هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 قراءة في ظاهرة الطلاق‏

  مَتى بدأ التشيّع

  حاجتنا إلى النظام الإسلامي

 البعثة النبويّة.. في كلمات أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) من نهج البلاغة

  أذية المؤمن

 كلام في الكبائر و الصغائر و تكفير السيئات‏

 الاستفادة من الثقافة المهدويّة

 كاتب يهودي يكشف

 غيض من فيض عظمة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله

 أخلاقية العلاقة مع النفس‏

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7021034

  • التاريخ : 19/03/2024 - 08:58

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : مقالات .

              • الموضوع : جذور الفساد في لبنان: إطلالة تاريخية لبنان مصرف أُلحِقَ به مشروع دولة! .

                    • رقم العدد : العدد الخامس والثلاثون .

جذور الفساد في لبنان: إطلالة تاريخية لبنان مصرف أُلحِقَ به مشروع دولة!

جذور الفساد في لبنان: إطلالة تاريخية لبنان مصرف أُلحِقَ به مشروع دولة!

الشيخ علي سليم سليم

لعله من المفيد الإطلالة على الفترة الزمنية التي سبقت نشأة الكيان الحديث..

لم يكن هناك أبداً أي تعريف دقيق للأراضي التي تشكل لبنان تاريخياً، في الإنجيل والنصوص القديمة الأخرى، يستعمل التعبير للإشارة إلى القمم الأعلى في السلسلة السورية الفلسطينية، أو جميع أجزاء السلسلة التي تشكل موطن مزدرعات الأرز حتى الجليل جنوباً، أو كل منطقة غرب سوريا الجبلية شاملة وادي البقاع وسلسلة لبنان الشرقية، وهي علامة الحدود بين الجمهوريتين اللبنانية والسورية اليوم.

وقد أُهملت التسمية بعد الفتح الإسلامي، ولم تعد تصادف لا في تواريخ العرب الوسيطة ولا في الوثائق العثمانية ، حتى ما قبل القرن التاسع عشر.. فلبنان ككيان سياسي ليس أقدم من 1842م، عندما ألزم الاتفاق الأوروبي العثمانيين بتأسيس منطقة إدارية (القائممقاميتين التوأمين، أي لبنان بالنسبة للأوروبيين) لحماية مصالح السكان المسيحيين الموارنة في الشرق، وهذا النظام هو الذي كون أساس مقاطعة جبل لبنان المنفصلة سنة 1461م، ثم كوّن دولة الانتداب الفرنسي "لبنان الكبير" سنة 1920م.([1])

إذا كان الزعماء السياسيون يتوصلون إلى تجنب نتائج إدارتهم الكارثية للشأن العام، والبقاء في مناصبهم برغم فشلهم في تحقيق البناء الوطني، فذلك لأنهم يطرحون أنفسهم كمدافعين عن طوائفهم، يتيح لهم افتعال الصراعات على قاعدة طائفية ومذهبية، أن يفرضوا أنفسهم على جماعاتهم.. هذا الاقطاع السياسي ليس وليد اليوم، بل هو منذ عهد المتصرفية وإلى اليوم!

لقد استند الزعماء الجدد بدءاً من حقبة الانتداب، لتوطيد سلطتهم المتمثلة بالبنى العائلية والعشائرية.. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الصراعات المحلية صراعات نفوذ وصراعات ذات طابع طائفي ضمن التبعية، وقد حمى التدخل الخارجي عام 1958 وعام 1975 النخبة السياسية التقليدية أي نخبة الزعماء من تحولات من هذا النوع وأمّن استمرارها في الحكم.([2])

لقد كان الإقطاع الطائفي يؤلف، دائماً، حزباً واحداً حكم لبنان منذ استقلاله (1943): فـكرامي وفرنجية وشمعون وسلام والأسعد وأرسلان وجنبلاط والجميل والصلح.. هم تاريخياً حزب واحد ما زال يحكم لبنان حتى هذه اللحظة، أنهم حزب الميثاق الوطني.([3])

مكافحة الفساد!:

انضم لبنان إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2009 أسوة بـ 186 دولة، وتخول هذه الاتفاقية، بموجب المادة 31/ فقرة 7، المحاكم والسلطات المختصة لكل دولة أن تأمر بكشف السجلات المالية والمصرفية وحجزها، ولا يجوز للدولة أن ترفض الامتثال لهذا الطلب، بحجة السرية المصرفية تمهيداً لاسترجاع الموجودات من الخارج، وفقاً لآلية تعاون ملزمة للدول الأطراف، وتبدأ رحلة استرجاع الأموال المسلوبة المودعة لدى مصارف خارج لبنان عبر تتبع حركة رؤوس الأموال المتاح قانوناً.. وهذا لم يلتزم به!

