إستعمالات القرآن لكلمة الوحي
إستعمالات القرآن لكلمة الوحي
ورد الوحي ضمن آيات القرآن في موارد متعدّدة، ولم يقتصر على وحي النبوة، وهذا يعني عدم إختصاص الوحي بالأنبياء، فالقرآن كما ذكر إلقاء الوحي إلى الأنبياء، فإنه حدّثنا عن أشخاص أوحي إليهم مع أنهم لم يكونوا في عدادهم: وذلك من قبيل الوحي الذي تلقّته أمّ موسى كما تُشير الآيات الكريمة: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى} (طـه:38) والأمر نفسه تكرّر مع السيّدة مريم، التي ظهرت لها الملائكة وتحدّثت إليها {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران:42) بل كان غذاؤها يأتيها من وراء حجب الغيب، ممّا استدعى استغراب النبي زكريا (ع) كما ينص القرآن الكريم: {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (آل عمران:37) وقد أطلقت روايات أهل البيت (ع) على الشخص الذي يوحي إليه، من غير أن يكون نبيّاً ولا رسولاً "المحدَّث".
ثمّ إنّ أمير المؤمنين (ع) قد بيّن في نهج البلاغة وجود أفراد على طول الخطّ يتلقون مسائل من الغيب: كحالة أهل الذكر، التي يصفها لنا في قوله: "إن الله سبحانه وتعالى جعل الذكر جلاءً للقلوب {فتتفتح آذان قلوبهم} تسمع به بعد الوقرة، وترى فيها بعد العشوة، وتنقاد به بعد المعاندة، وما برح لله عزّت آلاؤه في البرهة بعد البرهة وفي أزمان الفترات، عباد ناجاهم في فكرهم وكلّمهم في ذات عقولهم".
فالإمام (ع) يريد في هذا النص أن ينبه على حقيقة كانت في الدهور الماضية، وستمضي بإطّراد، وهي أنّه ثم أشخاص من غير الأنبياء، قد لقّنوا أنفسهم ذكر الله، ممّا جعلهم يسمعون كلام الحقّ ويتلقّون الإلهام عنه.
الوحي لغير الإنسان:
بل الذي يتّضح من الآيات الكريمة أنّ الوحي ليس مختصا بنوع الإنسان ، بل هو واقع له وجوده في جميع الأشياء، حتى في الحيوانات والجمادات.
فقد ورد في سورة النحل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} (النحل:68) كما ورد هذا المعنى تارة بالنسبة للأرض: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} (الزلزلة:4 و5) وأخرى بالنسبة للسماء: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} (فصلت:12)
وخلاصة القول: إنّ القرآن لم يعتبر الوحي أمراً مختصاً بالأنبياء ولم يحصره بهم، بل اعتبره حالة تُصاحب جميع الموجودات بلا استثناء.
وينبغي التنبيه إلى أنّ الوحي، وإن كانت ماهيته وحقيقته واحدة، إلا أنه يتخذ أشكالاً وأنماطاً متعددة، متناسبة مع طبيعة كل واحد من الموجودات التي مرّ ذكرها.