8] .

وفي الجهل : ما رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :" الجهل مطيّة شموس ، من ركبها زلَّ ، ومن صحبها ضلَّ "[9] . والشموس هو الفرس الذي يمنع ظهره من الركوب .

وتشبيهه عليه السلام الجهلَ بالمطية الشموس لما فيه من زلاتٍ يركبها صاحبه ، وضلال يقع فيه مِن صُحبته .

وعنه عليه السلام :" الجهل في الانسان أضرُّ من الآكِلة في البدن " [10]. والآكلة هي المرض الذي يأكل البدن . فالجهل في الانسان أضر من هكذا مرض لأن الجهل يأكل الدين ويقود الى المهالك فيخسر آخرته وهي الحياة الدائمة ، بينما بالمرض يخسر دنياه بالموت وهي الحياة الآنية الفانية .

وعنه عليه السلام أيضاً :" الجهل أصل كل شرّ" [11] .

الثاني : إنّ الانسان الجاهل لو التفت الى جهله لوجب عليه أن يقف عنده ولا يعمل به ، بل  يعمل على رفعه من خلال الرجوع الى أهل العلم ، وإلاّ لسلك به مسالك المهالك ، ولنتج عن ذلك مخاطر دينية وانحرافات سلوكية ، وإليك بعض هذه النتائج :

1 – إنّ من نتائج الجهل أن يصير الانسان حريصاً شَرِهاً بخيلاً كما ورد في الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام :" الحرص والشره والبخل نتيجةُ الجهل " [12] .

وإنما تكون هذه الامور ناتجة عن الجهل ، إما لأنه جاهل بحكمها ولا يسعى الى معرفتها وتعلمها ، وإما لأنه جاهل بعاقبتها الأخروية ، وآثارها الدنيوية السيئة على حياته وحياة من يرتبط به من أهله وعياله ، فالبخيل مثلاً إنما يبخل على نفسه وغيره نتيجة جهله بمساوىء البخل ، وقد يعميه حبّ المال عن كل ذلك وهذا من عظيم جهله .

ولذلك نراه حريصاً على عدم صرف قرش واحد من ماله لكن على حساب نفسه وعياله ، وهذا مما يبغضه الله تعالى ولا يرضى به ، ويقوده ذلك الى الشَّرَه في جمع المال والبخل في صرفه.

2 – لمّا كان الجهل أصل كل شرّ وفساد ومعدنهما كما ورد في عدة روايات عن أمير المؤمنين عليه السلام ، فلا بدّ أن يفسد الجاهل بجهله كل أموره دنيوية كانت أم أخروية ، وهذا يعني أن الجهل بلغ درجة كبيرة  وشديدة من الخطورة والضرر على صاحبه .

فلو ولج الانسان بجهله تفاصيل حياته وطرق به أبوابها وقع في شَرَك الفساد والمعصية والخطيئة حيث لا يحسن التقدير ولا يزن الامور بميزان العلم ، ولا يعترف بأنه جاهل ، ولا يقول : لا أعلم . فحينئذ لا يخرج من شرٍّ حتى يقع في آخر ولا ينجو من فسادٍ حتى يغرق في آخر أيضاً ، وهذه هي حال الجاهل المتمسك بجهله ، غير المرعوي عنه باللجوء الى أهل العلم والمعرفة . ومن كانت هذه حياته فلن تختلف أخراه عن دنياه بعد أن كانت الدنيا مزرعة الآخرة كما في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله[13].

وهكذا انسان تابع لجهله ومهلك لدنياه وآخرته باتباعه هو رجل ميت بين الاحياء وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام :" الجهل موتٌ " [14] .

3 – إن من صفات الجاهل السيئة أنه معاند لا يقبل النصيحة اذا وُجّهت اليه من ناصح شفيق ،  فعن أمير المؤمنين عليه السلام : " الجاهل لا يعرف تقصيره ولا يقبل من الناصح(النصيح) له "[15].

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام : " الجاهل صخرة لا ينفجر ماؤها ، وشجرة لا يخضرّ عودها ، وأرض لا يظهر عشبها " [16].