ومع ما تقدم، لنرَ في أي بلد نعيش، إن لبنان احتل المرتبة رقم 138 من خلال تقرير أعدته الأمانة العامة للأسرة الأوروبية كانت قد كشفت عنه منذ عام 2005، عن لبنان أنه دولة متقدمة جداً على صعيد معدلات الفساد، وتقاطع هذا التقرير مع دراسات عالمية وداخلية أعدتها منظمات وجهات غير حكومية خلصت إلى نتائج شبه متطابقة..([4])

تعريف الفساد:

عرّف البنك الدولي الفساد بأنه "الاستغلال السيئ للوظيفة العامة الرسمية من أجل تحقيق المصلحة الخاصة" وكذلك أشارت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003، أنه يتصل بالرشوة بجميع وجوهها في القطاعين العام والخاص، والاختلاس، والمتاجرة بالنقود، وإساءة استعمال الوظيفة، وتبييض الأموال، والإثراء غير المشروع.

استخدمت كل هذه التعابير لتوصيف الفساد في لبنان، ما أبقى التعريف مقتصراً على ممارسات فردية لبعض السياسيين وموظفي الإدارات العامة، وفي القطاع الخاص ورجال الأعمال، وبالتالي رسخت صورة الفساد، إهمالاً أو عمداً على أنه ناتج من ممارسات لصوص ومختلسين ومنتفعين لا ربط عضوياً يجمعهم ولا مسار واضح لسلوكهم.

ويرى وزير سابق أن الفساد منظومة سلطوية متماسكة، اللصوص موجودون في أي مكان في العالم، ولكن في لبنان الفساد هو مؤسسة كاملة فرضت نفسها على الجميع.. الفساد هو وصف مشين تطلقه النخب المثقفة المدجنة بهدف إشاحة النظر عن مساوئ الانتظام الفعلي للمجتمع الذي لا ترغب النخب في الإنسلاخ عنه ولا في تغييره، لكن هذه المناورات لا تعود كافية في ساعات الحرج، مصدر هذا الوضع ليس حديث النشأة، كما يقول الخبير الاقتصادي كمال حمدان لكنه بدأ أكثر سطوعاً في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية إذ ارتبط بالنهج الهجين الذي تحكم بعملية تطبيق الطائف وتقاسم السلطة، وتجسد تحت عناوين ومحطات وفرت الأرضية المناسبة لنشر وتكريس ومأسسة ثقافة الفساد. هذا الفساد يكاد يقطع في شكل ريوع مختلفة أكثر من سدس الناتج المحلي الإجمالي القائم للبلد، بحسب تقديرات احصائية ذات صدقية علمية.

ومن أمثلة هذه المنظومة "سوليدير" التي تعد من أسوأ نماذج الفساد لأنها تستخدم شعار المصلحة العامة من أجل نقل ملكيات خاصة متعددة إلى ملكية خاصة واحدة.

هذه المنظومة التي تستهدف إفقار الناس بشكل ممنهج، انتجت الكثير غير سوليدير، وستنتج المزيد أيضاً، فعلى سبيل المثال: أصدرت حكومة نجيب ميقاتي ـ التي سميت زوراً، حكومة حزب الله ـ في ظل رئاسة ميشال سليمان 470 قراراً استثنائياً غير شرعي، ثم وافقت حكومة تمام سلام من دون أي سؤال عن مضمونها، حكومة سعد الحريري في ظل رئاسة ميشال سليمان أصدرت قراراً بردم 640 ألف متر من البحر في صيدا، وسرقت 10 ملايين ليرة من تعويضات خدمة كل أجير في لبنان، بحجة أن هذا الجزء من الأجر ليس أجراً بل بدل نقل مزعوم!([5])

الدولة المتخلفة وتفسير سوء أدائها:

الاستزلام السياسي هو الظاهرة المركزية في الاقتصاد والمجتمع والسياسة اللبنانيين، وفي ضوء هذا المفهوم كنظام برلماني ـ استزلامي حيث المنتخبون هم رؤساء "شبكات محاسيب" يصل هؤلاء إلى البرلمان مستندين إلى أصوات ناخبين حصلوا عليها مقابل تنفيعات، فتنشأ شبكات محاسيب!

