هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 في السيرة الذاتية والمواقف البطولية في شخصية للسيدة الحوراء زينب عليها السلام

 في الذكرى السنوية الثانية عشرة للتحرير

 من تجليات النصرة الإلهية للزهراء المرضية ( عليها السلام)

 الشيعة وتأسيس الكيان اللبناني

 تشريع حج التمتع

  مَتى بدأ التشيّع

  موارد السجن في فقه الاسلام *

 أقرب الطرق إلى معرفة الله

 زيارات المعصومين (ع) علم وعقيدة

 الإسلاموفوبيا وإشكاليات التهميش والاندماج

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7020511

  • التاريخ : 19/03/2024 - 04:49

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .

        • القسم الفرعي : عاشوراء .

              • الموضوع : شرح خطبة السيدة زينب ع  في مجلس يزيد .

شرح خطبة السيدة زينب ع  في مجلس يزيد

شرح خطبة السيدة زينب ع  في مجلس يزيد

« الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على جدي سيد المرسلين »

إفتتحت كلامها بحمد الله رب العالمين ، ثم الصلاة على جدها : سيد المرسلين ، فهي ـ بهذه الجملة ـ عرفت نفسها للحاضرين أنها حفيدة رسول الله سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يعرف الحاضرون أن هذه العائلة المسبية الأسيرة هي من ذراري رسول الله ، لا من بلاد الكفر والشرك. ثم قرأت السيدة هذه الآية :

صدق الله سبحانه ، كذلك يقول : « ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوئى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون » الروم ، الآية ١٠.

وعاقبة كل شيء : آخره ، أي : ثم كان آخر أمر الذين أساؤا إلى نفوسهم ـ بالكفر بالله وتكذيب رسله ، وارتكاب معاصيه ـ السوئى ، أي : الصفة التي تسوء صاحبها إذا أدركته ، وهي عذاب النار.

« أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون » أي : بسبب تراكم الذنوب والمعاصي في ملف أعمالهم حصل منهم التكذيب بآيات الله والحقائق الثابتة ، وظهر منهم الإستهزاء بها وبالمقدسات الدينية.

ثم إن بعض الناس ـ بسبب أفكارهم المحدودة ـ يتصورون ـ خطأ ـ أن الإنتصار في الحرب يعتبر دليلاً على أنهم على حق ، وعلى قربهم من عند الله تعالى ، فتستولي عليهم نشوة الإنتصار والظفر ، ويشملهم الكبرياء والتجبر بسبب التغلب على خصومهم ؛ولكن السيدة زينب الكبرى عليها‌السلام فندت هذه الفكرة الزائفة ، وخاطبت الطاغية يزيد باسمه الصريح ، ولم تخاطبه بكلمة : « أيها الخليفة » أو « يا أمير المؤمنين » وكأنها تصرح بعدم إعترافها بخلافة ذلك الرجس ، فقالت :

« أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض وضيقت علينا آفاق السماء ، فاصبحنا لك في أسار ، نساق إليك سوقاً في قطار ، وأنت علينا ذو اقتدار ، أن بنا من الله هوانا ، وعليك منه كرامة وامتنانا »؟!

تصف السيدة زينب حالها ، وأحوال من معها من العائلة المكرمة ، أنهم كانوا في أشد الضيق ، كالإنسان الذي أخذوا عليه ، أي : منعوه وحاصروه من جميع الجوانب والجهات ، بحيث لا يستطيع الخروج والتخلص من الأزمة.

وبعد هذا التضييق والتشديد ، والمنع والحبس « أصبحنا نساق » مثل الأسارى الذين يأتون بهم من بلاد الكفر عند فتحها.

« سوقاً في قطار » يقال ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ : « قطار الإبل » أي : عدد من الإبل على نسق واحد وفي طابور طويل ، وقد قرأنا أن جميع أفراد العائلة ومعهم الإمام زين العابدين والسيدة زينب عليهما‌ السلام كانوا مربوطين ومكتفين بحبل واحد!

« وأنت علينا ذو اقتدار » أي : نحن في حالة الضعف وأنت في حالة القدرة.

« أن بنا من الله هواناً ، وعليك منه كرامة وامتناناً »؟!

أي : أظننت ـ لما رأيتنا مغلوبين ، ووجدت الغلبة والظفر لنفسك ـ أن ليس لنا جاه ومنزلة عند الله ، لأننا مغلوبون؟!! وظننت أن لك عند الله جاهاً وكرامة لأنك غلبتنا وظفرت بنا ، وقتلت رجالنا ، وسبيت نساءنا؟!!

« و » ظننت : « أن ذلك لعظم خطرك » أي : لعلو منزلتك.

« وجلالة قدرك » عند الله تعالى؟!

وعلى أساس هذا الظن الخاطئ الذي « لا يغني من الحق شيئاً » و « إن بعض الظن إثم » ، إستولت عليك نشوةً الإنتصار.

« فشمخت بانفك » يقال : شمخ بأنفه : أي رفع أنفه عزاً وتكبراً.

« ونظرت في عطفك » العطف ـ بكسر العين ـ : جانب البدن ، والإنسان المعجب بنفسه ينظر إلى جسمه وإلى ملابسه بنوع من الأنانية وحب الذات والغرور.

« تضرب أصدريك فرحاً » الأسدران : عرقان تحت الصدغين ، وضرب أصدريه : أي : حرك رأسه ـ بكيفية خاصة ـ تدل على شدة الفرح والإعجاب بالنفس .. إزاء ما حققه من إنتصار موهوم.

«وتنفض مذرويك مرحاً » يقال جاء فلان ينفض مذرويه. إذا جاء باغياً يهدد الآخرين.

« حين رأيت الدنيا لك مستوسقة » أي : مجتمعة.

« والأمور لديك متسقة » أي : منتظمة ، بمعنى : أنك رأيت الأمور على ما تحب وترضى ، وعلى ما يرام بالنسبة إليك ، فكل شيء يجري كما تريد.

« وحين صفى لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا »

أي : ومن أسباب فرحك ، وقيامك بالحركات الطائشة التي تدل على شدة سرورك ، أنك رأيت من نفسك ملكاً وسلطاناً قد نجح في خطته التي رسمها لإبادة منافسه ، وأسر نسائه.

لكن .. إعلم أيها المغرور : أن هذه القدرة والمكانة التي اغتصبتها ـ وهي الخلافة ـ هي لنا أساساً ، لأن يزيد كان يحكم بإسم خلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومن الواضح أن خلافة رسول الله لها موارد خاصة ، وأن خلفاء رسول الله أفراد معينون ، منصوص عليهم بالخلافة ، وهم : الإمام علي بن أبي طالب ، والأئمة الأحد عشر من ولده عليهم‌ السلام ، ولكن الآن .. صارت تلك القدرة والسلطة بيد يزيد!!

بعد هذه المقدمة والتمهيد قالت : « فمهلاً مهلاً »

يقال ـ للمسرع في مشيه ، أو المتفرد برأيه ـ : مهلاً. أو : على مهلك ، أي : أمهل ، ولا تسرع ، أي : ليس الأمر كما تعتقد أو كما تظن ، أو : ليس هذا الإسراع في العمل صحيحاً منك فلا تعجل حتى نبين لك حقيقةً الأمر.

« لا تطش جهلاً » طاش فلان : أخذه الغرور وفقد إتزانه ، فصار غير ناضج في تصرفاته. أي : يا يزيد! لا تطش .. بسبب جهلك بالحقائق ، وخلطك بين المفاهيم والقيم ، والإغترار بالظواهر.