والمستفاد من هاتين الروايتين أن الجاهل المتمسك بجهله ، العامل به ، لا يعرف ما هو عليه من التقصير ولذلك مهما وُجّهت اليه من نصائح تحثّه على ترك جهله لا يقبلها ، وكأنما قد صُمّت آذانه ، وعميت أبصاره ، وغطّت قلبه غشاوةٌ ، فلا تأخذ منه حقاً ولا ترجو منه خيراً ، ولا ينصفك من نفسه بل هو لنفسه غير منصف .

والتعبير عنه بالصخرة الصمّاء التي لا ينفجر ماؤها هو كناية عن قساوة في نفسه وقلبه بحيث لا يخرج منه خير كالصخرة التي لا يخرج منها الماء الذي هو خير وحياة للناس .

وقد تحدث القرآن الكريم عن قساوة قلوب بني إسرائيل بسبب جهلهم وعنادهم في قصة البقرة التي أمرهم الله تعالى على لسان نبيّه موسى عليه السلام بذبحها }... ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الانهار وإنّ منها لما يشّقق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية الله ...{ [17].

وهؤلاء بجهلهم كانوا يجادلون نبيّهم موسى عليه السلام في ذبح البقرة } فذبحوها وما كادوا يفعلون { [18].

وهكذا هو الجاهل في كل زمان ومكان ، يجادل وينازع ويقارع بجهله ، ولا يعطيك مفيداً على الاطلاق . وكذلك تشبيهه إياه بالشجرة التي لا يخضرّ عودها ، والأرض التي لا يظهر عشبها ، فإن اخضرار العود في الشجر وظهور العشب في الارض هو الخير الذي يخرج منهما ، وهذا مفقود في الجاهل . أعاذنا الله تعالى من كل ذلك .

4 – إساءة الجاهل الى محيطه بسبب جهله ، وذلك لانه لا تبقى صفة سيئة ولا عادة قبيحة إلا ويرتكبها ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله- وقد سئل عن أعلام الجاهل- :" إن صحبته عنّاك ، وإن اعتزلته شتمك ، وإن أعطاك منَّ عليك ، وإن أعطيته كفرك ، وإن أسررت إليه خانك " [19]. فلننظر الى هذا الجاهل : صحبته تتعب صاحبه " صديق الجاهل في تعب "[20]، ولا يتوانى عن شتم من اعتزله فيؤذيه بذلك ، واذا أعطاك منّ عليك والله تعالى يقول: } ولا تمنن تستكثر{ [21]، واذا أعطيته بادلك بكفران النعمة ونكران الجميل ، وإن ائتمنته على سرك وهو خاص خانك وباح به وأفشاه .

ويكفينا في المقام كلام رسول الله صلى الله عليه وآله في صفة الجاهل ، وهو النبي المؤتمن على وحي الله تعالى ، فما ينطق إلا عنه فلننظر أيضاً ماذا يقول مع تعليق طفيف :

" صفة الجاهل : أن يظلم من خالطه ، ويتعدّى على من هو دونه ، ويتطاول على من هو فوقه ، كلامه بغير تدبّر ، إن تكلّم أثم ، وإن سكت سها ، وإن عرضت له فتنة سارع إليها فأردته ، وإن رأى فضيلة أعرض وأبطأ عنها ، لا يخاف ذنوبه القديمة ، ولا يرتدع فيما بقى من عمره من الذنوب ، يتوانى عن البرّ ويبطىء عنه ، غير مكترث لما فاته من ذلك أو ضيّعه " [22] . أقول : إنّ المتأمل في هذه الصفات يخرج بالنتيجة التالية : الجاهل انسان سيء، مؤذٍ ، غير متدبر، لا يقدر الامور برويّة ، ليس هناك ما يردعه عن مقارفة الذنوب وارتكاب المعاصي والآثام ، لا هو مفيد في كلامه ولا في سكوته ، .... الى آخر ما ذكر .