هذا النمط التسلطي ـ باتريمونيالية([6]) ـ يستخدم السلطة للمنافع الشخصية من خلال دولة تمتلك شرعية تعتمد القوانين الوضعية وتستند إلى مرجعيات قانونية وعقلانية، ويدعي القائمون عليها أنهم يلتزمون بناء الدولة ويعتمدون خطاباً حول المصلحة العامة.. وهذا المسبب الأساس لإعاقة النمو الاقتصادي للبلد ومصدر سوء أداء سياسي وإداري للدولة"

عاشت الإدارة اللبنانية من الأساس التناقض بين القوانين الوضعية الرسمية وبين الواقع اليومي على التدخلات السياسية في عملها.. وهو ما سبب فشل الإدارة العامة والفشل التنموي في لبنان.

وفي مجال استعراض التاريخ النقدي للدولة اللبنانية يشير وسام اللحام إلى مدى فداحة الواقع الاقتصادي الذي تم تأسيسه في لبنان بعد عام 1992، إذ تم القضاء عملياً على سيادة الدولة النقدية عبر دولرة الاقتصاد الوطني بشكل شبه كامل، كما صرح حاكم مصرف لبنان ما يعني أنه في حال فقد الدولار لا يوجد اقتصاد في لبنان.

يشكل هذا التصريح إدانة كاملة لكل النهج الاقتصادي والمالي الذي تم اتباعه خلال ثلاثين سنة من ضرب كل المقومات الانتاجية وتحويل لبنان إلى اقتصاد ريعي قائم على توازن المصالح بين الطبقة الحاكمة والمصارف.. فالنظام السياسي القائم اليوم هو المسؤول مباشرة عن ضرب سيادة لبنان، ليس فقط بسبب ارتهان زعماء الطوائف إلى الخارج بل أيضاً لأن هؤلاء تخلوا عن سيادة الدولة النقدية، عبر سنين طويلة من الضرب الممنهج لمناعة الاقتصاد الوطني من خلال تهجير الشباب وتحويل لبنان إلى سوق استهلاكي كبير.([7])

تجذر الفساد في لبنان:

الصيغة اللبنانية في الأصل ولاّدة أزمات، وفي الأساس بني الكيان اللبناني ليقوم بأدوار ما أو ليكون ساحة تجاذبات إقليمية ودولية! وهذا يعيدنا إلى البحث في تاريخية التطورات اللبنانية، انطلاقاً من بنية الكيان اللبناني، والدور المنوط به منذ نشأته على يد من كان يحركه على الدوام في مراحل مختلفة ويوظفه في مشروعاته ومخططاته وفق حاجة كل مرحلة من المراحل ومحطة من المحطات، التطورات في المنطقة والصراعات التي كانت تندلع فيها والتي كانت تهز بنية الكيان اللبناني الهش، بتركيبته البنيوية في محطات مختلفة، نذكر منها هزة أحداث 1958 على خلفية الصراع الناصري، مع ما يمثله من محور عالمي قاده الاتحاد السوفياتي في ظل الحرب الباردة يومذاك مع حلف بغداد بخلفيته الأمريكية ـ البريطانية.. حتى أن ما يحصل اليوم لا يمتّ إلى الإصلاح بصلة، إنما هو لحظة صراع بين انتماء الحل اللبناني إلى المحور المنتصر، وبين ابقائه متخبطاً في الحالة التي عاشها منذ عقود، وربما منذ تأسيسه على قواعد الالحاق والتبعية للغرب وخضوعه التام لها والاستمرار في تلك الحالة رغم كل المآسي التي انتجتها، حروباً وانهيارات وخضات مختلفة الأوجه والصفات، دفع فيها اللبنانيون حياتهم واستقرارهم..([8])

عهد الاستقلال:

هناك مجموعة من رجال الأعمال من عائلات عديدة معروفة محيطة بالسلطة منذ عهد بشارة الخوري، سيطرت بفعل تشابك المصالح، على قمم الاقتصاد وخصوصاً قطاعاته المالية والتجارية، وأنجزت في تلك المرحلة عملية تحويل الاقتصاد اللبناني إلى "اقتصاد حر" . هذه العملية التي عنت باختصار شديد، تحويل لبنان من بلد منتج زراعياً وشبه صناعي، إلى اقتصاد خدمي وسياحي و"وسائطي" مع هيمنة شبه مطلقة لقطاع رأس المال المالي والمصرفي الذي صار عصباً لهذا الاقتصاد الجديد ومحوراً له.