« أنسيت قول الله ( عزوجل ) : « ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين »؟!! آل عمران ، الآية ١٧٨.

نملي : أي نطيل لهم المدة والمجال ، أو نطيل أعمارهم ونجعل الساحة مفتوحة أمامهم « خير لأنفسهم » ، بل : إنما نطيل أعمارهم ومدة سلطتهم وحكومتهم .. لتكون عاقبة أمرهم هي إزدياد الإثم والمعاصي في ملف أعمالهم ، ولهم عذاب مهين ، أي : يجزيهم ـ في جهنم ، تعذيباً ممزوجاً مع الإهانة والتحقير.

ثم خاطبته وذكرته بأصله السافل  ونسبه المخزي ، فقالت : « أمن العدل يا بن الطلقاء »

وهذه الكلمة إشارة إلى ما حدث يوم فتح مكة فإن رسول الله صلى‌الله ‌عليه‌ وآله ‌وسلم

لما فتح مكة ـ وصارت تحت سلطته ـ كان بإمكانه أن يقتلهم لما صدرت منهم من مواقف عدائية وحروب طاحنة ومتتالية ضد النبي الكريم ـ بالذات ـ وضد المسلمين بصورة عامة ، لكنه رغم كل ذلك .. إلتفت إليهم وقال لهم :

« يا معاشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟ »

قالوا : « خيراً ، أخ كريم ، وابن أخ كريم »

فقال لهم : « إذهبوا فأنتم الطلقاء » (١)

وكان فيهم : معاوية وأبو سفيان.

ويزيد هو ابن معاوية ، وحفيد أبي سفيان ، ويطلق عليه ( ابن الطلقاء ) إذ قد يستعمل ضمير الجمع في مورد التثنية.

أما معنى كلمة « يابن الطلقاء » فالطلقاء ـ جمع طليق ـ : وهو الأسير الذي أطلق عنه إساره ، وخلي سبيله.

إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح مكة ، فصارت البلدة ومن فيها تحت سلطته وقدرته ، وكان بإمكانه أن ينتقم منهم أشد إنتقام ، وخاصة من أبي سفيان الذي كان يؤجج نار الفتن ، ويثير الناس ضد رسول الله ، ويقود الجيوش والعساكر لمحاربة النبي والمسلمين ، كما حدث ذلك يوم بدر وأحد ، وحنين والأحزاب ، وهكذا إبنه معاوية  ولكن الرسول الكريم أطلقهما وخلى سبيلهما في من أطلقهم.

قال الله تعالى : « فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ، حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما مناً بعد وإما فداءً ، حتى تضع الحرب  أوزارها محمد الآية ٤

« فإما منا بعد » أي : إما أن تمنوا عليهم مناً بعد أن تأسروهم ، أي : تحسنوا إليهم فتطلبوا منهم دفع شيء من المال إزاء إطلاقكم سراحهم.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخيراً بين ضرب أعناقهم وبين المن والفداء ، فاختار الرسول الكريم المن وأطلقهم بلا فداء ولا عوض.

والظاهر أن السيدة زينب تقصد من كلمة « يابن الطلقاء » واحداً من معنيين :

المعنى الأول: أن تذكر يزيد بأنه ابن الطليقين الذين أطلقهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أهل مكة ، وكأنهم عبيد ، فتكون الجملة تذكيراً له بسوء

سوابقه المخزية وملف والده وجده!

والمعنى الثاني : أن تذكر يزيد بالإحسان الذي بذله رسول الله لأسلاف يزيد حيث أطلقهم فقالت : « أمن العدل » أي : هل هذا جزاء إحسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله‌ وسلم مع أسلافك .. أن تتعامل مع حفيدات الرسول هذا التعامل السيئ؟!

ولعل السيدة زينب قصدت المعنيين معاً.

ومن الواضح أنها لا تقصد ـ من كلامها هذا ـ السؤال والإستفهام ، بل تقصد توبيخ يزيد على سلوكه القبيح ، ونفسيته المنحطة ، وتنكر عليه تعامله السيئ .

« تخديرك حرائرك وإماءك »

يقال : خدر البنت : الزمها الخدر ، أي : أقامها وراء الستر.

الحرائر ـ جمع حرة ـ : نقيض الأمة. (١)

« وسوقك بنات رسول الله سبايا »

السوق : يقال : ساق الماشية يسوقها سوقاً : حثها على السير من خلف وذلك يعني  الحث على السير من الوراء مع عدم الإحترام.

خاطبته السيدة زينب ع بقولها : أمن العدل أن تجعل جواريك والنساء الحرائر ـ الساكنات في قصرك ـ وراء الخدر ، وتسوق بنات الرسالة ومخدرات الوحي .. سبايا ؟

« قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن »

فبعد أن كن مخدرات مستورات ، لا يرى أحد لهن ظلاً ، وإذا بهن يرين أنفسهن أمام أنظار الرجال الأجانب ، وبعد أن كن محجبات .. وإذا بالأعداء قد سلبوهن ما كن يسترن به وجوههن .. من البراقع والمقانع!

« تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد »

أي : يسوقهن الأعداء من كربلاء إلى الكوفة ، ومنها إلى الشام ، ويمرون بهن على البلاد التي في طريق الشام. وحينما كان يمر موكبهن على البلاد والقرى والأرياف ، كان الناس ـ على اختلاف طبقاتهم ـ يخرجون للتفرج عليهن ، وأحياناً كانوا يصعدون على سطوح دورهم للتفرج عليهن ، ولهذا قالت السيدة :

« ويستشرفهن أهل المناقل ، ويتبرزن لأهل المناهل »

المناقل ـ جمع منقل ـ وهو الطريق إلى الجبل. والمناهل ـ جمع منهل ـ : وهو الماء الذي ينزل عنده والمقصود : المنازل التي في طريق المسافرين ، للتزود بالماء أو الإستراحة.

« ويتصفح وجوههن القريب والبعيد » أي يتأمل وجوههن لينظر إلى ملامحهن!!

« والشريف والوضيع ، والدنيء والرفيع »

والحال أنه « ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي » ، عائلة محترمة ، وليس معهن من رجالهن أحد يشرف على شؤونهن ويحرسهن ويحميهن من الأخطار والأشرار  لأن رجالهن قد قتلوا بأجمعهم ، سوى الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه‌ السلام.

كل هذه الجرائم التي صدرت منك ، وبأمرك كانت « عتواً منك على الله »

العتو : هو التكبر.

« وجحوداً لرسول الله »

الجحود : هو الإنكار مع العلم بأن هذا هو الواقع والحق ، قال تعالى « وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ». النمل ، الآية ١٤.

« ودفعاً لما جاء به من عند الله »

الدفع : الإزالة والإبادة والرد. أي : قمت بهذه الأعمال لأجل القضاء على الإسلام ، وعلى ما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند الله تعالى.

« ولا غرو منك ، ولا عجب من فعلك » لا غرو : لا عجب.

إن السيدة زينب عليها‌ السلام تعتبر تلك الجرائم ـ التي صدرت من يزيد ـ أموراً طبيعية وظواهر غير عجيبة ، فـ « كل إناء بالذي فيه ينضح ».

