هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 ذل المعصية وعز الطاعة

 الشيعة والتقوى

  حال المؤمن في الدنيا

 الجهاد

 مناسباتٌ تُشكِّلُ محطَّاتِ توعيةٍ وبناء

 قصيدة للصاحب بن عبّاد

 الإسلام دين المحبة والمودة

 مع علماء الوهابية

       هيئة علماء بيروت تستغرب الدعوات لعقد القمم!!

 علماء قدوة.

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7021810

  • التاريخ : 19/03/2024 - 14:01

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : مفاهيم .

              • الموضوع : البرزخ آخر مراحل الدنيا .... وفيه تبعات أعمال العباد .

                    • رقم العدد : العدد الثالث والثلاثون .

البرزخ آخر مراحل الدنيا .... وفيه تبعات أعمال العباد

 

 البرزخ آخر مراحل الدنيا .... وفيه تبعات أعمال العباد

إعداد: الشيخ إبراهيم نايف السباعي

يعتبر البرزخ المرحلة الأخيرة من مراحل الدنيا التي يبقى فيها الإنسان فيستفيد من أعماله التي أتى بها في الدنيا عندما كان حياً ويتلقى ثوابها، لأن أعمال الخير عنده، تارة تكون أعمالاً صالحة ولكنها مقطوعة ـ كمن تصدق على فقير، أو أطعم مسكيناًـ، وتارة أخرى تكون أعمالاً يستمر ثوابها ونماؤها ـ كالصدقة الجارية ـ حيث قال النبي صلى الله عليه وآله: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة تجري له، أو ولد صالح يدعو له([1])

 فأعمال الخير والصلاح تنقسم إلى قسمين:

الأول: هي الأعمال الصالحة التي قام بها أو يقوم بها في حياته، وهذه تنقسم إلى قسمين، عمل صالح ينتهي ثوابه بانتهاء العمل، كمن تصدق على فقير بطعام، قال تعالى: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}([2])، وتارة أخرى كمن تصدق ببناء مسجد، فيختلف عمله في الثواب؛ فثواب عمله يبقى في الدنيا ويلحق به بعد موته ما دامت الصدقة موجودة ويستفاد منها وهي ما يعبر عنها بالصدقة الجارية.

الثاني: أعمال الخير والصلاح التي يقوم بها الأحياء من بعد وفاته، ويهبون ثوابها له.

توضيح ذلك:  

يعتبر البرزخ الفرصة الأخيرة التي يمكن أن يستفاد منها، فالميت في مرحلة البرزخ لا عمل لديه يمكن أن يشغله بل هو انتظار في انتظار، ليوم البعث الذي وعدنا به، لكنه إما أن يتنعم في هذه المرحلة وإما أن يتعذب كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النيران([3])، فلا اعمال لنا نستطيع أن نقوم بها لأنفسنا، ولكن أعمال الخير التي كنا نعمل والصالحات من الأعمال كالصدقة الجارية، تدر علينا من ثوابها، وتظللنا بما ترفعه الملائكة علينا من النعم والثواب، كبناء المساجد وبناء الحسينيات وبيوت للفقراء والمساكين أو المستشفيات أو بئر ماء أو زراعة أشجار مثمرة أو غير مثمرة يستفيد من ثمرها، أو يتفيأ الناس ظلالها. فما دام الشيء قائماً فثوابه إليه من الحسنات والنعيم المتجسد له في عالم البرزخ، كسرور ما أدخله على قلب المؤمن من سرور؛ فإن ذلك يتجسد له كشاخص نوراني فيؤنس وحشته ويضيء ظلمة القبر، فلا يعود بيت غربة أو بيت وحشة، بل هو بيت السعادة بسبب الأعمال، ورد عن أبي عبد الله عليه السلام: أرواح المؤمنين في حجرات في الجنّة، يأكلون من طعامها، ويشربون من شرابها، ويتزاورون فيها، يقولون: ربّنا، أقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا([4]).

روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: من أدخل على مؤمن سروراً خلق الله عز وجل من ذلك السرور خلقاً فيلقاه عند موته، فيقول له: أبشر يا ولي الله بكرامة من الله ورضوان، ثم لا يزال معه حتى يدخله قبره [يلقاه]، فيقول له مثل ذلك، فإذا بعث يلقاه فيقول له مثل ذلك، ثم لايزال معه عند كل هول يبشره ويقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك الله؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلته على فلان.

