هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



        ذكرى عاشوراء ... إستعادة للمبادئ والقيم والقدوات

 علماء قدوة ... ومواقف رسالية للعلماء...

 عيد المقاومة والتحرير

  عيد الغدير

  اكل المال بالباطل

  من صفات القرآن : هدى وبينات

  الاخلاق ودورها في التغيير

  من علامات ظهور الامام الحجة عليه‌السلام :

 من حكم  الإمام زين العابدين (عليه السلام)

 باب فاطمة (ع) رمز الصمود والشهادة

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7020587

  • التاريخ : 19/03/2024 - 05:36

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .

        • القسم الفرعي : سيرة .

              • الموضوع : الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام عطاء رغم الحصار .

الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام عطاء رغم الحصار

  الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام عطاء رغم الحصار

 

عاش الإمام الهادي(ع) قياساً إلى العمر الطبيعي عمراً قصيراً، فقد كان عمره يوم وفاته إحدى وأربعين سنةً، وكان مولده(ع) في النصف من ذي الحجة سنة 212هـ في "صريا" من المدينة، وهي قريةٌ أسَّسها الإمام الكاظم(ع) على ثلاثة أميال من المدينة، استشهد بالسم في زمن المعتز ودفن في سامرّاء.

مدة إمامته (33 سنة

ألقابه: النجيب، المرتضى، الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الأمين، المؤتمن، الطيب، المتوكل، وأشهرها: الهادي، والنقي.

كنيته: أبو الحسن الثالث

استلم الإمام الهادي  عليه السلام  الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الجواد سنة 220ه، وبهذا يكون عمره الشريف حين تصديه للإمامة (ثمان سنوات)، ولذلك إمامته تعتبر

المصداق الثاني للإمامة المبكرة في الفكر الشيعي فمن الطبيعي أن تتكثف النصوص حول إمامته لتركيزها في أذهان الناس كما حصل من قبل مع الإمام الجواد  عليه السلام 

 وقد عانى الإمام الهادي(ع) الكثير من خلفاء بني العبّاس، فقد عاش مع "المعتصم" في بقية خلافته، ثم ملك "الواثق" خمس سنين وسبعة أشهر، ثم ملك "المتوكّل" أربع عشرة سنة، ثم ملك ابنه المنتصر أشهراً، ثم ملك "المستعين" سنتين وتسعة أشهر، ثم ملك "المعتزّ" ثماني سنين وستة أشهر .. ومع كلِّ مَن عاصرهم الإمام(ع) عانى الكثير، ولكن نتوقف عند زمن المتوكّل الذي استدعاه إلى مدينة الخلافة في سامرّاء من أجل أن يكون تحت رقابته، لهذا كتب كتاباً حمّله إلى يحيى بن هرثمة...

 

من نصوص الإمام الجواد عليه السلام على ابنه

1_عن إسماعيل بن مهران، قال: لما خرج أبو جعفر  عليه السلام  من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى، قلت له: عند خروجه: جعلت فداك، إني أخاف عليك من هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ قال: فكر بوجهه إليّ ضاحكاً، وقال: ليس حيث ظننت في هذه السنة فلما استدعي به إلى المعتصم في المرة الثانية صرت إليه، فقلت له: جعلت فداك، أنت خارج، فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلّت لحيته، ثم التفت إلي فقال عند هذا يخاف عليَّ، الأمر من بعدي إلى ابني علي الكافي، ج1، ص260.

 

2_ وفي رواية سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا  عليه السلام  يقول الإمام بعدي ابني علي أمره أمري، وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه

ثم: سكت فقلت: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام بعد الحسن، فبكى  عليه السلام   بكاءاً شديداً ثم قال: "إنّ بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر" إلى اخر الرواية بحار الأنوار، ج50، ص118.