« وأنى ترتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الشهداء ، ونبت لحمه بدماء السعداء؟ »

أي : كيف ومتى يتوقع الخوف من الله تعالى .. من ابن هند ـ أم معاوية ـ وجدة يزيد ـ التي شقت بطن سيدنا حمزة (رض)، واخرجت كبده واخذت قطعة من كبده ، ووضعتها في فمها وعضتها بأسنانها وحاولت أن تأكلها ، بسبب الحقد المتأجج في صدرها ، ولكن الله تعالى أبى أن تدخل قطعة من كبد سيدنا حمزة في جوف تلك المرأة الساقطة ، فانقلبت تلك القطعة صلبةً كالحجر ، فلم تؤثر أسنانها في الكبد ، فلفظتها ، ورمتها من فمها ، فاكتسبت بذلك لقب ( آكلة الأكباد )!!

« ونصب الحرب لسيد الأنبياء »

أن أبا سفيان هو الذي كان يجهز الجيوش في مكة ، ويخرج لحرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقتال المسلمين  حينما كان النبي الكريم في المدينة المنورة.

« وجمع الأحزاب »

إن أبا سفيان هو الذي جمع العشائر والقبائل الكثيرة .. من المشركين واليهود والنصارى وغيرهم ، وأمر بنفير عام وشامل لمختلف الأعمار والديانات ، وخرج بجيش جرار كالسيل الزاحف ، للقضاء على الرسول العظيم ومن معه من المسلمين ، في واقعة الأحزاب التي عرفت ـ فيما بعد ـ بـ « غزوة الخندق ».

« وشهر الحراب ، وهز السيوف في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »

الحراب ـ جمع حربة ـ : وهي آلة قصيرة من الحديد ، محددة الرأس ، تستعمل في الحرب. « وهز السيوف » كناية عن الخروج للحرب وإصدار الأوامر للهجوم والغارة

« أشد العرب لله جحوداً ، وأنكرهم له رسولاً ، وأظهرهم له عدواناً ، وأعتاهم على الرب كفراً وطغياناً »  والعتو : الإستكبار والتجبر وتجاوز الحد.

من الواضح أن العرب في مكة وغيرها .. كانوا على درجات متفاوتة في نسبة إنكارهم لوجود الله تعالى ، أو إتخاذهم الأصنام آلهة من دونه سبحانه.

ولكن الكافر الذي ضرب الرقم القياسي في إنكار الله تعالى ، وإنكار رسالة النبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو أبو سفيان.

هذه كلها صفات ومواصفات أبي سفيان ، وقد ورثها منه حفيده يزيد ، حيث كان يشترك مع جده في جميع هذه الأوصاف والأحقاد ، وبنفـس النسبة والدرجة .

« ألا : إنها نتيجة خلال الكفر »

النتيجة ـ هنا ـ العاقبة. وخلال ـ جمع خلة ـ وهي الخصلة.

أي : إن يزيد حينما أمر بقتل ريحانة رسول الله الإمام الحسين عليه‌السلام لم يكن لمجرد أنه كان يرى منه منافساً له في السلطة فقضى عليه ، بل إن ذلك كان من منطلق الكفر والإلحاد ، ولذلك .. فهو لم يكتف بقتل الإمام ع ، بل أمر بسبي نسائه وأطفاله

وهذه الأمور : هي نتيجة خبث نفسيته الطائشة وأثر صفاته الكفرية الموروثة .

« وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر »

والضب ـ بكسر الضاد ـ : الغيظ الكامن والحقد الخفي.

جرجر البعير : إذا ردد صوته في حنجرته.  أي : وحقد يتأجج في الصدر، ويطالب يزيد للأخذ بثارات المقتولين في غزوة بدر ، وهم أقطاب المشركين الذين كانوا قد خرجوا من مكة لمحاربة رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وقتال المسلمين.

وهم المشركون الذين تمنى يزيد حضورهم بقوله : « ليت أشياخي ببدر شهدوا » وهم : عتبة بن ربيعة ، وشيبة ، والوليد بن شيبة.

إن جميع ما قام به الطاغية يزيد تعتبر نتيجة طبيعية للكفر المكشوف والحقد الدفين في قلب يزيد ، فلم يكن يوجد في قلبه مقدار ذرة من الإيمان بالله تعالى وبيوم القيامة ، بل إنه إتخذ منصب خلافة الرسول الكريم ، وسيلة لسلطته على الناس ، وانهماكه في الشهوات ، ومحاربته للدين وعظماء الدين.

« فلا يستبطئ في بغضنا ـ أهل البيت ـ من كان نظره إلينا شنفاً وإحناً وضغناً »

وفي نسخة : « وكيف يستطبئ في بغضنا »

أي : كيف لا يسرع إلى بغض أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كانت نظرته وعقيدته فيهم عقيدة الكراهة والحقد.

والشنف والشنآن والإحن والأضغان : معانيها متقاربة ، والمقصود منها : شدة الحقد والبغض.

« يظهر كفره برسوله ، ويفصح ذلك بلسانه » :

إشارة إلى الأبيات التي أنشدها يزيد :

« لعبت هاشم بالملك فلا

 

خبر جاء ولا وحي نزل

فقد أظهر كفره برسالة النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم وتجاهر بذلك ، واعتبر النبوة والرسالة والوحي والقرآن كلها العاب ، وأنكرها جميعاً.

يفصح : أي يظهر ما في قلبه على لسانه.

وهو يقول ـ فرحاً بقتل ولده ، وسبي ذريته ، غير متحوب ولا مستعظم:

لأهلـوا واستهلوا فرحاً

 

ولقالوا : يا يزيد لا تشل »

أي غير متأثم أو غير متحرج

والظاهر : أن السيدة زينب عليها‌السلام تقصد أن يزيد كان يعيش حالة عدم الإكتراث أو المبالاة بما قام به من جرائم ، وبما يصرح به من كلمات كفرية ، وبما يشعر به من الفرح والسرور لقتله ابن رسول الله ، وسبي ذريته الطاهرة.

« منحنياً على ثنايا أبي عبد الله ـ وكان مقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ينكتها بمخصرته »

ثنايا ـ جمع الثنية ـ : وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم ، ثنتان من فوق وثنتان من تحت. مقبل : موضع التقبيل. ينكت : يضرب. مخصرة : العصا ، وقيل : هي العصا التي في أسفلها حديدة محدة ، كحديدة رأس السهم.

فكيف تجرأ الطاغية يزيد على أن يضرب تلك الثنايا المقدسة ، التي كانت موضعاً لتقبيل رسول الله .. مئات المرات .. وفعل يزيد ذلك بمرأى من عائلة الإمام الحسين ع ونسائه وبناته؟!

« قد التمع السرور بوجهه »

قد يكون الفرح شديداً فيتدفق الدم إلى الوجه فيحمر وبذلك تظهر آثار الفرح على ملامحه فيقال: إلتمع السرور بوجهه.هكذا كانت فرحة يزيد حين ضربه تلك الثنايا الشريفة

« لعمري لقد نكأت القرحة »

نكأ القرحة : قشرها بعد ما كادت تبرأ.

لعل المعنى : أن ضرب يزيد تلك الثنايا صار سبباً لهيجان الأحزان من جديد ، وفجر دموع العائلة الكريمة ، فاستولى عليهن البكاء والنحيب

« واستأصَلتَ الشأفة »

يُقال : إستَأصل شأفته : أي أزاله من أصله.