 

العذاب وتجّسم الأعمال

المشكلة الأساس في الدنيا!! لأن الدنيا مزرعة؛ والعبد يحصد في الآخرة ما زرعه في الدنيا، كما ورد في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}([5])، والمراحل التي بين الدنيا والآخرة كثيرة، ونحن بالتالي سنتأثر بتلك الأعمال؛ فللأعمال آثار وتبعات كثيرة تلاحقه بعد العمل، والقبر ـ البرزخ ـ مرحلة من تلك المراحل، فالمعاصي التي نرتكب والآثام التي نكتسب بأيدينا، ستلاحقنا آثارها وتبعاتها، فيكون القبر عندها كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النيران، لأن المعاصي انتهى فعلها وسجلت في كتاب الأعمال، وستحفظ إلى يوم القيامة لساعة الحساب، ولكن يبقي أثرها وتبعاتها ملازمة لنا ولا تنفك عنا، طيلة حياتنا وبعد مماتنا، ومثال ذلك يتمثل بضيق العيش والبلايا والمصائب التي نصاب بها، والهم والغم بل وكل ما يعتلي صدورنا وتلك الآثار والتبعات، وهذه سنة من سنن المولى التكوينية وقاعدته في الدنيا كما تدين تدان.

توضيح ذلك:

هل رأيتم يوماً بذرة صغيرة أو نبتة أصبحت شجرة كبيرة؟ أو شاهدتم يوماً نواة نخلة أصبحت شجرة كبيرة عملاقة؟ هل هذا طبيعي أم هناك شيء آخر؟

في الحقيقة كل هذا شيء طبيعي؛ لأن كل ما في الكون ـ بعد وجود الإنسان فيه، والتكاليف التي كلفه الله تعالى بها ـ له جانبان:

الأول: الجانب المادي المحسوس وهو الجانب الظاهر من الأشياء، وما نراه عياناً، كالحجر والشجر والبشر، والسماء فوقنا والأرض تحتنا...

الثاني: الجانب الملكوتي؛ وهو الجانب غير المحسوس من الاشياء، فلا نراها بأعيننا الباصرة، ولكن لها وجود روحي نفسي ما ورائي، نشعر بها ونراها بعد انفكاك النفس ـ بالموت ـ وخروجها من الجسد المادي، قال تعالى: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}([6])؛ يرى الأمور على ظاهرة مبينة واضحة بل ومتمثلة أمامه على حقيقة أفعاله، وقد تعرّض القرآن الكريم لبعض ذلك منها: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}([7]).

منها: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}([8])

في الواقع آكل الربا لا يرى المال إلا مالاً، وآكل أموال اليتامى يرى أموال اليتامى أنها مال يتنعّم به، ولكن في حقيقة الأمر والواقع ما يأكلون في بطونهم إلا ناراً.

نعم، تتبدل وتتشكل بهذا المظهر الملكوتي بإرادة إلهية تكوينية، وكما تعلقت الإرادة التكوينية بالبذرة فأصبحت شجرة كبيرة، كذلك تعلقت إرادة المولى سبحانه التكوينية بأن تتشكل وتتجّسد أعمال الخير فتصبح راحة للبال ورزقاً كثير ومغفرة واسعة، أو ماء يخمد النيران وما إلى ذلك.

الأعمال السيئة التي قام بها العبد في الدنيا فإن لها تبعاتها في الدنيا، كما ورد في قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا..}([9]) فيلاقي في حياته ضيقاً في العيش وقلة في الرزق وأما في الآخرة {..وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.

إذاً الأشياء التي نراها لها جانب مادي نشعر به كالحجر فهو في ظاهره جسم جامد لا حياة فيه، ولكن جانبه الملكوتي مختلف قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}([10])، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} ([11])

كذلك أعمالنا فنحن لا نرى منها إلا جانبها المادي؛ فالصلاة عبارة عن: نية الصلاة وتكبيرة الإحرام وقراءة وركوع وسجود وتشهد وتسليم، وأما في واقعها الحقيقي التجسيمي التجسيدي فهي عبارة عن: تواصل ولقاء ومحادثة وجلسة أنس بين العبد المؤمن وبين الله تعالى، وآثارها وتبعاتها: راحة للبال وسعادة للروح {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ}([12])، وتهب علينا بهواء بارد يطفئ النيران التي أججتها أعمالنا السيئة، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من صلاة يحضر وقتها إلا نادى ملك بين يدي الناس: أيها الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم([13]).

قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾([14]) الحسنات يكون آثارها وتبعاتها كمثل الهواء البارد الذي يطفئ لهيب النيران، فإذا نحن صلينا في جوف الليل صلاة الليل أو تهجدنا ساعة، تأتي الصلاة بنسيمها البارد لتطفئ ذلك اللهيب. فهذا الجانب الملكوتي للصلاة، وكذلك الصدقة وكل أعمال الخير والصلاح.

والمعصية كذلك تفعل بنا عجائب الأمور وعظائمها، فنحن نستصغر المعصية، كحديث تكلمت به مع فتاة أجنبية على النت أو ظلمت أحداً ما بغيبة أو نميمة أو بهتان أو حتى اعتداء، وهذا الظلم المؤقت عبارة عن قطعة من قطع النيران.

خلاصته: العمل يتجّسم ويتجّسد وهذا خارج عن إرادتنا واختيارنا، وما تحت اختيارنا هو فعل المعصية وارتكاب الرذيلة أو تركهما، ورد في الدعاء "إلهِي ظَلِّلْ عَلَى ذُنُوبِي غَمامَ رَحْمَتِكَ، وَأَرْسِلْ عَلى عُيُوبِي سَحابَ رَأْفَتِكَ"([15]). يعني أطفئ هذه الذنوب وتلك العيوب، لأنها قطع مشتعلة ملتهبة أطفئها بعفوك ومغفرتك يا رب، لذا كانت التوبة والعودة إلى الله، والاستجابة لأمر الله فرصة مهمة لتدارك ما أشعلته نيران الذنوب، واطفائها ببرد عفو الله تعالى: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}([16]).

 

 نسمة تطفئ نيران عذاب البرزخ

الدنيا صندوق أعمالنا التي ستفتح لنا يوم القيامة، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل([17])، وهي كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: الدنيا مزرعة الآخرة([18])، فالدنيا للأعمال والمؤمن يستفيد منها لتساعده في الدنيا بزيادة الرزق وحب الناس له، والتسديد من الله بالتوفيق في الأعمال ودفع البلاء عنه وتختم له بحسن الخاتمة.

وأما بعد الموت وفي البرزخ فالأعمال الصالحة صدقات جارية لا يعلم ثوابها إلا الله تعالى، فجريان ثواب تلك الأعمال كمّاً ونوعاً علمه عند ربي سبحانه وتعالى، حيث لا تنتهي مفاعيلها وتبعاتها إلى يوم البعث.

ففي القبر تؤنس وحشته وتبعد عنه الخوف والحزن، والرعب والظلمة، ورد عن الإمام الصادق، عن ابائه عليهم السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مر عيسى بن مريم بقبر يعذب صاحبه، ثم مر به من قابل فإذا هو ليس يعذب، فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب ثم مررت به العام فإذا هو ليس يعذب؟ فأوحى الله عز وجل إليه: يا روح الله إنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه([19]).

والبرزخ محطة مهمة لتنقية الميت من جميع الذنوب التي بينه وبين المولى سبحانه، وجبران كسر التقصير في الواجبات كالصلاة والصيام والحج وغيرها من التكاليف، وبإمكان الإحياء جبران هذا النقص، فالولد يقضي عن أبيه ما فاته من صلاة وصيام وحج وغيرها من الواجبات، وكذلك يقضي دينه ويزيل ما تسبّب به من ظلم للعباد بتحصيل المسامحة والمغفرة له من العباد، لأن ظلم العباد شيء صعب شديد، وقد عبر عنه سبحانه إنها عقبة كؤود؛ قال تعالى: {وإن ربك لبالمرصاد} فهذه عقبة أقسم سبحانه أن لا يجوزها أحد وعليه حق لآخر.

 

منقيات الذنوب والمعاصي كثيرة

المنقيات والمطهرات من معاصي النفس الأمارة بالسوء عديدة ومتنوعة؛ وسبب ذلك يعود إلى أن باب التوبة مفتوح لكل العباد المذنبين، وهي فرصة للعودة من المعصية إلى الطاعة، ومن الانصياع للشيطان إلى كنف عبادة الرحمن الغفور الرحيم، لم يحدد سبحانه الرحمة التي لديه كم تسع ومن تسع، بل لم تقيد بشيء سوى بما ورد في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ..}([20])، إذاً الرحمة واسعة تشمل جميع الخلائق وتعم الدنيا والآخرة، متى ما كانت التوبة حاضرة عند العبد فلا معصية تكتب له، قال النبي صلى الله عليه وآله: التائب حبيب الله، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له([21])، وكما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: إن الله ـ تعالى ـ أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها([22]).