إلى غيرها من الروايات التي صدرت للتأكيد على إمامة الإمام الهادي  عليه السلام

 

قداسةٌ  الامام عليه السلام في وجدان المسلمين

كانت مظاهر التقديس والتبجيل للامام عليه السلام ظاهرة في مواقف الناس  حيث لم  يكن لاحد ان  فضله  والإحساس برفعته وقداسته، ولذلك مظاهر جلية منها :

ما يذكره بعض  المؤرّخين أنَّ المتوكل "مرض من خُراج (ما يخرج في البدن من القروح) خَرَج به فأشرف منه على الموت، فلم يَجْسُرْ أحدٌ أن يمسَّه بحديدةٍ، فنذرت أمُّه إنْ عُوفيَ أن تحمل إلى أبي الحسن عليّ بن محمد (الهادي) مالاً جليلاً من مالها، فلما عُوفِيَ المتوكّل بعد هذا النذر فبُشّرت أمُّ المتوكّل بعافيته، فحملت إلى أبي الحسن(ع) عشرة آلاف دينار تحت خَتْمِها، واستقلَّ المتوكّل من علّته.. ..   الإرشاد للشيخ المفيد، ص:302

وهكذا نشاهد أنَّ أمَّ المتوكّل عندما مرض ولدها لم تجد أحداً في المجتمع الإسلاميّ تتقرّب وتتشفّع به إلى الله غير الإمام الهادي(ع)، ما يدلّنا على أنَّ قداسة الإمام الهادي(ع) كانت تعيش في وجدان المسلمين، حتى في داخل بيت الخلافة المناهضة لخطِّ الأئمة عليهم السلام..

 

المثل الثاني : هو أنّ الشخص الذي أرسله المتوكّل إلى المدينة (وهو يحيى بن هرثمة)، ليأتي بالإمام منها إلى "سامراء" حتى يضعه تحت نظره وأمره بإكرامه وإعظامه، يحدّث فيقول: "فذهبت إلى المدينة، فلما دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على عليّ (الهادي)، وقامت الدنيا على ساق (الجميع خرج مذهولاً)، لأنَّه كان محسناً إليهم، ملازماً للمسجد، لم يكن عنده ميلٌ إلى الدنيا.. قال يحيى: فجعلت أسكّنهم، وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنَّه لا بأس عليه، ثم فتّشت منزله، فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعيةً وكُتُبَ العلم، فعظُم في عيني، وتولّيت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته"( تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي، ص:359

 

 

فكرةً عن احترام الناس للإمام(ع) من خلال قصّة يرويها محمد بن الحسن بن الأشتر العلويّ، قال: "كنت مع أبي بباب المتوكّل، وأنا صبيّ في جمعٍ من الناس، ما بين طالبيّ (هاشمي) إلى عباسيّ إلى جنديّ إلى غير ذلك، وكان إذا جاء أبو الحسن(ع) ترجّل الناس كلُّهم حتى يدخل. فقال بعضهم لبعض: لِمَ نترجّل لهذا الغلام، وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا ولا بأسنّنا ولا بأعلمنا؟ فقالوا: والله لا ترجّلنا له، فقال لهم أبو هاشم (الجعفريّ): والله لترجلنَّ له صَغاراً وذلةّ إذا رأيتموه، فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به، فترجّل له الناس كلُّهم، فقال لهم أبو هاشم: أليس زعمتم أنَّكم لا تترجّلون له؟ فقالوا: والله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجّلنا" بحار الأنوار، ج:5، ص:137

إنَّ هذه الأمور والوقائع تدلُّ على أنَّ عظمة الإمام وهيبته وقداسته تجاوزت شيعته، وامتدّت حتى إلى المواقع التي قد تعاديه وتخاصمه وتظلمه.

عطاء رغم الحصار

وقد عانى الإمام(ع) من تصرّفات المتوكِّل الكثيرة، فاستدعاؤه من المدينة إلى سامرّاء كان من أجل محاصرته وإبعاده عن الناس، لأنَّ الخلفاء العباسيّين كانوا يضيقون بأيّ إمام من الأئمة المعاصرين لهم، لما يرونه من ثقة النّاس بإمامتهم، ولذلك لم نرَ خليفة منهم إلا وهو يعمل على محاصرة الإمام ووضعه تحت الرّقابة أو سجنه.