ولعلّ المعنى : يا يزيد : لقد قطعت شجرة النبوة من جذورها بقتلك الإمام الحسين عليه‌السلام فهو آخر من كان باقياً من أصحاب الكساء ، الذين نزلت فيهم  آية التطهير » وعبّر الله تعالى عنهم ـ في القرآن الكريم ـ بكلمة « اهل البيت » وبقتل الإمام الحسين عليه‌السلام إنقطعت شجرة أهل البيت من جذورها ، وكان ذلك بأمر يزيد وتنفيذ إبن زياد.

« بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنّة ، وابن يعسوب الدين ، وشمس آل عبد المطّلب »

يعسوب : النحلة التي يُعبّر عنها بـ « المَلكة » في مملكة النحل ، وقد لقّب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام بلقب « يعسوب الدين » وشبّه شيعته بالنحل الذي يعيش في ظلّ تلك المملكة ويتّبع ذلك اليعسوب

ـ ثمّ عبّرت السيدة زينب عن الإمام الحسين عليه‌السلام بـ « شمس آل عبد المطّلب » ، فإنّ الإمام الحسين كان هو الوجه المشرق الوضّاء والواجهة المُتلألأة لآل عبد المطلب بن هاشم ، وسبب الفخر والإعتزاز لهم ، وهم كانوا المجموعة أو العشيرة الطيّبة لقبيلة قريش ، وقريش كانت أشرف قبائل العرب.

« وهَتَفتَ بأشياخك »

حينما قلتَ : « ليت أشياخي ببدر شهدوا » فتمنّيت حضورهم ليروا إنتصارك الموهوم ، وأخذك لثارهم من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّ أشياخك هم الذين خرجوا ـ من مكة إلى المدينة ـ لقتال رسول الله

« وتقرّبت بدمه إلى الكفرة من أسلافك »

أي : قُمتَ بإراقة دم الإمام الحسين عليه‌السلام تقرّباً إلى أسلافك

« ثمّ صرختَ بندائك » أي : بندائك لأشياخك.

 

قال الخليل في كتاب « العين » اليعسوب : أمير النحل وفحلها ، ويُقال : هي : عظيمة مُطاعة فيها ، إذا أقبلت أقبلت ، وإذا أدبرت أدبرت. وقال الزبيدي ـ في « تاج العروس » ـ : اليعسوب : أمير النحل ، واستُعمل بعد ذلك في الرئيس الكبير والسيد والمُقدّم ، ... وفي حديث علي عليه‌السلام : « أنا يعسوب المؤمنين » أي : يلوذ بي المؤمنون كما تلوذ النحل بيعسوبها ».

« ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك »

معنى كلام السيدة زينب عليها‌السلام : يا يزيد! لقد تمنّيتَ أسلافك لو كانوا حاضرين كي يشهدوك ويشهدوا أخذك لثارهم ، ولكنّ هذه الأمنية لا تتحقّق لك ، فأسلافك موتى معذّبون في نار جهنّم ، ومن المستحيل أن يعودوا الآن ويشهدوا ما قُمتَ به من الجرائم ، وليقولوا لك : سَلِمَت يداك!!

« ووشيكاً تشهدهم ولن يشهدوك »

وشيكاً : أي : سريعاً أو قريباً (١) ويُقال : أمرٌ وشيك : أي : سريع

المعنى : يا يزيد : سوف تموت قريباً عاجلاً ، لأنّ مُلكك يزول سريعاً ، ولا تطول أيام حياتك ، وتنتقل إلى عالم الآخرة ، إلى جهنّم فترى أسلافك هناك في الأغلال والقيود ولكنّهم لا يرونك ، أي : لا تجتمع معهم في مكان واحد ، لأنّك ستكون في درجة أسفل منهم في طبقات نار جهنّم ، لأنّ جرائمك الموبقة تستوجب العذاب الأشدّ

وقد رُوي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « إنّ قاتل الحسين بن علي .. في تابوت من نار ، عليه نصف عذاب أهل الدنيا ، وقد شُدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار ، مُنكّس في النار ، حتى يقع في قعر جهنّم ، وله ريحٌ يتعوّذ أهل النار إلى ربهم من شدّة نتنه ، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم ، مع جميع من شايع في قتله ، كلّما نضجت جلودهم بدّل الله ( عز وجل ) عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الأليم ، لا يُفَتّر عنهم ساعة ، ويُسقَون من حميم جهنّم ، فالويل لهم من عذاب الله تعالى في النار.

« ولتودّ يمينُك ـ كما زعمت ـ شُلّت بك عن مِرفَقها وجُذّت »

شُلّت : الشلل : تعطّل أو تيبّسٌ في حركة العضو أو وظيفته _جُذّت : قُطعت أو كُسٍرَت

المعنى : يا يزيد! إنّك في الدنيا زَعمت أن أسلافك لو كانوا حاضرين .. لقالوا لك : « يا يزيد لا تُشَل » أمّا في يوم القيامة ، حين تُعاقب تلك العقوبة الشديدة ، سوف تتمنّى أنّ يمينك كانت مشلولة أو مقطوعة حتى لا تستطيع أن تَضرب بعصاك ثنايا الإمام الحسين عليه‌السلام.

« وأحبَبتَ أنّ أُمّك لم تحملك ، وإيّاك لم تَلِد حين تصير إلى سخط الله ومُخاصمك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »

ثمّ بدأت السيدة زينب عليها‌السلام بالدعاء على يزيد ومَن شاركه في ظلم آل رسول الله الطيّبين الطاهرين  دَعَت عليهم مِن ذلك القلب المُلتَهِب بالمصائب المُتتالية ، فقالت :

« اللهم! خُذ بحقّنا ، وانتقم من ظالمنا ، واحلُل غضبك على من سفك دماءنا ، ونقضَ ذمارنا ، وقَتلَ حُماتنا ، وهتك عنّا سدولنا »

نقَضَ : لم يُراع الحرمة والعهد_ الذمار: ما ينبغي حفظه والدفاع عنه كالأهل والعِرض

وقيل : ذمار الرجل : كل شيء يلزمه الدفع عنه. _ سدول ـ جمع سدل ـ السِتر.

ثم أرادت السيدة زينب عليها‌السلام أن تُبيّن ليزيد حقيقة واقعيّة : وهي أنّ جميع ما قُمتَ به ضدّ آل رسول الله ، مِن : قتل وسَبي ، وحمل الرؤوس من بلد إلى بلد ، وإهانة

الرأس الشريف ، والإفصاح عن الكلمات الكُفريّة الكامنة في الصدر ، وغيرها .. لا تعود عليك بالفائدة والنَفع ، بل تعود عليك بالخسران والعقوبة ، حتى لو جعَلَتك تفرح لمدّة قصيرة ، لكنّ هذا الفرح سوف لا فقالت عليها‌ السلام :

« وفعلت فِعلتك التي فعلت ، وما فرَيت إلا جلدك ، وما جَزَرت إلا لحمك »

فَريتَ : شققتَ وقَطعتَ _ جزَرتَ : قطعتَ ويُستعمل غالباً في نحر البعير وتقطيع لحمه.

وسترد على رسول الله بما تحمّلتَ من دم ذريّته ، وانتهكتَ من حرمته ، وسفكت من دماء عترته ولُحمَته ».

اللُحمة : القرابة ، يُقال : بينهم لُحمة نسب.

المعنى : سترِد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بعد موتكَ ـ وأنت تحمل على ظهرك من الجرائم ما لا تحملها الجبال الرواسي ، فيُخاصمك على كل واحدة واحدة منها .. أشدّ أنواع الخصومة ، من دون أن يخفى عليه شيء!