مع عهد بشارة الخوري، بدأت العلاقة المميزة بين رئيس الجمهورية والمصارف فلكل رئيس جمهورية مصرفه ومصرفيوه، هكذا عُرف "بنك فرعون ـ شيحا" على أنه بنك بشارة الخوري، وهو الذي موّل الحملة الانتخابية الفضائحية للانتخابات النيابية للحزب الدستوري سنة 1947 في شهر أيار والذي عرف بـ "أيار الأسود" بسبب شراء الأصوات الواسع النطاق والتدخل الفظ والمفضوح للسلطات فيه، أما عهد الرئيس كميل شمعون، فكان العهد الذهبي للرأس المال المصرفي اللبناني، حيث هيمن بنك "لبنان والمهجر" و"سوسيتي جنرال" على معظم الاقتصاد اللبناني.

أما مصرف الرئيس فؤاد شهاب فكان بنك "أنترا" لقد أدار هذا المصرف 60 بالمئة من الاقتصاد اللبناني، تسيره الأجهزة الأمنية (المكتب الثاني) وتمول بواسطته الانتخابات والاصدقاء السياسيين والإعلاميين. وفي عهد شارل حلو، كان مصرف العهد هو البنك الأهلي". أما سليمان فرنجية، فكان عضواً مؤسساً في "بنك الشرق الأدنى"، وإلياس سركيس القادم من المصرف المركزي، وكان رجل المصارف الأول، وكان قد سبق تعيينه رئيساً لمجلس إدارة بنك "ويدج" ووراء أمين الجميل كان بنك "ليتكس" وصولاً إلى عهد إميل لحود وفضيحة بنك "المدينة" المدوية، فضلاً عن دور وحاكمية المصرف المركزي التي تعززت في عهده في سيطرتها على المفاصل المالية والاقتصادية للبلاد ككل..

النموذج المافيوي:

هل نحن أمام نموذج مافيوي كلاسيكي؟

النظام المافيوي في تعريفه النظري: تقوم السلطة المافيوية على حالة من التنافس الفوضوي لتحصيل الجاه، وتمثل أداة ممتازة للارتقاء الاجتماعي في مجتمع رأسمالي، حيث المغامرة والتسيب الأخلاقي هي الشروط التي لا مناص منها لتحقيق هذا النجاح.

وهذه السلطة تمثل نوعاً تقسيماً ضمنياً غير معلن لحماية مصالح الطبقة الحاكمة وتأمينها عبر التحاصص لقطاعات النفوذ والأعمال واقتسام الملفات من الكهرباء إلى النفايات إلى احتكار توريد المحروقات للمولدات والبواخر التركية وصفقاتها التي بلغت ملايين الدولارات... وعلى هذا المنوال تسير بقية الملفات.. فعبر مجلس الانماء والإعمار والمجلس النيابي، وغيره من المؤسسات، يتم توزيع الصفقات والريوع ومناطق النفوذ، عبر ضبط التنافس الداخلي، وفقاً للمنطق المافيوي لكل حسب حجمه!([9])

النموذج الاقتصادي في لبنان صمم بالأساس لمضاعفة ثروات أصحاب المصارف ـ العمود الفقري للطبقة الحاكمة ـ وكبار المودعين على حساب العموم ولا داعي للتركيز بأن أكثر من 65 في المائة من مداخيل المصارف تتأتى من المال العام أي من مال الناس.

هذه المصارف التي اعتاشت منذ ما بعد الطائف على حساب دافعي الضرائب كما على حساب الاقتصاد المنتج، كانت المصارف حالة طفيلية تمص دم الاقتصاد من خلال استيلائها على أكثر من ثلث الموازنة العامة، وعدم مساهمتها في تحريك عجلة الانتاج، ثم أتت القيود التي اقرها كبار كهنة المعبد في جمعية المصارف لتحطيم ما تبقى من ثقة بالقطاع كله.

