وصية الإمام الباقر عليه السلام لجابر الجعفي
وصية الإمام الباقر عليه السلام لجابر الجعفي
كان جابر الجعفي من خواص شيعة الإمام الباقر عليه السلام وقد زوده سلام الله عليه بست نصائح ولأنها طريق السعادة في الدارين وضالّة كل عاقل كان لا بد من إيضاحها:
قال عليه السلام لجابر الجعفي:
1 – وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض.
التفويض هنا هو إيكال الأمور كلها صغيرها وكبيرها إلى الله وعدم طلب ما لم يرده سبحانه.
حيث أن رغبات الإنسان لا تنتهي وحيث أن عالم المادة محدود مليء بالمنغصات ولا يصل الإنسان فيه إلى واحد من الألف من رغباته, فإن الإستقرار الحقيقي للبشر محال قطعاً, اللهم إلا إذا وصل بنور المعرفة إلى مقام " التفويض " أي يتخلى عن رغبات نفسه ولا يريد إلا ما أراده له الله العالم والحكيم ويقنع بما يحصل عليه ويرضى ولا يتحسر على ما فاته كما تقدم في الحديث النبوي المشهور: أول العلم معرفة الجبار وآخر العلم تفويض الأمر إليه.
وهل تنفع العبد الأماني:
نقل عن أحد الأعاظم أن أحد العبيد كان سبب يقظته من نوم الغفلة ودفعه نحو تحصيل المعرفة والعبودية فقد رأى ذات يوم في سوق النخاسين عبداً وأراد أن يشتريه فاقترب منه وقال:
ما اسمك؟
قال: أي شيء تناديني به.
- أشتريك؟
- إذا أردت.
- ماذا تأكل؟
- أي شيء تطعمنيه.
- وماذا تلبس؟
- أي شيء ألبستني.
- وما هي مواصفات سكنك؟
- حيث أسكنتني.
- وما هذه الأجوبة أيها العبد؟
- وهل تنفع العبد الأماني.
وكأنما كان ذلك الشخص نائماً وانتبه, فلطم على رأسه قائلاً:
يا ليتني تعاملت في كل عمري يوماً واحداً مع مولاي الحقيقي هكذا.
2 – واطلب راحة البدن بإجمام القلب.
كلما كان الإنسان حريصاً على الدنيا وازداد سعيه للوصول إلى الآمال والأهواء فسيتجلى ذلك حرماناً له من نعمة الطمأنينة وهدوء الأعصاب, وهذا يترك آثاره السلبية على جهازه الهضمي وسائر أجهزته فيربكها ويتعب الجسد ولا علاج لراحة الجسد وسلامته أفضل من إجمام القلب باجتناب التشتت بين الآمال والأهواء .
3 – وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ.
غير خافٍ أن كل نكبة وشقاء يحل بالإنسان فهو من آثار الذنوب, وإذا تأملت في أحوال الأشخاص الذين يبتلون بأمراض الحرص, البخل, الحسد, الحقد, الكبر, سوء الظن وحب الدنيا يتضح لك هذا الأمر بكل جلاء أية آلام يحملها هؤلاء, وأي شقاء وعذاب يعانون, بحيث يصل الأمر بهم إلى الرضا بالموت وقد أشير إلى ذلك في عدة مواضع من هذا الكتاب.
4 – وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات.
يأتي الكلام عن رقة القلب في القسم الثاني من الكتاب وأعظم وسيلة للتحلي بها هي ذكر الله في الخلوات خصوصاً في حال السجود فقد روي " إن العبد إذا أطال السجود حيث لا يراه أحد قال الشيطان واويلاه أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت ".
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام إن أبي كان يقول: أقرب ما يكون العبد من الرب وهو ساجد يبكي .
وفي القرآن الكريم: " واسجد واقترب ".
الحزن ينير القلب:
5 – واستجلب نور القلب بدوام الحزن.
أي أن أفضل سبل الوصول إلى إنارة القلب هي دوام الحزن والمراد به هو طلب نور اليقين كالأم التي ضلّ عنها ابنها العزيز وقلبها دائماً معه يبحث عنه ويعمل للعثور عليه كذلك ينبغي أن يكون المؤمن يبحث دائماً عن نور اليقين ويفتش عنه وكل همه الوصول إليه وما دام لم يصل فهو لا يعرف الإستقرار أبداً وهذه الحالة علامة من هو من أهل الآخرة كما أن علامة من هو من أهل الدنيا أنه إذا وصل إلى بغيته المادية اطمأن ولا يبقى في قلبه أي حزن أو غم إلا الوصول إلى هوى آخر من أهوائه.
" ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ". يونس 7.
ينبغي إخفاء الحزن:
لا بد من التذكير بأن الحزن من العبادات القلبية وقد روي: إذا أراد الله بعبدٍ خيراً جعل في قلبه نائحة من الحزن وعليه فلا يصح أن يُظهر المؤمن حزنه القلبي للناس حذراً من الرياء والإبتلاء بمعصية الشرك بل ينبغي أن يكون ظاهره بخلاف باطنه أي أن قلبه مليء بحزن الآخرة وظاهره مسرور كما روي:
" المؤمن حزنه في قلبه وبشره في وجهه ".
6 – وتحرز من إبليس بالخوف الصادق.
أي أن الشخص الذي يخاف حقيقةً من الله تعالى ويحترق بنار الخوف, لا يمكن أبداً أن يغويه الشيطان... وفي نهاية المطاف لن تضره نيران الشياطين ويأتي مزيد إيضاح لذلك في القسم الثاني.