« حيثُ يُجمع به شملهم ، ويُلمّ به شعثهم ، وينتقم من ظالمهم ، ويأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم

الشعث : ما تَفرّقَ من الأمور أو الأفراد ، يُقال ـ في الدعاء ـ : « لَمّ الله شعَثه ».

المعنى : سوف يجمع الله تعالى آل رسول الله عند النبي الكريم في جبهة واحدة ـ وذلك في يوم القيامة ـ فيَشكو كلّ واحد من آل الرسول إلى النبي الكريم كلّ ما لقيَ من الناس مِن عداءٍ وظلم ، فينتقم الله من أعدائهم أشدّ الإنتقام.

« فلا يستفزّنّك الفرح بقتلهم »

لا يستفزّنك : أي : لا يُخرجك الفرح عن حالتك الطبيعيّة ، يُقال : إستفزّه : أي استخفّه ، أو ختَله حتى ألقاه في مهلكة.

فلا خير في فرحة قصيرة يتعقّبها حزن دائم ، وعذاب أليم ، وخلود في النار.

ثمّ قالت : « « ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ... » آل عمران ، ١٦٩ ـ ١٧٠.  وحسبُك بالله ولياً وحاكماً »

« وحسبك بالله وليّاً وحاكماً » أي : وليّاً للدم ، وآخذاً للثار ، فالإمام الحسين عليه‌السلام هو : وصيّ رسول الله ، وسيّد أولياء الله تعالى ، فمن الطبيعي : أن يكون الله ( عز وجل ) هو الطالب بثاره ، والوليّ لدمه ، بنفسه ، فلا يحتاج إلى شهادة شهود ، وهو الذي يَعرف عظمة المقتول ظلماً ، وهو الذي يعلم أهداف القاتل مِن وراء قتله للإمام ، وهو يزيد.

« وبرسول الله خَصماً ، وبجبرائيل ظهيراً »

لقد روي عن الصحابي : إبن عباس أنّه قال : « لمّا اشتدّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضه الذي مات فيه ، حضَرتُه وقد ضمّ الحسين إلى صدره ، يسيل من عرَقه عليه ، وهو يجود بنفسه ويقول : « ما لي وليزيد! لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد ».ثمّ غُشيَ عليه طويلاً وأفاق ، وجعل يُقبّل الحسين وعيناه تذرُفان ويقول : أما إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله ».

« وسيعلم من بوّأك ومكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلاً ، وأيّكم شرّ مكاناً وأضلّ سبيلاً »

مكّنَكَ : مهّد لتسلّطك على كرسيّ الحكم على الناس والتلاعب بدماء المسلمين.

وهذا تصريح من السيدة زينب عليها‌السلام ـ بعدم شرعيّة تسلّطه على رقاب الناس ، بل وعدم شرعيّة سلطة من مهّد ليزيد هذه السلطة وهو أبوه معاوية بن أبي سفيان

« وما استصغاري قَدرك ، ولا استعظامي تَقريعك »

التَقريع : الضرب مع العُنف والإيلام.

وفي نسخة « ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك ، إنّي لأستصغر قدرك ، وأستعظِم تقريعك

الدواهي ـ جمع داهية ـ : دَواهي الدهر : ما يُصيب الإنسان من نُوَبه.

ومن الصعب عليّ أن أُخاطب رجلاً نازل القدر والمكانة ، لكنّ الضرورة والظروف المؤسفة وتقلّبات الدهر ، جعلتني أكون طرفاً لك في الخطاب ، لكي أُبيّن لك فظاعة تقريعك لرأس أخي الإمام الحسين عليه‌السلام.

« تَوَهّماً لإنتجاع الخطاب فيك »

الإنتجاع : إحتمال التأثير.

المعنى : ليس هدفي من مُخطابتك إحتمال تأثير خطابي فيك ، بل هو ردّ فعل طبيعي لما شاهدته وأُشاهده من المصائب ، وعسى أن يؤثّر كلامي في بعض الجالسين ممّن خفيَت عنهم الحقائق ، بسبب تأثير الدعايات

« بعد أن تركتَ عيون المسلمين به عبرى »

أي : مُغرَورقة ومليئة بالدموع بسبب استشهاد الإمام الحسين عليه‌السلام بلا ذنب

« وصدورهم عند ذكره حرّى »

أي : ملتهبة من الحزن والأسى عند تذكّر ما جَرت عليه من المصائب المقرحة للقلوب.

ثمّ ذكرت سبب عدم إحتمال تأثير خطابها في نفسيّة يزيد ، فقالت عليها‌السلام :

 فتلك قلوب قاسية ، ونفوس طاغية ، وأجسام محشوّة بسخط الله ولعنة الرسول ، قد عشّش فيها الشيطان وفَرّخ »

إنّ القلب إذا صار قاسياً ، والنفس إذا أخذها الطغيان ، فسوف لا تكون الأرضيّة مساعدة فيهما لتقبّل المواعظ والنصائح.

يضاف إلى ذلك .. أنّ الشيطان الرجيم إذا وجد التفاعل والتجاوب من شخص ، فسوف يتربّع في فكره وذهنه ، ويتّخذه لنفسه عشاً ووكراً ، ومسكناً ومحلاً للإقامة فيه ، ويكون بمنزلة جهاز التحكّم في الأشياء ، يتحكّم في ميوله واتّجاهاته فإذا أراد الشيطان مغادرة فكر هذا المنحرف فإنّ هناك فراخه وجنوده يقومون مقامه ويؤدّون دوره في مهمّة الإغراء والتشجيع على الجريمة

« ومن هناك مِثلك ما دَرَج »

أي : وبسبب ذلك ، ونتيجة لتلك الأسباب.

درج : يُقال : درج الصبيّ : أي : أخذ في الحركة ومشى مشياً قليلاً .. أوّل ما يمشي. وقيل : درج : أي نشأ وتقوّى.

« فالعجب كلّ العجب لقتل الأتقياء ، وأسباط الأنبياء ، وسليل الأوصياء ، بأيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العَهَرة الفجرة »

الأتقياء ـ هنا ـ : الإمام الحسين عليه‌السلام والمستشهدين معه.

أسباط ـ جمع سبط ـ : الحفيد._  السليل : الوَلَد.

العهرة ـ جمع عاهر وعاهرة ـ : الرجل الزاني ، والمرأة الزانية.

الفجرة ـ جمع فاجر وفاجرة ـ : الرجل أو المرأة التي تُمارس جريمة الزنا والفجور.

حقّاً من أعجب الأعاجيب أن يُقتل أشرف وأطيب خلق الله تعالى على أيدي ذريّة العاهرين والعاهرات!! ولكن .. هذه هي طبيعة الحياة الدنيا ، أنّها تكون قاعة امتحان للأخيار والأشرار ، وللذين يضربون أرقاماً قياسيّة في الطيب أو الخبث.

ومن هنا .. بقيت « فاجعة كربلاء » خالدة إلى يوم القيامة ، عند كلّ مجتمع يمتاز بالوعي والإدراك ، وفهم المفاهيم والقيم الإنسانية ، وكلّما إزداد البشر نُضجاً وفَهماً أقبل على دراسة وتحليل هذه الفاجعة بصورة أوسع ، والتفكير حولها بشكل أشمل ، والكتابة عنها بتفصيل أكثر.

إنّ قتل الأتقياء وأحفاد الأنبياء وإبن الأوصياء ، كان على أيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العهرة الفجرة.