 

المطهرات كثيرة

منقيات الذنوب ومطهرات المعاصي كثيرة ولا يسع مختصرنا لذكرها، لذا سنذكر بعضها، فنقول:

 الاستغفار ماحٍ للمعاصي، والتوبة منقية للذنوب، والحسنات يذهبن السيئات، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ}([23])، الصلوات اليومية ماحية، وعن رسول الله(ص) أنه قال لعلي عليه السلام: يا علي: إنّما منزلة الصَّلوات الخمس لامّتي كنهر جار على باب أحدكم، فما ظنّ أحدكم لو كان في جسده دَرَنٌ ثمَّ اغتسل في ذلك النَّهر خمس مرّات في اليوم، أكان يبقى في جسده دَرَن؟ فكذلك والله الصَّلوات الخمس لأمّتي([24]).

البلاء في الدنيا يتمثل أحياناً بعدم استجابة دعائه أو بفقره وضيق عيشه، أو قلة الولد...، فالبلاء الذي يصيب المؤمن ماحٍ لمعاصيه.

جاء رجل للإمام الرضا عليه السلام وقَال: أنتُم تقولون لا يدخل النار من كان في قلبه حب علي وأولاد علي، قَال عليه السلام: نَعم، قَال: وإن كان فاسِقاً، قَال عليه السلام: يَبتليه الله بـِ بَلاء في الدنيا و يذهبْ للآخرة طاهراً، قَال: وإن لَم يَحصل ذَلك، قَال عليه السلام: عند تغسيله بالماء البَارد يتحول عليه ناراً فيأتينا طاهراً، قَال: وإن لَم يحصل ذلك، قَال عليه السلام: يضغط الله قَبره حتى يأتينا طاهراً، قَال: وإن لم يحصل ذلك، قَال عليه السلام: نشفع له رغماً عن أنفك([25]).

بالتالي ستلحقه الرحمة ويصفى من الذنوب والمعاصي فيخرج كما ولدته أمه لا معصية عليه، طبعاً هذه العقاب جزء من تبعات أعماله السيئة التي سيعذب بها في القبر، كما قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}([26])، فهي تعرض عليهم كلّ يوم مرتين {غُدُوًّا وَعَشِيًّا} إلى أن تقوم الساعة، وقال لأهل الجنة {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}([27]).

وقال أبو عبد الله عليه السلام: ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة لأن نار القيامة لا تكون غدوا وعشياً، ثم قال: إن كانوا يعذبون في النار غدوا وعشياً؛ ففيما بين ذلك هم من السعداء، ولكن هذا في نار البرزخ، قبل يوم القيامة ألم تسمع قوله عز وجل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ}([28])، وهذا أمر للملائكة بإدخالهم في أشد العذاب وهو عذاب جهنم([29]).

 

كيف نتصور تطهير البرزخ للمعاصي؟

أما الكافر لا تطهير له بل يبقى في العذاب الصغير إلى حين وقت العذاب الأكبر، لأنه بارتكابه للذنب ابتعد عن النعيم البرزخي المشروط بعدم الذنب.

أما المؤمن ففي الدنيا تاب وآمن وعمل صالحاً ومن ثم اهتدى لولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، يعني اكتسب من الأعمال ما يدنيه من الرحمة الإلهية التي من شروطها الإيمان والتصديق ويترتب عليها النعيم المقيم والرزق الوفير.

ورد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى خلق ملكاً يقال له: سخائيل يأخذ البراءات للمصلين عند كل صلاة من رب العالمين جل جلاله، فإذا أصبح المؤمنون، وقاموا وتوضؤوا وصلوا صلاة الفجر، أخذ من الله عز وجل براءة لهم مكتوب فيها، أنا الله الباقي، عبادي وإمائي، في حرزي جعلتكم، وفي حفظي وتحت كنفي صيرتكم وعزتي لا خذلتكم، وأنتم مغفور لكم ذنوبكم إلى الظهر.