بل نراه في حواراته ومناقشاته إنساناً عجولاً متسرعاً ، يعارض قبل أن يفهم ، ويحكم بما لا يعلم على ما ورد في الرواية عن الامام الصادق عليه السلام [23]

ومن الواضح أن هكذا إنسان لا يجلب لنفسه ولمجتمعه سوى الخراب والفوضى والتراجع .

5 – إنّ الجاهل يعادي كل ما يجهله دون أن يسعى الى العلم به والتعرف عليه ، ولذلك يقع في معاداة الحق والعدل ولا يكلف نفسه عناء رفع جهله ولو من باب احتمال أن يكون ما قيل له أو سمعه حقاً فلماذا يسارع الى رفضه ونبذه واعلان العداء له ، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام :" الناس أعداء ما جهلوه " [24] .

وروي عنه عليه السلام في توجيه الجاهل ونصحه : " لا تعادوا ما تجهلون فإن أكثر العلم فيما لا تعرفون " [25]. وخير مثال على هذا ما كان يحصل مع الانبياء والاوصياء والائمة عليهم السلام من معاداة لهم من بعض من كان في زمانهم جهلاً منهم بحقيقة ما أتى به هؤلاء الصالحون من حق وعدل وصلاح للبشرية جمعاء ، ولو رضخوا لنداء العقل والفطرة السليمة واستمعوا الى تعاليم أنبيائهم وأئمتهم لعلموا ما يجهلون ولما كان منهم أي عداء في مواجهتهم .

وكذلك في كل زمان يصدح فيه المصلحون وأهل العدل والحق ترى جماعة الجهل أول من يقف في وجههم ويعلنون محاربتهم منقادين في ذلك لجهلهم وتعنتهم وعنادهم .

6 – لعلّ أخطر ما يؤثّر الجهل في حياة الانسان سلباً ، بل هو كذلك ، أن يكون السلوك العملي والممارسة اليومية لأفعاله قائمة على أساس هذا الجهل الذي يعمي القلوب والابصار، ممّا يجعله ألعوبة في أيدي المتسلّطين والمستكبرين الذين لا يألون جهداً في السيطرة على عقول هؤلاء وأمثالهم ، ويستغلونهم بشعارات برّاقة تجذبهم وتجعلهم منقادين على عمىً لتنفيذ كل ما يريده أولئك المستكبرون ، وهم الفئة من الناس الذين وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام بالهمج الرعاع كما في نهج البلاغة في كلام له لصاحبه كميل بن زياد (رض): " ... يا كميل إنّ هذه القلوب أوعيةٌ  فخيرها أوعاها . فاحفظ عني ما أقول لك :

الناس ثلاثة : فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمجٌ رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق "[26] .

وهذه الفئة من الجهلة (الهمج الرعاع) نراها في كل زمان ومكان ، والتاريخ يحدثنا عنها كثيراً ، فمنها – مثلا - أتباع معاوية بن أبي سفيان من الشاميين الذين وصل بهم - أو بجلّهم - جهلهم إلى انقلاب الحق عندهم الى باطل ، والباطل الى حق ، فنصروا الباطل وحاربوا الحق ، وقد قال فيهم أمير المؤمنين عليه السلام :" ... وإني والله لأظنّ أنّ هؤلاء القوم سيُدالون منكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم ، وبمعصيتكم إمامكم في الحق وطاعتهم إمامهم في الباطل ، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم "[27] .

وقد سفك الظلمةُ والطواغيتُ الدماءَ وهتكوا الاعراضَ ونهبوا الاموالَ واستولوا على البلاد واستعبدوا العباد ظلماً وعدواناً ، وكان الجهلة هم يدهم التي يبطشون بها ، وقوتهم التي يضربون بها ، وإلاّ كيف وصل أمر الخلافة الى ملك معاوية ومنه الى بني أمية يتقاذفونها كما يتقاذف الصِبية الكرة .

وهكذا كانت حال من أتى بعدهم من المتسلّطين والنازِين على مقام الخلافة والإمرة . فكم قُطّعت رؤوسٌ وأيدٍ وأرجل ، وأُريقت دماءُ أبرياءٍ ومساكين ، وهُتكت أعراضُ مسلمين وغير مسلمين ، واستُبيحت الاموال ، واستٌعبدت الرجال والاولاد ، وكانت يد الجهل والعمى هي الأداة التي اقترفت كل ذلك .