وحينما نُراجع التاريخ الصحيح نجد أنّ الذين ارتكبوا فاجعة كربلاء الدامية كانوا من أولاد الحرام!! بِدءاً من يزيد ، إلى ابن زياد ، إلى الشمر ، إلى العشرة الذين سحقوا جسد الإمام الحسين عليه‌السلام بعد شهادته ، بحوافر خيولهم!!

ولإلتحاق كلّ واحد منهم بأبيه قصّة مذكورة في كتب « علم الأنساب ».

وكلام الإمام الحسين عليه‌السلام مشهور وصريح بأنّ عبيد الله وأباه زياد كانا إبنَي زنا ، حيث قال الإمام : « ... الا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين : بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ... ».

« تَنطِف أكُفّهم من دمائنا »

تنطِفُ : تقطرُ أو تسيل. إستعارة بلاغيّة ، وتعني السيدة زينب عليها‌السلام تلك الأيدي والأكفّ التي كانت تضرب بسيوفها ورماحها على أجسام آل رسول الله : الإمام الحسين ورجال أهل بيته وأصحابه ، فتتقاطر أكفّهم وسيوفهم من دماء أولئك الطيّبين.

« وتتحلّب أفواههم من لحومنا »

تتحلّب : يُقال : حَلَبَ فلانٌ الشاة أو الناقة : أي : إستخرج ما في ضَرعها من اللبن ، واستحلب اللبن : إستدرّه. وتحلّب فوه أو الشيء : إذا سال.

لعل المراد : أنّه كما أنّ ولد الناقة تتحلّب وتمتصّ بفمها الحليب من محالب أمّها ، كذلك كان الأعداء يمتصّون بأفواههم من لحوم ودماء آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصّاً قوياً بدافع الحقد والبغضاء!!

وهذه ـ أيضاً ـ إستعارة بلاغيّة وكناية عن شدّة حقدهم وعدائهم.

« تلك الجُثث الزاكية ، على الجَبوب الضاحية »

الجَبوب : وجه الأرض الصلبة (٢) وقيل : الجَبوب : التُراب.

الضاحية : يُقال ضحا ضَحواً : برز للشمس ، أو أصابه حرّ الشمس.

إخبار من السيدة زينب عليها‌السلام عن مصيبة بقاء الأجساد الطاهرة على وجه الأرض عدّة أيام .. من غير دفن ، تصهرها الشمس بأشعّتها.. رغم كونهم سادات أولياء الله تعالى

« تَنتابها العواسل »

تنتابها : تأتي إليها مرّة بعد مرّة._  العواسل ـ جمع عاسِل ـ : وهو الذئب.

وهنا إحتمالان في المقصود من هذا الكلام.

الإحتمال الأول : إنّ المقصود من « العواسل » : هم الذين حضروا يوم عاشوراء لقتل الإمام الحسين عليه‌السلام والصفوة الطيبة من ذريته وأهل بيته واصحابه.

عبّرت عنهم بالذئاب ، لأنّهم كانوا يحملون صفة الذئاب وهي الإفتراس

وقد استعمل الإمام الحسين عليه‌السلام هذا التعبير حيث قال: « ... خُيّرَ لي مصرع أنا لاقيه ، وكأنّي بأوصالي تُقطّعها عُسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلاء ... ».

وبناءً على هذا .. يكون المقصود من كلمة « تَنتابها » الغارات المتتالية التي كان الأعداء يَشِنّونها على أصحاب الإمام الحسين وخيامه .. يوم عاشوراء.

الإحتمال الثاني : هو أنّ الشأن والعادة تقتضي أن لو بقيت جُثث أناس على الأرض ـ من غير دفن  وكانت المنطقة تتواجد فيها الذئاب ، فإنّها تأتي إلى تلك الجثث وتأكل من لحومها. إلا أنّ المعنى لم يحصل ـ بكلّ تأكيد ـ بالنسبة إلى الجسد الطاهر للإمام الحسين عليه‌السلام وأجساد أصحابه وأهل بيته الطاهرين ، الذين قُتلوا معه ، وبقيت أجسادهم على الأرض لمدّة ثلاثة أيام ، من غير دفن أو مواراة في الأرض ، من دون أن يتعرّض لها ذئب أو أيّ حيوان مفترس آخر.

« وتُعفّرها أمّهات الفراعل »

الفراعل ـ جمع فُرعُل ـ : ولد الضبع.

إستعارة بلاغيّة ، ولعلّها تشير إلى أولئك الأفراد العشرة الذين ركبوا خيولهم وسحقوا جسد الإمام الحسين عليه‌السلام بعد قتله .. بحوافر الخيل.

« فلئن اتّخذتنا مغنَماً ، لتجدُ بنا وشيكاً مُغرماً حين لا تجد إلا ما قدّمت يداك ، وما الله بظلام للعبيد »

مَغنَماً : الغنيمة ، وجمعها : مغانم وقيل : المَغنَم : هو كل ما حصل عليه الإنسان من أموال الحرب.

مُغرَماً : المُغرَم : المُثقل بالدَين أو أسير الدَين وقيل : المغرَم : مصدر وُضِعَ موضع الإسم ، ويُراد به مُغرَم الذنوب والمعاصي.

المعنى : يا يزيد! إنّك أمرت بأسرنا ، وتعاملَت جلاوزتك معنا ـ في طريق الشام ـ تعامل السبايا والغنائم الحربيّة ، ولكن .. إعلم أنّك ـ في القريب العاجل ـ سوف تجد نفسك مُثقلاً بالذنوب ومحاصراً بالمعاصي التي يلزم عليك دفع ضريبتها ، والدفاع عن نفسك في محكمة العدل الإلهية ، حيث لا تجد معك إلا ما قدّمت يداك : من جرائم وجنايات ، والتي مِن أبرزها : سبيِ نساء آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

« فإلى الله المشتكى والمُعَوّل ، وإليه الملجأ والمؤمّل »

المُعَوّل : إسم مفعول بمعنى « المُستعان » ، يقال :  عَوّلتُ عليه : أي استَعَنتُ به ، وصَيّرت أمري إليه وقيل : العَولُ : المُستعان به ، والعِوَل : الإتّكال والإستعانة ، يُقال : عَوَل الرجل عليه : أي : إعتمد وإتّكل عليه ، واستعانَ به.

تقول « فإلى الله المُشتكى » وعليه الإعتماد والإتّكال والإستعانة به .. لا إلى غيره ، فقد كان تعالى : هو الشاهد على ما جرى ، وسيكون هو المنتقم من الأعداء ، المقتدر على إبادتهم وعقوبتهم. « وإليه المَلجأ والمؤمّل » فهو ـ سبحانه ـ الملجأ لنا ولبقيّة أفراد العائلة المكرّمة ، وخاصّة بعد فقدنا لسيّدنا الإمام الحسين عليه‌السلام وتواجدنا في عاصمة بني أميّة ، في قيد الأسر والسبي!

وهو « المؤمّل » : الذي نأمل منه أن يُعيننا على ما أصابنا ، ويُعطينا الصبر الجميل على تحمّل ذلك ، ويمنحنا الأجر الجزيل إزاء ما لاقيناه من المكاره والنوائب.

ثم قالت : « ثمّ كِد كيدك ، واجهد جهدك »

الكيد : إرادة مَضَرّة الغير خُفية ، والحيلة السيّئة ، والخُدعة ، والمكر

جَهَد جهداً : جدّ ، يُقال : طلب حتى وصل إلى الغاية ، والجهد ، الوُسع والطاقة.