فإذا كان وقت الظهر، فقاموا وتوضؤوا وصلوا، أخذ لهم من الله تعالى البراءة الثانية، مكتوب فيها: أنا الله القادر، عبادي وإمائي، بدلت سيئاتكم حسنات، وغفرت لكم السيئات، وأحلكم برضائي عنكم دار الجلال.

فإذا كان وقت العصر، فقاموا وتوضؤوا وصلوا، أخذ لهم من الله تعالى البراءة الثالثة، مكتوب فيها: أنا الله الجليل، جل ذكري وعظم شأني، عبيدي وإمائي، حرمت أبدانكم على النار، وأسكنتكم مساكن الأبرار، ودفعت عنكم برحمتي شر الأشرار.

وإذا كان وقت المغرب، فقاموا وتوضؤوا وصلوا، أخذ لهم من الله عز وجل البراءة الرابعة، مكتوب فيها: أنا الله الجبار الكبير المتعال، عبيدي وإمائي، صعد ملائكتي من عندكم بالرضى، وحق علي أن أرضيكم وأعطيكم يوم القيامة منيتكم.

فإذا كان وقت العشاء، فقاموا وتوضؤوا وصلوا، أخذ لهم من الله عز وجل البراءة الخامسة، مكتوب فيها: إني أنا الله لا إله غيري، ولا رب سواي، عبادي وإمائي، في بيوتكم تطهرتم، وإلى بيوتي مشيتم، وفي ذكري خضتم، وحقي عرفتم، وفرائضي أديتم، أشهدكم يا سخائيل وسائر ملائكتي أني قد رضيت عنهم.

قال: فينادي سخائيل بثلاثة أصوات كل ليلة بعد صلاة العشاء: يا ملائكة الله، إن الله تبارك وتعالى قد غفر للمصلين الموحدين، فلا يبقى ملك في السماوات السبع إلا استغفر للمصلين، ودعا لهم بالمداومة على ذلك.

فمن رزق صلاة الليل من عبد أو أمة قام لله عز وجل مخلصا، فتوضأ وضوء سائغا، وصلى لله عز وجل بنية صادقة، وقلب سليم، وبدن خاشع، وعين دامعة، جعل الله تعالى خلفه تسعة صفوف من الملائكة، في كل صف ما لا يحصي عددهم من الملائكة إلا الله تبارك وتعالى، أحد طرفي كل صف بالمشرق والآخر بالمغرب، فإذا فرغ كتب له بعددهم درجات.

قال منصور: كان ربيع بن بدر إذا حدث بهذا الحديث يقول: أين أنت يا غافل عن هذا الكرم، وأين أنت عن قيام هذا الليل، وعن جزيل هذا الثواب، وعن هذه الكرامة([30]).

روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الصلاة مرضاة الله تعالى، وحب الملائكة، وسنة الأنبياء، ونور المعرفة، وأصل الإيمان، وإجابة الدعاء، وقبول الأعمال، وبركة في الرزق، وراحة في البدن، وسلاح على الأعداء، وكراهة الشيطان، وشفيع بين صاحبها وملك الموت، وسراج في القبر، وفراش تحت جنبيه، وجواب منكر ونكير، ومؤنس في السراء والضراء، وصائر معه في قبره إلى يوم القيامة..([31])

هذه الصلاة التي نصليها بمجرد أن نصلّيها تتحول إلى نور في القبر وهذا أمر تكويني مثل تحوّل البذرة إلى شجرة تماما ومثل تحوّل النطفة إلى إنسان، تتحول هذه الصلاة إلى صورة أخرى تكوينا. وكما أن المعصية التي كعقوق الوالدين، واستماع الأغنية المطربة، وظلم الناس العلاقات غير المشروعة، ومعصية القروض الربوبية، أي معصية تتحول إلى جمرة من النار شئنا أم أبينا وهذا أمر تكويني.

فالصلاة تمنع العذاب في القبر وتجيب الملائكة عن كل سؤال يسألانه المؤمن في القبر.

وعقوبات تارك الصلاة في القبر هي: أنه يضيق القبر على تارك الصلاة ويستمر بالضيق حتى يعصر ضلوع الميت. يوقد الله تعالى النار في قبر تارك الصلاة، يتسلط عليه ثعبان يسمى بالشجاع الأقرع([32]).