 

لكنّنا نلاحظ أنّ الإمام الهادي(ع)، بالرّغم من كلّ هذا الحصار الذي كان في سامرّاء، فكان يمارس عمليّة تنظيم الوكلاء، كما يتّضح ذلك من خلال رسائله ـ مسؤوليّات عزل شخص وتعيين آخر مكانه، ويعطي التّعليمات لهذا وذاك، ما يدلّ على أنّ الحصار الذي حوصر به، لم يحل دون الاتّصال بكلّ المناطق التي يملك فيها أتباعاً وجماهير تدين بإمامته وتؤمن وتثق به.

 

منهج الإمام الهادي عليه السلام

استخدم الإمام الهادي  عليه السلام منهجاً تربوياً متكاملاً من أجل بناء المجتمع الصالح وحصانته في مواجهة الانحراف فاعتمد في سبيل ذلك على ركنين:

الأول: بناء النفس من خلال تهذيبها وربطها بخالقها تعالى(الجانب التهذيبي)

الثاني: بناءها من أجل قدرتها على تجاوز المحن والصعاب(الجانب التنظيمي)

أ- الجانب التهذيبي

عن الإمام  عليه السلام  قال لأحد مواليه: كاتب فلاناً وقل له إن اللّه إذا أراد بعبد خيراً، إذا عوتب قبل الحراني، ابن شعبة، تحف العقول، ص360.

فالإمام يحدد أن الإنسان في مسألة حب الظهور، لا بد أن يتقبل النقد وأن يرضى بالتعرف على عيوبه من أجل إصلاحها

ويقول أيضاً  عليه السلام من أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين، ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحلّ به سخط المخلوقين  م ن ص: 361         

كما اعتمد الامام الرسائل المكتوبة، والربط بالمعصومين عبر ظاهرة الزيارة فقد صدر عنه (الزيارة الجامعة، وزيارة أمير المؤمنين يوم الغدير، وزيارات متعددة للأئمة عليهم السلام

ب - الجانب التنظيمي

فقد كانت حياة الإمام  عليه السلام  مقرونة برقابة شديدة من قبل الحكام العباسيين، ولذلك اتبع الإمام أسلوب الوكالة للارتباط بأتباعه وشيعته في العالم  وقد كان الوكلاء يتولون تنظيم عملية الاتصال بين الإمام  عليه السلام  والشيعة، خصوصاً في المجالات التالية :

1استلام الخمس من الشيعة وإيصاله للإمام  عليه السلام

2 الاجابة على المسائل الفقهية والعقائدية

3 التعريف بالإمام عليه السلام  وتمهيد الأرضية له.

وكان ارتباط هؤلاء بالإمام  عليه السلام  يتم غالباً من خلال كتب يرسلونها إليه مع من يوثق به

وكان من وكلاء الإمام الهادي  عليه السلام  علي بن جعفر الوكيل، وقد سُعي به إلى المتوكل فقبض عليه وحبس، وقضى فترة طويلة في السجن. وإبراهيم بن محمد الهمداني وغيرهم...

 

العلاقة بين الوكلاء والناس

لقد نظم الإمام  عليه السلام  العلاقة بين الوكلاء أنفسهم، بحيث يبقى كل وكيل ضمن دائرة عمله بشكل منظم من دون التعرض لدائرة عمل الاخر

 وقد كتب  عليه السلام  كتاباً وجهه إلى أيوب بن نوح  وكان من وكلائه  عليه السلام  أمره فيه بعدم الاكثار بينه وبين أبي علي  وكيل اخر  وأن يلزم كل واحدٍ منهما ما وكل به وأمر بالقيام فيه في أمر ناحيته، وأوصى أبا علي ايضاً بمثل ما أوصى به أيوب ، وطلب من الإثنين أن يتولى كل واحد منهما الشؤون المالية لما يليه من الشيعة وأن لا يقبلا شيئاً من أموال شيعة المناطق الأخرى.

