قراءة القرآن وتلاوته وتدبّره
قراءة القرآن وتلاوته وتدبّره
لنزول القرآن اغراض عديدة ذكرتها الآيات يجمعها بلوغ الكمال العلمي والعملي. وفي سبيل بلوغ ذلك ارشد القرآن الكريم الى كيفية الاستفادة منه والتعامل معه والاقبال عليه كالقراءة والترتيل والتلاوة والتدبر و...وبيّنت الروايات الشريفة تفاصيل هذه العناوين.
يقول الامام الخميني (ره) هذه الصحيفة الالهية كتاب احياء القلوب بالحياة الابدية العلمية والمعارف الالهية ... فأي خسران أعظم من أن نقرأ الكتاب الالهي منذ ثلاثين أو أربعين سنة ونراجع التفاسير ونحرم مقاصده "
فان الغرض من نزول القرآن هو الاتعاظ بمواعظه والعمل بهديه وزيادة الارتباط بالله تعالى والخشوع لذكره ولا يكون ذلك الا من خلال ايجاد جملة من العوامل المؤثرة في بلوغ هذا الهدف ولا يكفي مجرد القراءة السطحية ( وان كان الاجر محفوظا والاثر موجودا)
قال تعالى: «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد» ق 37
وذلك أن تمام التأثير موقوف على مؤثر مقتض، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع . فلا بد من تهيئة القلب لتلقي القرآن ، وهذا يكون ذلك بأمور:
مدخل في فضل تلاوة القرآن.
عن الإمام الباقر عليه السّلام. قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، و من قرأ مائة آية كتب من القانتين، و من قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، و من قرأ ثلاثمائة آية كتب من الفائزين، و من قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر ...» الكافي: 2/ 612، الحديث: 5.
عن الإمام الصادق عليه السّلام. قال: «القرآن عهد اللّه إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية». الكافي: 2/ 609، الحديث: 1.
القراءة المطلوبة
المطلوب قراءة القرآن بتدبّر كما قال تعالى :" أفلا يتدبّرون القرآن" و كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبّروا آياته وليتذكر أولو الألباب.".
وهو المقصود بإنزاله، لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر .
فالقراءة مقدمة للتدبر والتدبر مقدمة للتذكر وهذا هو الهدف الاساس لنزول القرآن كما قال تعالى : وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً طه _ 113
فيحدث لهم في قلوبهم عبرة وعظة يعتبرون بها ويتعظون، ويقبلون على فعل الطاعات وكذلك يتذكرون الحقائق الكامنة في فطرتهم التي حجبها الضباب القادم من قلب الشهوات والمطامع والأحقاد، وينطلقون من خلال ذلك، للسير مع اللّه في خط مستقيم.
فالمراد التفكّر والتوجه إلى المعاني والإتعاظ بمواعظ الله، والإعتبار بأحوال الماضين وسنة الله في العالمين، وطلب الرحمة إذا وصل القارئ إلى آية فيها رحمة، وأن يستعيذ إذا وصل إلى آية فيها عذاب كما ورد في روايات عديدة .
عن الامام الرضا(ع) أنه كان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مرَّ بآية ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوّذ من النار.
ما يعين على تدبر القرآن
والتدبّر مشتقّ من الدّبر، أي الظّهر، اشتقّوا من الدّبر فعلا، فقالوا: تدبّر إذا نظر في دبر الأمر، أي في غائبه أو في عاقبته، فهو من الأفعال التي اشتقّت من الأسماء الجامدة.
فمعنى يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يتأمّلون دلالته.
- الإمام علي (عليه السلام): ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه .
ويقول (عليه السلام): تدبروا آيات القرآن واعتبروا به، فإنه أبلغ العبر .
لذا امر تعالى بترتيل القرآن فقال تعالى: ورتّل القرآن ترتيلا" المزمل
والترتيل: جعل الشيء مرتّلا، أي مفرقا، و أصله من قولهم: ثغر مرتّل، و هو المفلج
الأسنان، أي المفرق بين أسنانه تفرقا قليلا بحيث لا تكون النواجذ متلاصقة..
ورتلت الكلام ترتيلا، إذا تمهلت فيه وأحسنت تأليفه، وقوله تعالى: تَرْتِيلًا تأكيد في إيجاب الأمر به، وأنه مما لا بد منه للقارئ.
وأريد بترتيل القرآن ترتيل قراءته، أي التمهل في النطق بحروف القرآن حتى تخرج من الفم واضحة مع إشباع الحركات التي تستحق الإشباع...
