من دروس عاشوراء: تحمّل المسؤولية
من دروس عاشوراء: تحمّل المسؤولية
الإنسان في الإسلام مكلّف مسؤول وهذه المسؤولية تشمل جميع الأفراد بمقتضى قوله تعالى: { فَلَنَسْـَٔلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـَٔلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ (الأعراف - 6)
وإن كانت هذه المسؤولية متفاوتة في الأهمية بحسب أهمية الشخص ودوره ومؤهلاته.
فالعالم وصاحب المنصب ومن بيده السلطة والقدرات، وصاحب الكلمة المسموعة والمؤثرة وغيرهم أكثر مسؤولية ممن ليس له ذلك فكل مكلف بحسب قدرته قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ ) البقرة 286
وكلهم مسؤول أمام الله تعالى كما قال تعالى: (وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ) (الصافات - 24)
وهذه المسؤولية والتكليف يبدءان في الدائرة الفردية، مسؤولية الإنسان اتجاه نفسه جسماً وروحاً واتجاه أهله وولده وأرحامه والدائرة الأوسع في المجتمع ومن ثم الأمة.
وما قيام الإمام الحسين عليه السلام بثورته أو نهضته إلا استجابة للتكليف الإلهي وتحمل للمسؤولية الكبرى في حفظ الدين وصلاح أمر المسلمين فهو وأخوه وأبوه وبنوه المعصومون عليهم السلام قّوامون بأمر الله تعالى، اشتركوا جميعاً في حفظ الرسالة من الضياع والانحراف والتصدي للشبهات فهم قوّامون لأنهم أصحاب العزم الراسخ والهّمة الماضية والتأهب الكامل لمعالي الأمور لا يسأمون ولا يكلّون في الذبّ عن دين الله تعالى وإقامة الحدود الإلهية المعطّلة وإجراء أحكامه.
وكان يمكن للإمام الحسين عليه السلام ومعه أصحابه أن يتخلوا عن هذه المسؤولية حفظاً لأنفسهم وإن يبقوا كبقية الناس مع أهليهم وأولادهم يعيشون في أمان ولكنه أبى السكوت، لأن قضية الإسلام هي قضيته وهو القائل عندما لقيه مروان بن الحكم فقال له: يا أبا عبد الله إني لك ناصح، فأطعني ترشد، فقال الحسين عليه السلام: وما ذاك؟ قل حتى أسمع، فقال مروان: إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين فإنه خير لك في دينك ودنياك، فقال الحسين عليه السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد، ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان)
وقضيته قضية الحق وهو القائل :ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه.
وقضيته قضية المبادئ والقيم قيل له: انْزِل على حُكم بَني عمّكَ ، فَإنّهم لن يُرُوك إلاّ ما تحبّ فَقَالَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : لاَ وَاللَهِ لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إعْطَاءَ الذَّلِيلِ؛ وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ )
وقضيته قضية الامامة وكرامة المنصب وهو القائل: إنّا أهل بيت النبوَّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، بنا فتح الله، وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله".
وقضيته قضية المسلمين والمستضعفين والمظلومين فان بني امية اتخذوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً والصالحين حربا، والفاسقين حزبا.
ولذلك رأى الإمام الحسين(ع) أن هذا الواقع يمثل اعتداءً على الأمة كلها، ويريد لعباد الله أن يعيشوا الحرية في كل مواقع حياتهم. والإسلام يريد لأي إنسان في الكون أن لا يكون عبداً لإنسان آخر يخضع له، ليصادر إرادته وحريته، بل أن يكون عبداً لله وحده.
خرج الإمام (ع) لطلب الإصلاح وها هو يقول لأخيه محمد بن الحنفية في وصية له:
«إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».
والمقصود هو الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لتحقيق العدالة وإقامة الحق وإعمار البلاد وإحياء العباد بمعين المعارف الحقة.
لم يكن أمام الإمام الحسين(ع) إلا أن يبادر ولو كان في ذلك شهادته وأهل بيته عليهم السلام وأصحابه رضوان الله عليهم وكذا لو كان في ذلك سبي نسائه .
أقبل إليه عمرو بن الوزان، وأقبل إليه عبد الله بن جعفر، وابن عبّاس، ومحمد بن الحنفية، وفلان وفلان، وقالوا له: أبا عبد الله، أنت تعرف أهل العراق ماذا صنعوا بأبيك وأخيك، فكيف تذهب إليهم؟! قال: ”شاء الله أن يراني قتيلاً، وأن يرى النساء سبايا“.
هذه المشيئة ليست مشيئة تكوينية وإن حدثت بعد ذلك، وإنما هي مشيئة تشريعية، فقوله: ”شاء الله“ معناه: أمرني الله بذلك، أي أن الحسين مأمور بهذه الحركة، ومأمور بهذه المسيرة، ومأمور بأن أخرج مع النساء؛ لأن للنساء دورًا أيضًا في ثورة كربلاء وتعريف الناس بحقيقة الحكم الأموي ومخالفته لأحكام الدين، مما أنتج الثورات المضادة له إلى أن سقط الحكم الجائر ذاك
فإنه لم يكن بدّ في ذلك مهما كانت التضحيات استجابة لأمر الله تعالى وتسليما لامر الله ورضا بقضائه ومحبة لعباده وهم معدن الرحمة.
فالإمام الحسين (ع) وصل إلى مرتبة التسليم، ولذلك يقول يوم عاشوراء وهو يصبغ شيبته من دم قلبه: ”اللهم رضا بقضائك، وتسليمًا لأمرك، يا غياث المستغيثين“.
إلهي تركتَ الخلقَ طرًا في هواكَ وأيتمتُ العيالَ لكي أراكَ
فلو قطّعتني في الحب إربًا لما مال الفؤاد إلى سواكَ
ها هو الامام الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه قد ادوا تكاليفهم استجابة لأمر الله وتفانوا في خدمة دين الله وعباده فماذا نحن فاعلون ؟
فهل نكون كالذين سكتوا واعتزلوا واختلقوا الاعذار للهروب من المسؤولية أو نكون كالذين نصروا الإمام فننتصر لدين الله وإقامة أمر الله تعالى؟
ويعجبني أن أنقل هنا هذا الكلام المعبّر للسيد القائد الخامنئي حيث يقول: " لقد أدى الحسين عليه السلام رسالته في أحلك الظروف كي لا يبقى لأحد عذر إن قست عليه الظروف.."