هذا كلام يَطغى عليه طابع التهديد الشديد ، مِن سيّدة أسيرة ، ولكنّها واثقة من نفسها

فالسيدة زينب عليها‌ السلام تريد أن تقول ليزيد : إصنع ما بدا لك ، من تخطيط وتفكير  وقَتل وإبادة ، وسَبي وأسر ، وابذل ما في وسعك من جهود ، فسوف لا تصل إلى الهدف الذي حَلِمتَ به ، وهو إستئصال شجرة النبوة من جذورها .. بكافّة أغصانها وفروعها وأوراقها ، وعدم إبقاء صغير أو كبير من آل رسول الله .. رجلاً كان أو إمرأة!

« ـ فو الله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب ، والنبوّة والإنتخاب ـ »

القسم للتأكيد الأكثر ، وهو ـ في الواقع ـ إنعكاس آخر لعلوّ مستوى درجة الثقة بالنفس والإتّكال على الله تعالى ، واليقين بما يقوله الإنسان ويحلف من أجله

إنّنا نتلمّس ـ من كلمات القسم هذه ـ المعنويّات العالية التي كانت تمتاز بها السيدة زينب عليها‌السلام حين إلقائها لخطبتها ، فهي تفتخر وتعتزّ بمزاياها الفريدة فتقول :

 « فو الله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب » ، فالقرآن الكريم نزل على جدّ السيدة زينب وهو رسول الله سيّدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي دارها.

وكذلك اختار الله هذه الأسرة وانتخبها لتكون فيهم النبوّة. وكأنّها تُعرّض بكلامها ليزيد : أن أنت بماذا تَعتز وتفتخر؟!وهل توجد فيك فضيلة واحدة حتى تفتخر بها؟!

ولعلّ السيدة زينب كانت تقصد ـ أيضاً ـ إسماع الجماهير المتواجدة في ذلك المجلس هذه الحقائق ، ومِن باب المَثل الذي يقول : « إيّاك أعني واسمَعي يا جارَه ».

وبعد كلمات القسم تذكر السيدة زينب عليها‌السلام الأمور التي أقسَمَت من أجلها :

« لا تُدرِك أمَدَنا ، ولا تَبلُغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا »

أمدنا : الأمد : الغاية والنهاية.

أي : مهما بذلت من الجهود ، وحاولتَ ، فسوف تفشل في ذلك ، فقد حاول ذلك مَن كان قبلك ـ وهو معاوية ـ فلم يستطع ذلك ، رغم أنّه كان أقوى منك.

« ولا يُرحَضُ عنك عارُها »

يرحض : يُغسل.

تصرّح السيدة زينب عليها‌السلام بحقيقة واقعيّة : وهي أنّ العار والخزي وسبّة التاريخ ، سوف تكون ملازمة ليزيد إلى الأبد ، ولا يتمكّن من غَسلها ، لا هو .. ولا مَن سيأتي من بعده من الشواذ الذين يُشاركونه في الإتجاه واللؤم.

إنّ التاريخ يقول : حينما بدأت الأمور تنقلب على يزيد ، بدأ يزيد يُلقي باللوم على ابن زياد ، وصار يلعنه ويقول : إنّه قتل الحسين من تِلقاء نفسه.

ولكنّ جميع هذه المحاولات باءَت بالفشل والفضيحة الأكثر ليزيد!

وهل رأيك الا فند وأيّامك إلا عدد  وجمعك إلا بدَد »

فند : الفند : الخطأ في القول والرأي. وقيل : الفند : هو الكَذِب.

لعلّ المعنى : أنّ رأيك ـ في تخطيطك ومحاولتك للتخلّص من مضاعفات جريمتك ـ خطأ وضعيف.

« وأيّامك إلا عدد »

وعدد : للتقليل : أي : معدود ، هو نقيض الكَثرة.

لعلّ المعنى: يا يزيد إنّ أيامك الباقية من عمرك قليلة فسوف لا تبقى في هذه الحياة إلا أياماً معدودة فأنتَ قريب إلى الموت والهلاك ، وبعد ذلك سوف تلاقي جزاء أعمالك .

فقد جاء في التاريخ : أنّ يزيد عاش بعد فاجعة كربلاء سنتين وشهرين وأربعة أيام

فلم يَتَهنّا بطول الحياة وطول مدّة السلطة ، كما كان يتمنّى ذلك.

« وجمعك إلا بدَد »

بدَد : يُقال بَدّهُ بَدّاً : أي فَرّقَه ، وبَدّدَ الشيء : فَرّقَه والتَبَدّد : التفرُّق.

المعنى : سوف يتفرّق جمعك وجلاوزتك ، وحاشيتك فسوف يغيبون عن عينك ، لمرض أو موت ، أو تتغيّر نظرتهم بالنسبة إليك ، أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل كلّ يوم من الأيام يحمل لك حزناً وهمّاً جديداً ، فلا تتهنّا بمن حولك.

« يوم ينادي المنادي : ألا لعن الله الظالم العادي »

المعنى : يوم تموت ، وتسمع صوتاً مرعباً لمناد ينادي ـ من عند الله تعالى ـ : « ألا لعن الله الظالم العادي » فأوّل شيء تراه بعد موتك هو : سماعك لهذا الصوت.

وكلمة « لعن الله الظالم » أي : أبعده عن رحتمه وعفوه ومغفرته.

ثمّ .. بدأت السيدة زينب عليها‌السلام تُمهّد لختام خطبتها الخالدة ، فقالت :

« والحمد لله الذي حَكَم لأوليائه بالسعادة ، وختم لأصفيائه بالشهادة ، ببلوغ الإرادة »

حَكَم لأوليائه : قضى لهم ، وقدّر لهم ذلك.

أصفيائه : الصفيّ مِن كلّ شيء صَفوُهُ ، وجمعُه : أصفياء.

بقلب مفعم بالإيمان بالله تعالى ، والرضا بما يختاره الله لعباده ، بدأت السيدة زينب عليها‌السلام تختم خطبتها بحمد الله سبحانه الذي قضى لأوليائه بالسعادة ، وتقصد من الأولياء ـ هنا ـ : الإمام الحسين عليه‌السلام ـ الذي هو سيد أولياء الله تعالى ـ وأصحابه الذي قُتلوا معه يوم عاشوراء ، ونالوا ـ بذلك ـ شرف الشهادة.

إنّ الإنسان الذي يلتزم بالدين ، ويصنع من نفسه وليّاً لله ـ وذلك بأدائه لِلَوازم العبودية لله سبحانه ـ سوف يحظى بنتائج إلهيّة فريدة ، وهي عبارة عن المِنَح المميزة ، والألطاف الخاصّة التي يُفيضها الله عليه ، والتي لا تشمل غيره من الناس ، ومن أبرز تلك الألطاف الخاصة : السعادة الأبدية ، ولعلّ إلى هذا المعنى الرفيع أشار الله تعالى بقوله  « والله يختصّ برحمته من يشاء

إنّ أولياء الله تعالى كانوا يفكّرون ـ باستمرار ـ في جَلب رضى الله سبحانه.

أجَل .. كان هذا هو الهدف الذي يُشغلون به بالهم ، ويتحرّكون في هذا المدار ويدورون حول هذا المحور.

ومن الطبيعي أنّهم كانوا ـ ولا زالوا ـ على درجات ، فهناك مَن يكون وليّاً لله تعالى منذ السنوات الأولى من حياته ، وهناك من يصير ولياً لله تعالى في مرحلة متقدّمة من العمر.