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون مدبرين، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول: فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل. وفي الجملة فعلى الإنسان أن يعظم رجاؤه بربه، ويحرص على العمل الصالح، ويجتنب ما يغضب الله فهو الضمان من عذاب القبر، قال تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}([33]) أي في القبر([34]).

 

التبعات وتجسم الأعمال

الدنيا مزرعة الآخرة والأعمال هي بذور نبذرها لنحصد خيرها أو شرها يوم القيامة، حيث العدل الإلهي، فالله تعالى لا يُظلم عنده أحد، بل وكل الخلائق يأتيها حسابها، فمن آمن وعمل صالحاً فإن جزاءه جنات تجري من تحتها الأنهار، وأما من ظلم نفسه أو غيره فإن حسابه عسير وسيلقى جزاء عمله جهنم وبئس المصير.

هل يا ترى للأعمال الصالحة منها والطالحة جزاء آخر يختلف عن يوم القيامة وساعة الحساب؟

الجواب: نحن عندما نتحدث عن جزاء الأعمال الصالحة، وما سيلاقيه المؤمن يوم القيامة عند دخوله الجنة من جنات معروشات وغير معروشات، إنما بعد أن تتم عملية الحساب فإذا ما ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وبذلك يكون قد أفلح ونجح، وأما من أتى يوم القيامة بأعمال طالحة سيئة فسيلاقي جزاء أعماله عقاب وعذاب، كما ورد في قوله تعالى: {وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هي نار حامية}([35]).

لكن قبل يوم الحساب ويوم القيامة، هل من عقاب أو حساب أو عذاب؟

الجواب: يمكننا أن نجيب بنعم، هناك عقاب ليس كالعقاب الأخروي، وهناك عذاب ليس كالعذاب الأخروي، وهناك حساب ليس كحساب يوم القيامة.

 

تبسيط المطلب وبيانه

الأعمال التي تصدر من الإنسان في ساحة الكون، فيها ترددات تارة على شخصه من نفس وروح وجسد وأعضاء، وتارة على من حوله من ناس كزوجة وأولاد وأهل وأحباب وأصدقاء وباقي أفراد المجتمع، وهذه الأعمال أكانت صالحة أم طالحة فتردداتها قهرية حين صدورها باختيار صاحبها، فترددات الأعمال في الدنيا، تأتي في متعلقاتها في شكل الموت وسكراته ونزوله وما سيلاقيه من ملائكة القبر، وكيفية حياة برزخه(الحياة التي سيعيشها في قبره)، فهذه الترددات والآثار نسميها تبعات الأعمال، لأن نفس الأعمال لها جزاء وتبعات، قال الإمام الصادق عليه السلام: البرزخ القبر، وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة([36])، لأن الجزاء الأصلي على الفعل يأتي يوم القيامة بعد الحساب والميزان والصراط وصاحبها إلى الجنة أو النار.

وأما التبعات الأكثر شياعاً تأتي فتتمثل في الدنيا بضنك  العيش، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}([37])، أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره [ضيق] حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في هم وغم وخوف وحزن وقلق وتوتر وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، وهذا من ضنك المعيشة.

نعم، لكل عمل صالح جزاء وتبعات، ولكل عمل سيئ جزاء وتبعات، فالتبعات تعكس صورة عمل صاحب العمل بآثار تظهر جلية في حياته العملية من نعم وبركات، أو بضيقة العيش وسلب الراحة، كما ورد في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}([38]). أي: آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل، وصدقت به واتبعته، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات، {لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} أي: قطر السماء ونبات الأرض، ورفعنا عنهم بأعمالهم الصالحة القحط والجدب، {ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} أي كذبوا رسلهم، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم وأعمالهم الخبيثة، هذا في الدنيا قبل حسابهم يوم القيامة وعذابهم الكبير.

تبعات الأعمال وتردداتها معلولات لأعماله، فالسيئ منها تقيد صاحبها في ضيقة عيشه وتسلب عنه راحة البال، والصالح منها كفيل بمحو ما يعكر حياته من هم وغم وخوف وحزن، فعندما ترتفع العلة وتزول يرتفع المعلول، كما ورد في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}([39])، تكفير الذنوب أي ارتفاعها ويرتفع معها آثارها الوضعية، لأن الإيمان والاستغفار ماحيان وماحقان للذنوب وجالبان للخير كله، قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}([40]) نـزول سَخَط الله بها، بعصيانها ربها واستحقاقها عقابه، فنفعها إيمانها ذلك في ذلك الوقت، فارتفع، كيف لا وأعمال الخير والصلاح جالبة وجاذبة للنعم والرغد في العيش، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}([41]).