والأمثلة الحيّة في زماننا شاهد قوي على ما نقول ، ألم يقم الجهلة بالدين والشريعة باسم الدين بتقطيع الرؤوس ، وشق الصدور ، وأكل الاكباد والقلوب ، وارتكاب كل قبيح عقلي وشرعي وانساني واخلاقي وبكل المعايير والأنظار؟!

ألم يجنّدهم مستكبرو هذا الزمان وطواغيته لتشويه سمعة الاسلام العزيز باسم الاسلام ؟! ألم ينقاد إليهم الصغير والكبير من الرجال والنساء بدعوى نصرة الاسلام والذود عنه ، والسعي لإقامة حدوده وتنفيذ أحكامه ، فذهبوا بهم مذاهب الحقد والقتل والاجرام فصحّ فيهم قول أمير المؤمنين عليه السلام أنهم همج رعاع ينعقون مع كل ناعق .

بل لم يعد لأكثر ناسهم رأيٌ فيما يرتكبونه ولو كانوا يرونه فظيعاً وقبيحاً لأنهم أخذو مبدأ :" أنا مع الناس لأني واحد منهم" ، على خطأ كانوا أم على صواب ، فهؤلاء هم الإمّعة الذين نُهينا أن نكون منهم ، فقد ورد في الخبر عن أبي الحسن الأول (الكاظم) عليه السلام أنه قال :" أبلغ خيراً وقل خيراً، ولا تكوننّ إمّعة ، قلت: وما الإمّعة ؟ قال: لا تقل: أنا مع الناس ، وأنا واحد من الناس "[28]. والإمّعة: هو الذي لا رأي له ، فهو تابعُ كلّ أحد على رأيه ، وقيل: هو الذي يقول لكل أحد: أنا معك . أعاذنا الله تعالى من ذلك

7- وبعد كل ما تقدم لسائل أن يسأل ، هل يكون الجاهل معذوراً فيما أقدم عليه من ارتكابات وقد تكون فظائع يندى لها الجبين كاستباحة الدماء والاعراض والاموال بلا حسيب ولا رقيب اعتقاداً منه بصوابية فعله وأحقيته أم لا عذر له في ذلك ؟

الجواب : لا شك ان هناك موارد وحالات يعذر فيها الجاهل لكن هناك حالات لا معذورية فيها أبداً لكونه مقصراً في جهله أو ارتكب ما يعلم مخالفته بالضرورة من الدين مثلاً ، أو كان مقصراً في الاعتماد على المقدمات التي أوصلته الى تلك النتيجة التي يدعي أنه قاطع بها وجازم . على أن الجميع مدعوٌ الى تعلّم ما يجهله بالرجوع الى من يصح الرجوع اليه ، وللكلام محل آخر .

خلاصة الكلام :

من خلال كل ما تقدم يتضح أن الجهل يقود صاحبه الى مصير أسود ومستقبل سيء في دنياه وآخرته ، لكنه لو حكّم عقله ووقف عند ما يجهل ولم يتعدَّ أهل العلم فيه لنجى من كل ذلك وقد روي عن الامام الباقر عليه السلام :" لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا لم يجحدوا ولم يكفروا "[29]. وتقدم نحوه عن الامام الصادق عليه السلام .

وعندما نقرأ في الرواية عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام أن الله جعل للجهل خمسة وسبعين جنداً كما جعل للعقل كذلك ، ونرى أن كل هذه الجنود للجهل هي عبارة عن صفات سيئة وأخلاق رذيلة ، ففيها : الشر ، والكفر ، والجحود ، والجور ، والسخط ، واليأس ، والحرص ، والقسوة ، والغضب ، والحمق ، والتهتك ، والكبر ، والتسرع ، والسفه ، والاستكبار ، والجزع ، والانتقام ، ، وغير ذلك [30] ، لا يمكن أن يكون هذا الانسان إلاّ بعيداً عن ربه ، وعن ناسه ومحيطه وأهله ، لأنه لا يرى أحداً معه يضاهيه ، ولا يعطي قيمة لغيره ، فكيف لا يكون هو الشر بعينه ، والباطل بعينه ، والفساد بعينه .