وبفضل وسائل التجهيل الاعلامي الشريكة للمصارف وأصحابها والتي يتلقى بعض مالكها أوامر من رياض سلامة شخصياً، لا يربط كثير من "الجمهور" بين دور المصارف وسوء الأحوال الاقتصادية العامة في البلاد، إذ تلهيه "وسائل التضليل" بخرافات مكافحة الفساد "والطبقة السياسية".([10])

المدرسة المؤسسة للفساد:

الحريرية السياسية هي المدرسة المؤسسة للفساد في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، وقبله كان للفساد أربابه الذين وضعوا مداميكه الأساسية التي انتجت مشاكل لبنان بما في ذلك التبعية للخارج على أساس الدور الوظيفي المرسوم له والإرتهان للخارج بالكامل بما يحقق مصالحه على حساب المصلحة الوطنية.

ونظرة بسيطة حتى نرى حجم التبعية للخارج التي جعلت من البلاد رهينة حتى لرغيف الخبر فصاعداً وإطلاق يد المؤسسات المالية الخارجية بالتحكم باقتصادنا الذي أصبح هشاً بشكل غير مسبوق، واملاءاتها من وجوب الخصخصة الشاملة للأصول التابعة للدولة من المطار إلى الميناء إلى الاتصالات إلى الخطوط الجوية وحتى اليانصيب الوطني و.. لكي تتم الاستباحة الكاملة أكثر مما هي عليه الآن ولتستمر المالية العامة في التدهور.

وغني عن التعريف أن الحريري خلال جميع عهوده كان يعمل على إعفاء المصارف من المساهمة في خفض عجز الدين العام من خلال تخفيض الفائدة، أتت الورقة الاقتصادية التي قدمتها life ـ منظمة عضوية عالمية تتعلق بالتمويل في جميع أنحاء العالم، لتؤكد مرة أخرى التطابق بين سياسات الحريري وما يقترحه المديرون الماليون في المنظمة لجهة تحييد المصارف عن المشاركة في حل مشكلة الدين العام، في تبادل أدوار لافتة بين الطرفين.

وفي السياق ذاته، لم ير رئيس الحكومة وفريقه السياسي حرجاً في فتح أبواب لبنان على مصراعيها أمام تدخلات المؤسسة المالية الدولية التي أضحت بمثابة الآمر والناهي في تقرير السياسيات المالية الاقتصادية.. وقد قام حاكم مصرف لبنان بالواجب، وقد تفوق على مستشاري life بربط لبنان وإغراقه في التبعية العميقة للمؤسسات المالية الأميركية، وما عبارة الحاكم رياض سلامة عن "الاقتصاد اللبناني المدولر" إلا اعتراف بذلك.

لا شك في أن سلامة ينطلق في تعامله مع الحالة اللبنانية من قاعدة أن من يسيطر على الدولار يسيطر على العالم، طالما أن الدولار هو العملة الرائدة في العالم، لكن لمن لا يعرف أن القائمين على المصارف المركزية مسؤولون عن كل أزمة كبيرة حدثت خلال المائة عام الماضية أنهم يجلبون سبل عيش الناس إلى الانهيار، ثم يجري توريطهم مرة أخرى بقروض جديدة (عبودية جديدة بسعر الفائدة) أي تقويض سبل عيش الناس، إنهم يحولونهم إلى عبيد يعملون لمصلحة كبار المصرفيين.

ثم إن نظام المصارف المركزية الخاص بإنتاج السلع والخدمات لا يتعلق بذلك بل بزيادة ثرواتهم وقوتهم من خلال الخصخصة، وإمتلاك الشركات بعد العمل على إفلاسها.

لقد اقترضوا المليارات من الشركات ووضعوها في جيوبهم ثم تركوا الشركات تنهار!

الانحراف هو أن الأشخاص الذين دمروا العالم يطالبون ويحصلون على تريليونات من الحكومات لإعادة بناء الاقتصاد، في الواقع يأخذون ضمانات الدول ويشترون لأنفسهم البنية التحتية للبلدان التي يحكمون فيها، إنهم يوصلون دائماً العالم إلى الانهيار بسبب نقص الأموال، بمجرد أن يصل كل شيء إلى أدنى نقطة ـ والتي يعرفونها جيداً ـ فإنهم يسمحون للحكومات مرة أخرى بضخ جزء من الأموال في الاقتصاد لتبدأ بالبناء ثم يتركونها تنهار لاحقاً، في هذه العملية أضحت المصارف أكثر ثراء وقوة، واصبحت الشعوب أكثر فقراً وعجزاً.