وقال حكاية عن نبي الله هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا}([42]) فوعدهم المطر والخصيب.

 

القبر روضة من الجنة أو حفرة من النيران

حديث قاله النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يشرح لنا فيه خطورة الذنب الذي يقدم عليه الغافل الساهي كم له من تأثير على نفس العاصي وآثاره على من حوله، فعند سكرات الموت يتألم وتشتد عليه سكراتها بسبب آثار تلك المعاصي وتبعاتها، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}([43])، أي: بالضرب لهم حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم: ولهذا يقولون لهم: {أخرجوا أنفسكم} وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال، والأغلال والسلاسل، والجحيم والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرق روحه في جسده، وتتملص وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم: {أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}([44]) أي: اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته، والانقياد لرسله.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله في رحلة المؤمن والعاصي بعد الموت في القبر، قال: المؤمن في قبره لفي روضة خضراء، ويرحب له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له قبره كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية: {فإن له معيشة ضنكا}؟ أتدرون ما المعيشة الضنك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده، إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية سبعة رؤوس، ينفخون في جسمه، ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة([45]).

ملاحظة:

كتب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن أبي بكر: يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يغفر له أشد من الموت، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته، إن القبر يقول كل يوم: أنا بيت الغربة، أنا بيت التراب، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود والهوام، والقبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار([46]).

 وهناك أسباب ذكرتها الروايات هي المسببة لعذاب القبر، وجاعلته بيت الغربة وبيت الظلمة وبيت الوحشة وبيت الدود، لو تعرفنا عليها لعرفنا  كيف  ندفع عن أنفسنا عذاب القبر  وهي ثمانية: هجران القرآن الكريم، عدم التنزّه من البول، الغيبة، النميمة، الربا، الرياء، عقوق الوالدين، سوء الخُلُق.

 

 

 



[1] روضة الواعظين.

[2] الأنعام/160

[3] بحار الأنوار، ج 78، ص 148.

[4] - المحاسن، ج1، ص 561.

[5] المدثر/38

[6] ق/22

[7] النساء/10

[8] البقرة/275

[9] طه/124

[10] الاسراء/44

[11] النور/41

[12] محمد/5

[13] في بعض الأحاديث الشريفة " ان ملك الموت عليه السلام يحضر في كل يوم خمس مرات في بيوت الناس في أوقات الصلوات الخمس وينادى على أحد من الآحاد وينادى بهذه أيها الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها. كتاب من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج ١ - الصفحة ٢٠٨

[14] هود/114

[15] الأدعية والزيارات "مناجاة" مناجاة التائبين

[16] التحريم/8

[17] حلية الأولياء1/76

[18] المواعظ والحكم / الشهيد مطهري ص40_44

[19] أمالي الصدوق: 306

[20] النساء/48

[21] الكافي باب الاعتراف بالذنوب

[22] نفس المصدر

[23] هود/114

[24] تفسير العياشي: ج2، ص161، ح74. وعنه بحار الأنوار: ج82، ص220، ب1، ح41. وتفسير البرهان: ج1، ص492. ومجمع البيان: ج5، ص201. والمستدرك: ج3، ص39، ب10، ح2، المسلسل2965

[25] جامع الاخبار ص15، أمال الصدوق ص42، العيون ص276، معاني الاخبار ص371

[26] غافر/46

[27] مريم/62

[28] غافر/46

[29] النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.

[30] معارج اليقين في أصول الدين - الشيخ محمد السبزواري - الصفحة ١٨١

[31] تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين لسمرقندي ... بَابُ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ

[32] في أكثر من مصدر

[33] الروم/44

[34] سنن أبي داوود

[35] القارعة.

[36] تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 553.

[37] طه/124

[38] الاعراف/96

[39] المائدة/65

[40] يونس/98

[41] نوح/10 ـ 12

[42] هود/52

[43] الأنعام/93

[44] الآية السابقة

[45] صحيح ابن حبّان، كتاب الجنائز.

[46] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦ - الصفحة ٢١٨

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/14   ||   القرّاء : 5266


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net