ولننظر الى ما يمكن أن يترتب على وجود هكذا إنسان في مجتمع ما من مساوىء وأخطار ودمار ، والطامة الكبرى لو كان هؤلاء كثراً ومنتشرين في جسم المجتمع ينخرون فيه ويسممونه بجهلهم ، بل بقبائح ما يجهلون ، والأخطر من ذلك كله أن يكون مجتمع بأفراده كافة على هذه الصفة . أعاذنا الله تعالى من جهل لا نرفعه ، ومن جاهل لا يرتدع عن جهله .

وما أجود ما عرّف به أمير المؤمنين عليه السلام الجاهل في كلام له أورده صاحب تحف العقول يقول فيه : "  إنّ الجاهل من عدّ نفسه – بما جهل من معرفة العلم – عالماً ، وبرأيه مكتفياً ، فما يزال للعلماء مباعداً وعليهم زارياً ، ولمن خالفه مخطّئاً ، ولما لم يعرف من الأمور مضلّلاً ، فإذا ورد عليه من الأمور ما لم يعرفه أنكره وكذّب به ، وقال بجهالته : ما أعرف هذا ! وما أراه ! وما أظن أن يكون ! وذلك لثقته برأيه وقلّة معرفته بجهالته ! فما ينفعك بما يرى مما يلتبس عليه رأيه ، ومما لا يعرف للجهل مستفيداً ، وللحق منكراً ، وفي الجهالة متحيّراً ، وعن طلب العلم مستكبراً " [31]                                                                                   

                                                                      بقلم الشيخ اسماعيل حريري                                           

                                                              الأربعاء 13 جمادى الاولى 1436ه                                                             

                                                              الموافق 4  آذار 2015 م

 

 



[1] - غرر الحكم ، ص47، ح1830 .

[2] - مطالب السؤول ، ص57 .

[3] - الكافي ، ج2 ، باب الكفر ، ص388 ، ح 19 .

[4] - المجادلة ، الآية 11 .

[5] - الزمر ، الآية 9 .

[6] - الاحزاب ، الآية 72 .

[7] - الكافي ، ج1 ، ص 30 ، ح 1 .

[8] - ن.م ، ص 33، ح 7 .

[9] - غرر الحكم ، ص48 ، ح 1464 .

[10] - عيون الحكم والمواعظ ، ص54 .

[11] - غرر الحكم ، ص 48 ، ح 819 .

[12] - ن.م ، ح 1694 .

[13] - عوالي اللئالي ، ج1 ، ص 267 ، ح66 .

[14] - غرر الحكم ، ص47 ، ح 1830 .

[15] - عيون الحكم والمواعظ ، ص 54 .

[16] - ن.م ، ص 63 .

[17] - البقرة ، الآية 74 .

[18] - ن.م ، الآية 71 .

[19] - تحف العقول ، ص 18 .

[20] - بحار الانوار ، ج78 ، ص 352 ، ح9 وهو مروي عن الامام الرضا عليه السلام .

[21] - المدثر ، الآية 6 .

[22] - تحف العقول ، ص 29 .

[23] - أعلام الدين ، ص 303 .

[24] - مطالب السؤول ، ص 57 .

[25] - عيون الحكم والمواعظ ، ص 521 .

[26] -  نهج البلاغة ، ج4 ، ص35 ، خ 47 .

[27] - ن.م ، ج1 ، ص65 ، خ 25 .

[28] - أمالي الشيخ المفيد ، ص 210 ، ح 47 .

[29] - المحاسن ، ج1 ، ص 340 ، ح 700 .

[30] - الكافي ، ج1، كتاب العقل والجهل ، ص 20 ، ح 14 .                                         

[31] - تحف العقول ، ص 73 .

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/30   ||   القرّاء : 8554


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net