 في المحصلة، يمكن القول إن البشرية تخضع للتخويف من قبل الحكومة العالمية الجديدة، وهي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي عمد إلى شراء جميع الأموال والذهب في العالم، والذي يسيطر على مدخرات الشعوب.. ولبنان لن يكون بمنأى عن هذه المعادلة.([11])

وهذا بالطبع لا يعني تبرئة من هم في سدة السلطة فالفيل الكبير في الغرفة " كما يقال، وقد تناساه بعض المشاركين في حراك لبنان والعراق، هو دور السياسات الامبريالية الأميركية في الوطن العربي، وهذا الدور في لبنان مثلاً أكبر بكثير من دور البنوك اللبنانية نفسها التي ينبغي عدم التفكير فيها كأنها جزر معزولة عن الرأسمال العالمي، وهذا يعني بالطبع نفي دور السياسة المالية، والدور المهم الذي لعبته المصارف والمصرف المركزي وحاكمه رياض سلامة تحديداً، في الخراب الذي وصل إليه لبنان، ولكنه أي سلامة فعل ذلك بوصفه وكيلاً أميناً يطبق السياسات الأميركية وبمبالغة غير مفهومة أحياناً، وربما غير مطلوبة بحرفيتها أميركياً!([12])

مرحلة ما بعد الطائف:

النموذج الاقتصادي اللبناني ما بعد اتفاق الطائف ـ 1989 ـ القائم على الاستدانة ومراكمة الديون لمعالجة العجز المالي الذي سببه هذا النظام بالذات الذي سيؤدي إلى الانهيار الاقتصادي التام والإفلاس جراء استراتيجية التسوّل المتّبعة عبر عقد المؤتمرات بهدف الدعم المالي من باريس1 إلى باريس2 إلى سيدر، وكأن هذه الدول المانحة هي جمعية خيرية، ومعلوم أنه في عالم مصالح الدول ليس هناك شيء يدفع مجاناً، بل مقابل أثمان سياسية يعمل على فرضها.. لعلم تلك الدول بعجز الدول المستدينة عن الايفاء.. ويتبقى فرض المزيد من الرسوم والضرائب على اللبنانيين لإفقارهم، في حين يستفيد المجتمع الدولي من كل هذا الوضع القائم..([13])

إن لبنان بعد زمن رفيق الحريري زاد من انحيازه للطبقة البرجوازية وخفف من العبء على كاهل الطبقات الثرية التي اصبحت ضرائبياً وسياسياً أكثر حظوة من أي فترة في تاريخ لبنان.([14])

لقد أقفلت مؤسسات تجارية وصناعية وطرد مئات الموظفين وخفضت رواتب آلاف آخرين، وانخفضت قيمة رواتب اللبنانيين وتمنعت المصارف عن اعطاء المودعين حقوقهم وودائعهم، وفقدت مواد غذائية ومستلزمات طبية..([15])

والأنكى من ذلك لا تزال المصارف تمعن في نهب أموال المودعين وإذلالهم من خلال حجز ودائعهم والتواطؤ مع الصرافين في المضاربة بأموالهم عبر لعبة سعر الصرف وبتغطية من مصرف لبنان وحاكمه من خلال استدانة المصارف 5 مليارات دولار، ولكن دون من استعمالها في تيسير أمور الناس، بل للمضاربة بها!!

السلطة والمال والشعب المنكوب!:

كيف صنعت المصارف النموذج الاقتصادي الريعي في البلد وقضت على كل شكل من أشكال الاقتصاد المنتج من صناعة وزراعة وغيرها، وشجعت الناس على إيداع أموالهم في المصارف وبفوائد عالية، وتراكمت الودائع وبلغت حداً هائلاً.

وكذلك شجعت على الاستقراض، ولكن بنسبة أعلى قليلاً من فائدة الإيداع، فتربح المصارف ويزيد أرباحها من خلال الودائع.