وعلى هذا الأساس يقضي الله ( عز وجل ) لهم بالفوز والتفوّق والسعادة الأبديّة .

وأحياناً يُقدّر الله تعالى لهم بعض المكاره والصعوبات ، وذلك لأسرار وحِكَم يعلمها الله سبحانه ، فترى الأولياء يُظهرون من أنفسهم كلّ إستعداد وتحمّل وتقبّل لتلك المكاره ويستقبلونها بصدر واسع وصبر جميل.

وختم الله تعالى لأصفيائه بالشهادة ، فقد كانت حياتهم كلها خير وبركة منذ البداية إلى النهاية ، فمِن المؤسف ـ حقّاً أن يموت الوليّ ميتةً طبيعية على الفراش ، بل المتوقّع له أن يوفّقه الله تعالى للشهادة والقتل في سبيله ، لكي تكون لموته أصداءٌ تعود للدين بالفائدة ، كما كانت حياته كذلك.

فقتلهم يوقظ الغافلين غير المُلتزمين بالدين ، ويجعلهم يُفكّرون ويتساءلون عن سبب قتله رغم كونه إنساناً طيباً ، ويبحثون عن هويّة القاتل ، وهدفه من قتل هذا الرجل!

فتكون هذا الأصداء سبباً لعودة الكثيرين إلى الإلتزام الشديد بالدين ومبادئه.

أليس كذلك؟!

ولعلّ أولئك الأولياء هم الذين أرادوا أن يكون ختام حياتهم بالشهادة ، وسألوا من الله ( عزّ وجل ) ذلك ، فاستجاب الله ـ سبحانه ـ لهم دعاءهم ، وقدّر لهم الشهادة في سبيل الله تعالى ولعلّ هذا هو معنى كلام السيدة زينب عليها‌ السلام : « بِبلوغ الإرادة ».

« نقلهم إلى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة »

المعنى : نَقَلهم إلى عالم يُرَفرف على رؤوسهم رحمة الله الواسعة المخصّصة للشهداء في سبيل الله تعالى ، والرأفة : أي : العاطفة المزيجة باللطف والحنان

« والرضوان والمغفرة » إنّ القرآن الكريم يُصرّح بأن أعلى وأغلى وألذّ نعمة يتنعّم بها بعض أهل الجنّة ـ وفي طليعتهم شهداء فاجعة كربلاء ـ هو شعورهم وإحساسهم بأنّ الله تعالى راض عنهم ، قال تعالى : « وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيّبة في جنّات عدن ، ورضوان من الله أكبر ، ذلك هو الفوز العظيم ». التوبة ، آية ٧٢.

هذا سوى ما يُعيّن لهم من أنواع النِعَم والكرامة والإحترام اللائق

هذا إذا كان الشهيد إنساناً عادياً غير معصوم من الذنوب ، أمّا إذا كان معصوماً فلا توجد في صحيفة أعماله ذنوب أو معاصي ، فيكون معنى « المغفرة » بالنسبة إليه علوّ درجته في الجنّة واختصاصه بمنح فريدة كالشفاعة للآخرين ، وغير ذلك من المميّزات.

وأمّا سيد الشهداء الإمام الحسين عليه‌السلام فقد خاطبه الله تعالى بقوله : « يا أيتها النفس المطمئنّة : إرجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّة ، فادخلي في عبادي وادخُلي جنّتي » ، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أنّ المقصود والمُخاطب بهذه الآية : هي نفس الإمام الحسين عليه ‌السلام.

« ولم يَشقَ بهم غيرك »

إنّ الذي صار شقيّاً وتعيساً ومطروداً من رحمة الله .. هو أنت يا « يزيد » ، .. بسبب قتلك إيّاهم وقضائك على حياتهم ، وطعنِك في قلب الإسلام النابض وهو الإمام الحسين عليه‌السلام.

« ولا ابتُليَ بهم سواك »

إنّ الذي امتُحنَ بالقدرة والسلطة ومشاهدة كرسيّ الملك الذي مهّده له معاوية ، فاراد القضاء على كلّ من لا يركع له ، وبذلك سقط في الإمتحان سقوطاً ذريعاً هو أنت أيّها الخامل الحاقد!

« ونَسأله أن يُكمِل لهم الأجر ، ويُجزل لهم الثواب والذخر »

أكمَلَ الشيء : أتمّه ، وفي القرآن الكريم : « اليوم أكملتُ لكم دينكم » المائدة ٣

ويقال ـ أيضاً ـ : الكَمَلُ : الكامل ، يُقال : أعطاه حقّه كملاً : وافياً.

يُجزِل : الجَزلُ:العطاء الكثير ، ويُقال : أجزَل العطاء. والجَزلُ : الكثير من كلّ شيء

الثواب : الجزاء والعطاء وقيل : هو الجزاء الذي يُعطى مع الإحترام والإجلال والتقدير .. وليس مجرّد إعطاء الجزاء

الذُخر : يُقال : ذَخَر لنفسه حديثاً حسناً.

المعنى : ونسأل الله تعالى أن يُكمِلَ لهم الجزاء المخصّص للشهداء ، جزاءً تامّاً يَليقُ بتقدير الله سبحانه للشهداء المخلصين فيُعطيهم العطاء الكثير الوافر ، مع الإحترام والتقدير ، إذ قد يَدفع الإنسان الأجرة إلى العامل .. مِن دون أن تكون كيفيّة الإعطاء مقرونة بالإحترام ، أمّا الثواب : فهو إعطاء الأجر .. مع الإستقبال الحارّ ،                 والإحترام   واللُطف.

ويَكتُب لهم الثناء الجميل والذكر الحسن ، على ألسنة الناس وفي صفحات التاريخ.

وقد استجاب الله تعالى دُعاء السيدة زينب العظيمة عليها‌السلام ، فقد رُوي عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « ما مِن عبدٍ شرِب الماء فذكر الحسين عليه‌السلام ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة ، وحطّ عنه مائة ألف سيّئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكأنّما أعتق مائة ألف نَسَمة ، وحشره الله تعالى يوم القيامة ثَلجَ الفؤاد ».

وروي عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام أنّهما قالا : « إنّ الله تعالى عوّض الحسين عليه‌السلام عن قتله أن : جعل الإمامة في ذريّته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تُعدّ أيام زائريه .. ـ جائياً وراجعاً ـ مِن عمره ».

« ونسأله حسنَ الخلافة ، وجميل الإنابة ، إنّه رحيم ودود »

الخلافة : يُقال خَلَف فلان فلاناً .. خلفاً وخِلافةً : جاء بعده فصار مكانه.

وفي الدعاء : أخلَفَ الله لك وعليك خيرا » أيضاً : « واخلُف على عَقِبِه في الغابرين

الإنابة : الرجوع الى الله ، قال سبحانه : « إرجعي إلى ربّك ».

المعنى : ونسأل الله تعالى أن يُخلّف لنا عمّن فقدناه أفراداً صالحين ، يسدّون بعض الفراغ الذي تركه مقتل أولئك الصفوة الطيّبة من رجال آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يجعل في البقيّة الباقية منهم خيراً.

أو : أن يجعل مستقبلنا مستقبلاً حسناً مريحاً ، بعد ما شاهدناه وعانيناه من المصائب الفجيعة التي لن تُنسى!!

إنتهت السيدة زينب البطلة الشجاعة ، مِن إلقاء خطبتها الخالدة.

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/20   ||   القرّاء : 2670


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net