ونظم  عليه السلام  كذلك العلاقة بين الوكيل وبين الشيعة المتواجدين في ناحيته ، فاعتبر أن طاعة الوكيل هي طاعة له  عليه السلام  ، ففي كتاب له  عليه السلام  عن أبي علي بن راشد يقول فقد أوجب في طاعته طاعتي والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصياني فالزموا الطريق يأجركم الله ويزيدكم في فضله"

وأكد على ضرورة تمهيد الطريق أمام الوكيل وتسهيل مهمته، يقول  عليه السلام: فعليك بالطاعة له والتسليم إليه جميع الحق قِبلك، وأن تحض موالي على ذلك وتعرفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته فذلك توفير علينا ومحبوب لدينا ولك به جزاء من الله وأجر

 

 

دور الإمام عليه السلام في بث العلوم وتصويب الافكار والمفاهيم

وقد عاش حياته هذه في نشاط دائم فقد كان يعلّم الناس، ويعلّم العلماء منهم، حتى ذُكِر أنَّ الذين رووا عنه علومه بلغوا ما يقارب المائة وخمسةٍ وثمانين راوياً،

وكان الإمام عليه السلام يراقب ويتصدّى لكلِّ الانحرافات التي تعرّض لها الواقع الإسلاميّ، لأنّهاَ مسؤوليّة الأنبياء والأولياء والعلماء في كلِّ زمان ومكان  ان يصلحوا الخطأ، وليقوّموا الانحراف بالأساليب التي وضعها الله تعالى في كتابه، بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.

وقد واجه الإمام الهادي(ع) كثيراً من المشاكل الفكريّة التي حدثت في زمنه كمشكلة القول بالجبر، وأنَّ الله تعالى أجبر عباده على أعمالهم مقابل اتجاه التفويض الذي يقول إنَّ الله تعالى فوّض الأمر إلى خلقه، فهو خلقهم وانعزل عنهم، أو فوّض الأمر إلى بعض خلقه، فأرسل الإمام الهادي(ع) رسالةً شارحاً لهم حقائق الأمور، ومبيِّناً لهم بالدليل من العقل والنقل بطلان الجبر والتفويض

فيقول في هذه الرسالة: ...... فأمَّا الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ، فهو قولُ من زعم أنَّ الله جلَّ وعزَّ أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها، ومن قال بهذا القول، فقد ظلم الله في حكمه وكذّبه وردَّ عليه قوله: {ولا يظلمُ ربُّك أحداً}[الكهف:49] وقوله: {ذلك بما قدّمَتْ يداكَ وأنَّ الله ليس بظلاّمٍ للعبيد}[الحج:10] وقوله: {إنَّ الله لا يظلمُ النّاسَ شيئاً ولكنَّ الناسَ أنفُسَهُم يظلمون}[يونس: 44] مع آي كثيرة في ذكر هذا. فمن زعم أنَّه مجبرٌ على المعاصي، فقد أحال بذنبه على الله وقد ظلمه في عقوبته، ومن ظلم اللهَ فقد كذّب كتابَه، ومن كذّب كتابه فقد لزم الكفر بإجماع الأمّة..

وأمَّا التفويض الذي أبطله الصادق(ع) وأخطأ مَنْ دان به وتقلّده ... فمن زعم أنَّ الله تعالى فوّض أمره ونهيه إلى عباده، فقد أثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كلِّ ما عملوا من خيرٍ أو شرٍّ، وأبطل أمر الله ونهيه ووعده ووعيده، لعلّة ما زعم أنَّ الله فوّضها إليه، لأنَّ المفوَّض إليه يعمل بمشيئته، فإن شاء الكفر أو الإيمان كان غير مردود عليه ولا محظور، فمن دان بالتفويض على هذا المعنى، فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه .... لكن نقول: إنَّ الله جلَّ وعزَّ خلق الخلق بقدرته وملّكهم استطاعة تعبّدهم بها، فأمرهم ونهاهم بما أراد، فقبل منهم اتباع أمره ورضي بذلك لهم، ونهاهم عن معصيته، وذمَّ من عصاه، وعاقبه عليها، ولله الخِيَرَةُ في الأمر والنهي، يختار ما يريد ويأمر به وينهى عمّا يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التي ملّكها عبادَه لاتّباع أمره واجتناب معاصيه، لأنَّه ظاهر العدل والنصفة والحكمة البالغة، بالغ الحجّة بالإعذار والإنذار تحف العقول عن آل الرسول، الحرّاني، ص:337 وما يليها