وفائدة هذا أن يرسخ حفظه و يتلقاه السامعون فيعلق بحوافظهم، ويتدبر قارئه وسامعه معانيه كي لا يسبق لفظ اللسان عمل الفهم...
وقد سئل الامام علي(ع) عن الترتيل فقال: بيّنه تبيانا ولا تهذه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن أفزعوا قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة.
تلاوته حق التلاوة
ويقول تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته)
ومادة (تلى) تأتي بمعنى المتابعة ولها مراتب ودرجات ترتقي من القول فقط إلى أقصى درجات المتابعة في القول و الفعل والوجود وسائر الجهات. والمراد بحق التلاوة هي التي توجب فهم الكتاب والتفقه فيه واتباع احكامه وقد وردت روايات كثيرة في أن المراد بها ترتيل آياته و التفقه به والعلم بأحكامه.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) في بيان الآية : يرتلون آياته، ويتفهمون معانيه، ويعملون بأحكامه، ويرجون وعده، ويخشون عذابه، ويتمثلون قصصه، ويعتبرون أمثاله، ويأتون أوامره، ويجتنبون نواهيه، ما هو والله بحفظ آياته وسرد حروفه، وتلاوة سوره ودرس أعشاره وأخماسه، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده، وإنما هو تدبر آياته يقول الله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) .
والغاية ايضا هو اخذ العبرة لان القرآن هو موعظة الله وما ذكر القصص وبعض مجريات الاحداث والحروب في عهد النبوة وما سبقه من عهد النبوات الا لغرض الاعتبار.
الخشوع نتيجة للتدبر
والنتيجة الحاصلة من التدبُّر في معاني القرآن الكريم والتفكر في ما وعد الله به المؤمن من النعيم المقيم، وما اوعد العاصي من العذاب الأليم هو الخشوع، يقول الله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ...﴾ الحديد: 16
وقد وصف أمير المؤمنين عليه السلام حال المتقين عند تلاوتهم لكتاب الله فقال:
"أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُو ا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكْبِهِمْ، وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللهِ تَعَالِي فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ".
كيفية ختم القرآن.
مع دخول شهر رمضان المبارك شهر المغفرة والرحمة، وشهر الطاعات والتوجه إلى الله تعالى يعود المسلمون على مختلف درجاتهم في الإيمان والإلتزام بتعاليم الدين، بعد انقطاع أو خفوت، يعودون إلى كتاب الله تعرضاً للنفحات الإلهية وتحت تأثير الجو الروحي الذي يتركه هذا الشهر المبارك في النفوس، وطمعاً بالثواب الجزيل كما ورد في خطبة الرسول(ص) في استقبال شهر الله"ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل من ختم القرآن في غيره من الشهور".
ولا شك أن مثل هذا الخطاب النبوي نجد مفعوله في هذا الإنكباب لا بل التسابق للعيش مع القرآن الكريم من أوله إلى آخره ومحاولة ختمه وربما لمرات طمعاً في هذا الأجر الجزيل . ولكي نصل بالهدف النبوي إلى مداه وبالثواب الجزيل أقصاه، لا ينبغي إغفال التوجيهات الأخرى الواردة عن النبي وأهل بيته(ع) والتي تلقي الضوء على سبل الإستفادة وكيفية التعاطي مع كتاب الله.
وفي سبيل ذلك نلقي الضوء على بعض الروايات الشريفة في هذا المجال:
روي بسند معتبر عن رجل قال لأبي عبد الله(ع): أقرأ القرآن في ليلة، قال لا يعجبني أن تقرأه في أقل من شهر.
وروي بسند معتبر آخر أن أبا عبد الله (ع) سئل : في كم يختم القرآن؟ فقال: إقرأه أخماساً ، إقرأه أسباعاً، أما أن عندي مصحفاً مجزءاً أربعة عشر جزءا.
وهناك روايات أخرى تحدد ختم القرآن بأقل من ذلك وخصوصاً في شهر رمضان ، هذا التفاوت في تحديد المدة لختم القرآن نفهم منه أن على القارئ للقرآن أن يراعي شأنه وقابليته وقدرته على الإستفادة من القرآن الكريم، وأن عليه أن يوازن بين الكمية ومقدار الآيات والسور وبين الكيفية ومقدار وعي ذلك.
وأيضاً روي عن الرضا(ع) أنه كان يختم القرآن في كل ثلاث ويقول لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمت ولكني ما مررت بآية قط إلا فكّرت فيها وفي أي شيء أنزلت وفي أي وقت؟ فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام.
بناء عليه فلنجمع الى الرغبة في الثواب رغبة في المعرفة والفهم لكتاب الله .