عند انتهاء الحرب الأهلية، أحتاجت الدولة أموالاً لإعادة الإعمار، ذهبت إلى خيار الاستدانة من الدول التي سموها دولاً مانحة!! أخذت هذه الدول من المصارف ومن أصحاب الثروات فصار عندنا دين عام، ثم أصدرت المصارف سندات خزينة بفائدة عالية بلغت في سنة 1995 36 بالمئة، بينما كانت الفائدة على الودائع حوالي 20 بالمئة، وصارت المصارف تقرض الدولة، ونتيجة لارتفاع فوائد القروض أحجمت شرائح واسعة عن القروض، إلا أصحاب الثروات الكبيرة من تجار السياسة وغيرهم من المنتفعين فقروضهم ميسرة! الذين يشترون سندات خزينة بالودائع ـ أي أموال الناس ـ ويأخذون عليها فوائد تساوي الضعف تقريباً، وتزداد ثروات الكبار...

ولأجل خدمة الدين العام تحصل الدولة أموالاً من خلال الضرائب التي تطال الشريحة الفقيرة بالأساس وتصيبها بالصميم، وبما أن خدمة الدين العام هذا أكثر من كل النفقات فلا يعود من مجال للنهوض بالاقتصاد!

ونتيجة هذه السياسة المالية، ضربت القطاعات المنتجة، واتجهت الناس نحو إيداع الأموال بدل استثمارها في مجالات منتجة، وزاد الدين العام وخاصة خدمة الدين، لأن الفائدة على سندات الخزينة في التسعينات كانت خيالية، والمصارف وضعت معظم استثماراتها بالدين العام، على اعتبار أنه ربح مضمون وسريع وحققت أرباحاً خيالية.

وظلت السياسة ذاتها في الاستدانة من الخارج واستمر نموذج النهب إلى ان وصل البلد إلى الإفلاس بسبب نهب السلطة المنظم من خلال البقرة الحلوب ـ خدمة الدين العام ـ والودائع الكبيرة تهرب إلى الخارج والمودعون الصغار يمنعون من أخذ أموالهم!

ويشير الباحث في "الشركة الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين إلى حالات الفساد وهدر الأموال العامة في عدد من القطاعات، مقدراً حجم الأموال المنهوبة بـ 150 مليار دولار!

ومع ذلك يتحفنا الرئيس سعد الحريري بالقول: لا يعترفون بأن الحريرية السياسية عمرت البلد منذ العام 1992 إلى العام 2005 يتحدثون عن دفنها، وأظنهم يدفنون أنفسهم ومرحلة الازدهار والإعمار، وأنا أدرك أن المرحلة المقبلة ستتركز للهجوم على الحريرية السياسية!!

الأكيد أن المنظومتين السياسية والمصرفية متداخلتان، لا بل شريكتان، لدرجة أن عليهما وحدهما تكبد أكلاف المرحلة الراهنة بما أنهما استفادتا من "الاقتصاد الريعي" ومن "الربا الفاحش" المتمثل بالهندسات المالية والإكتتاب بسندات الخزينة، بالاضافة إلى عمليات السمسرة والسطو على "قرش" المواطن.

لقد ساهمت المصارف بشكل كبير في خداع الناس المودعين الكبار ونصب الأفخاخ لهم عندما قامت بإقناعهم بتجميد ودائعهم في لبنان في السنوات القليلة الماضية حتى اليوم وتحتجزها اليوم مع أموال صغار المودعين وحساباتهم الجارية.. والنتيجة: بطالة وركود، لا بل كساد مع غلاء أسعار.. هذه الخلطة الأسوأ لأي اقتصاد في العالم فكيف إذا كان اقتصاداً هشاً..([16])

الرقم الذي وصل إليه الدين العام على لبنان بسبب السياسات النقدية والاقتصادية التي آلت إليه حال البلاد، غير معلوم بالتحديد، والذي يتخوف منه ذهاب الثروة الطبيعية من النفط والغاز المكتشف مقابل تلك الديون، ومن يملك إجابة على هذا الأمر.

فما لدى لبنان يشكل عنصر إغراء للغرب، وهو بكميات مغرية للسوق العالمية، ويمكن للغرب وضع يده على آليات العمل في هذه السوق بما يضمن ما يعتقد أنه الضمانة الأكيدة مقابل القروض الجديدة والقديمة أيضاً، والغرب مستعد لذلك إذا حصل على ضمانات أكيدة في سوق النفط، ولكن النقاش الفعلي في لبنان يستند إلى سؤال واحد: هل نقدم على بيع مسبق لكل ما نملكه في قاع البحر من دون ضمانة إصلاحات كاملة تجعل لبنان ينتقل من حالته الراهنة إلى حالة جديدة؟([17])

ثمة من يرى أن الأزمات المالية التي مرت على لبنان ليست متشابهة في أسبابها ومآلاتها.