 

وفي زمن الإمام الهادي(ع) كما في كثير من الأزمنة، كان بعض الناس من أهل الأهواء يحاولون أن يفسّروا القرآن بغير معناه الظاهري، وكانوا يتأولونه بغير معناه من دون أساس للتأويل

جاء مَن يدّعي بأنَّ الإمام هو الربُّ، وهو النبيّ، وأنَّ الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي معرفة الإمام

فكتب الإمام الهادي(ع): "كذب ابن حسكة عليه لعنة الله، وبحسبك أنّي لا أعرفه في مواليَّ، ما له؟ لعنه الله، فوالله ما بعث الله محمداً والأنبياء قبله إلا بالحنيفيّة والصلاة والزكاة والحج والصيام والولاية، وما دعا محمد(ص) إلاَّ إلى الله وحده لا شريك له، وكذلك نحن الأوصياء من وُلْده عَبيدُ الله، لا نشرك به شيئاً، وإن أطعناه رحمنا، وإنْ عصيناه عذّبنا، ما لنا على الله من حجّة، بل الحجّة لله علينا وعلى جميع خلقه، أبرأ إلى الله ممن يقول ذلك، وأنقض إلى الله من هذا القول، فاهجروهم لعنهم الله وألجئوهم إلى ضيق الطريق" رجال الكشي، ص:435

 

وفي تفسير العياشي بإسناده عن محمد بن سعيد الأزدي، أن موسى بن محمد بن الرضا(ع) أخبره أن يحيى ابن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل: "أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى: {فإن كُنتَ في شَكٍّ ممَّا أنزَلْنَا إليكَ فاسألِ الذينَ يقرأون الكتابَ مِن قَبْلِكَ} [يونس:94]، مَن المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب فيها النبي(ص)، أليس قد شك في ما أنزل الله؟ وإن كان المخاطب به غيره فعلى غيره إذاً أنزل الكتاب؟

 قال موسى: فسألت أخي عن ذلك، قال: فأما قوله: {فإن كنتَ في شَكٍّ ممَّا أنزلْنا إليْكَ فاسألِ الذينَ يقرأون الكتَابَ من قَبلِكَ} [يونس:94] فإنَّ المخاطب بذلك رسول الله(ص)، ولم يكُ في شك مما أنزل الله، ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث إلينا نبيّاً من الملائكة، إنه لم يفرق بينه وبين نبيّه في الاستغناء في المأكل والمشرب والمشي في الأسواق فأوحى الله إلى نبيّه: {فاسأل الذينَ يقرأون الكتابَ من قَبْلِكَ} [يونس:94] بمحضر الجهلة: هل بعث الله رسولاً قبلك إلاَّ وهو يأكل الطعام ويشرب ويمشي في الأسواق، ولك بهم أسوة، وإنّما قال: فإن كنت في شك ولم يكن ـ أي لم يكن في شك ـ ولكن ليتبعهم كما قال : {فقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبنَاءَنا وأبْنَاءكُمْ ونِساءَنا ونِسَاءَكُمْ وأنفُسَنَا وأنفُسَكُمْ ثُمَّ نبْتَهِلْ فَنَجْعَل لعنَةَ الله على الكاذِبين} [آل عمران:61].

ثم يقول الإمام الهادي(ع): "ولو قال تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم، لم يكونوا يجيئون للمباهلة، وقد عرف أن نبيكم مؤدّ عنه رسالته، وما هو من الكاذبين، وكذلك عرف النبي(ص) أنه صادق في ما يقول، ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه" تفسير العياشي، ج:2، ص:128

 

_ يقول الحسن بن مسعود: "دخلت على أبي الحسن علي بن محمد(ع) وقد نكبت إصبعي وتلقّاني راكبٌ وصدم كتفي، ودخلت في زحمة فخرقوا عليّ بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرّك من يوم فما أشأمك ـ أي ما أكثر شؤمك ـ فقال لي(ع): يا حسن، هذا وأنت تغشانا، ترمي بذنبك مَن لا ذنب له؟! قال الحسن: فأثاب إليّ عقلي وتبيّنتُ خطأي، فقلت: مولاي أستغفر الله، فقال: يا حسن، ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشاءمون بها، إذا جوزيتم بأعمالكم فيها قال الحسن: أنا أستغفر الله أبداً وهي توبتي يابن رسول الله، قال: والله ما ينفعكم، ولكن الله يعاقبكم بذمّها على ما لا ذمّ عليها فيه، أما علمت يا حسن أنَّ الله هو المعاقب والمجازي بالأعمال عاجلاً وآجلاً، قلت: بلى يا مولاي، قال(ع): لا تعد ولا تجعل للأيام صنعاً في حكم الله  بحار الأنوار، ج:65، ص:2

 

فكم نحمِّل الأيام من عاداتنا وتقاليدنا وما ألفناه، حتى أن هناك بعض الأحاديث تقول إنَّ في كوامل الأيام وكوامل الأسبوع وكوامل الشهور وكوامل السنة لا يُحبّذ العمل، وهذا يعني أن لا نعمل طوال السنة إذا كانت الأيام كلها نحساً وشؤماً، في حين أنَّ لدينا حديثاً يقول: "لا تعادوا الأيام فتعاديكم" بحار الأنوار، ج:24، ص:238 

 

 

 من أخلاق الإمام الهادي(ع

وكان دور المتوكِّل هو استدعاء الإمام(ع) إلى مدينة الخلافة، من أجل أن يكون تحت رقابته، لهذا كتب كتاباً حمَّله إلى يحيى بن هرثمة: "فقدم يحيى بن هرثمة المدينة وبدأ ببريحة، وأوصل الكتاب إليه، ثم ركبا جميعاً إلى أبي الحسن، وأوصلا إليه كتاب المتوكّل، فاستأجلهما ثلاثة أيّام، فلما كان بعد ثلاث، عادا إلى داره، فوجدا الدّوابّ مسرجةً والأثقال مشدودةً قد فرغ منها، فخرج متوجِّهاً نحو العراق..."[1

_شعر بريحة ـ من خلال كتاب المتوكّل الّذي كان مليئاً بالاحترام للإمام الهادي(ع)، شعر بأنَّ الإمام موضع احترام عند المتوكّل، وخاف أن يتحدَّث معه ضدّه، وربما يعاقبه المتوكّل على ما فعله ضدّه، فحاول أن يهدّده_  فقال له بريحة: قد علمت وقوفك على أني كنت السَّبب في حملك، وعليَّ حَلفٌ بأيمان مغلَّظة لئن شكوتني إلى أمير المؤمنين، أو أحد من خاصَّته، لأجمّرن نخلك، ولأقتلنَّ مواليك، ولأغورنّ عيون ضيعتك، ولأفعلنّ ولأصنعنّ"

كلّ ذلك من أجل أن يحمي نفسه بهذا التَّهديد من وشاية الإمام به عند المتوكِّل،. فالتفت إليه أبو الحسن فقال له: "إنَّ أقربَ عَرضي إيّاك على الله البارحة، ما كنت لأعرضك عليه، ثم أشكوك إلى غيره من خلقه قال: "فانكبَّ عليه بريحة، وضرع إليه، واستعفاه، فقال له: قد عفوتُ عنك  أعيان الشّيعة، السيّد محسن الأمين، ج 2، ص 38

وهذا هو خُلُق أهل البيت(ع) مع كلّ من أساؤوا إليهم.

فلنلاحظ عظمة الإمام وأخلاقيّته من خلال ردِّ فعله

فالإمام هنا يقول له: لقد عرضت أمرك على الله إذ دعوته عليك أمس، وعندما يسيء إليّ أحد، فأنا أعرض أمره على الله، لأنَّه هو القادر على أن يقتصّ منه، فلا يمكن أن أشكوك إلى أحد من خلقه، فمن كانت علاقته مع الله تعالى في كلّ ما يهمّه وما يعرض عليه، لا يمكن أن يدخل المخلوقين فيما طرحه على الله

 

 

 

الإمام الهادي (ع) كلمـات النـور

قال المسعودي: "حدثني محمد بن الفرج بمدينة جرجان في المحلّة المعروفة ببئر أبو عناب قال: حدثني أبو دعامه قال: أتيت علي بن محمد بن علي بن موسى الهادي عائداً في علّته التي كانت وفاته منها في هذه السنة"، فلما هممت بالانصراف، قال لي: يا أبا دعامة، قد وجب عليّ حقُّك، أحدّثك بحديث تُسَرُّ به، قال: فقلت: ما أحوجني إلى ذلك يابن رسول الله، قال: حدّثني أبي محمد بن علي، قال حدّثني: أبي علي بن موسى، قال حدّثني: أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدّثني أبي محمد بن علي، قال: حدّثني أبي علي بن الحسين، قال: حدّثني أبي علي بن أبي طالب(ع)، قال: قال لي رسول الله: يا علي: أكتب، قال: فقلت ما أكتب؟ فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال، والإسلام ما جرى على اللسان وحلّت به المناكحة. قال أبو دعامة: فقلت يابن رسول الله، والله ما أدري أيهما أحسن، الحديث أم الإسناد، فقال: إنها لصحيفة بخطِّ علي بن أبي طالب(ع) وإملاء رسول الله(ص) نتوارثها صاغراً عن كابر"( بحار الأنوار، ج:5، ص:208

 وقال  عليه السلام : "الهزل فكاهة السفهاء وصناعة الجهال".  

  وقال  عليه السلام : "من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره"

 وقال  عليه السلام : "من اتقى اللّه يُتقى، ومن أطاع اللّه يطاع، ومن أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين 

 وقال  عليه السلام : "إن المحق السفيه يكاد أن يطفى‏ء نور حقه بسفهه 

 

ختام

 علاقتنا بأهل البيت(ع) إنما هي من خلال علاقتهم بالله ورسوله، لأنَّهم عبدوا الله حقَّ عبادته، وأطاعوه حقَّ طاعته، وجاهدوا في سبيل الله، ودعوا إليه سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولذلك، فإنَّ الولاية لأهل البيت(ع) تعني أن نتّبعهم في كلِّ ما قالوه وفعلوه، واتّباعهم هو باتّباع الإسلام الحقّ الذي بيّنوه وعرّفوه لنا

فهم المعصومون ولم يُنْقَل في تاريخ أحدٍ منهم أيُّ خطأ في قول أو فعل أو عمل، لأنَّ الله تعالى أعطاهم ملكات قدسيّة استطاعوا من خلالها أن يكتشفوا الكثير مما يخفى على الناس، واستطاعوا الحصول على الكرامات التي ينقلها المؤرخون في حياتهم، مما لا يحدث إلا لأولياء الله تعالى.

وينقل المؤرخون أنَّ المتوكل عندما حبس الإمام الهادي(ع) ودفعه إلى علي بن كركر، قال(ع): "أنا أكرمُ على الله من ناقة صالح، تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعدٌ غيرُ مكذوب" مناقب آل أبي طالب، ج:4، ص:407 

فلما كان الغد أطلقه المتوكّل، وفي اليوم الثالث وثب على المتوكل ثلاثةٌ من قادة العسكر فقتلوه وأقعدوا ولده المنتصر خليفة...

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/04/20   ||   القرّاء : 5125


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net