وحتى نعرف شكل "الوحش" الذي أمامنا، ومعنى النظام الذي ينهار هناك العديد من الخرافات الرائجة عن الاقتصاد، والنظام اللبناني، ومن المفيد الاستعانة بنقد الأكاديمي نجيب حوراني للاقتصاد السياسي في لبنان وتطوره التاريخي.

 فكرة أن لبنان هو بلد "خدمات وسياحة، مثلاً، عمومية وليست صحيحة بالكامل. منذ الأربعينات وحتى الستينات، كان لبنان بالفعل يستفيد من موقعه الجغرافي ويمتلك قطاعات خدمات وتجارة ولوجستيات مهمة، بدءاً من أوائل الستينات، يقول حوراني، أصبح القطاع المصرفي هو الطاغي على باقي النشاطات، وتضخم باستمرار على حسابها.

"الرأسمالية التمويلية" التي جعلت أكثر شرائح المجتمع زبائن للبنوك ـ ابتدأت من لبنان، والقول بأن الحريري الأب كان يخطط لبلد خدمات وسياحة ليس صحيحاً، السياحة والخدمات ـ بمعناها الحقيقي ـ تستلزمان بنى تحتية ممتازة، وكهرباء واتصالات وبيروقراطية([18]) فاعلة، ما حصلنا عليه فعلاً هو نظام مالي حاكم، يهيمن على كل ما عداه، يعتاش على استيلاد الديون الدفترية.

هذا التغول المصرفي لم تكن أسبابه داخلية، ولا يمكن فهمه إلا باعتباره جزءاً من عملية أكبر تجري على مستوى العالم.

أموال النفط تدفقت إلى لبنان، لأن قطاعه المصرفي لعب دوراً "وسيطاً" محدداً: رساميل النفط تريد لها منفذاً، والقوى الغربية تريد وسيلة للسيطرة على هذه الأموال وضمان أن تتدفق إلى اقتصادياتها في أميركا وأوروبا، من هنا كانت أكثر المصارف اللبنانية تعمل وفق شراكات مع مؤسسات غربية، أو تفتح لها فروعاً في الغرب تنقل إليها أكثر الودائع العربية، ويتم استثمارها هناك في سوق الأسهم والعقارات والعملات، لهذا السبب كان بنك "انترا" وغيره من المؤسسات المالية اللبنانية في تلك المرحلة تمتلك أصولاً كبيرة في الغرب، وعقارات وأسهماً في شركات صناعية كبرى فيما لا استثمارات ولا تسليف في لبنان تقريباً خارج القطاع العقاري.

في فترة توقيع اتفاق الطائف، كان الحريري يبسط سيطرته على جمعية المصارف وبعدها على حاكمية مصرف لبنان بالكامل، ليمسك بقياد البلد ويبدأ عهد جديد، ومع عهد الحريري لم يعد لبنان معبراً للرساميل الدولية، وخسر دوره الأصلي، فقد أصبحت للخليج مؤسساته المالية الخاصة، وتشابكت مع المصالح الغربية بشكل مباشر، بدلاً من ذلك، اعتاش القطاع المصرفي منذ التسعينات على الشكل الأقصى من "الرأسمالية التمويلية": الديون التي تولّد ديوناً، ويُخلق حولها اقتصاد، وهذا البناء ينفجر من داخله. أي اخطبوط يتحكم بهذا البلد! يقولون: إن أكثر من تسعين بالمائة من المودعين ـ مليونان ونصف مليون حساب ـ يملكون أقل من 15 بالمائة من مجمل الودائع! أي إنه بالإمكان تغطيتها بسهولة وضمان حقوق هؤلاء المودعين جميعاً على الفور، ومع ذلك تهرب أموال الحيتان إلى الخارج والمودع البسيط يستجدي حقه من مدخراته!

في هذه الاثناء يهرع كل من في البلد لإنقاذ نفسه قبل أن يأتي السقوط والفقير يحاصره الجوع. وفي الذاكرة الشعبية اللبنانية قصة من هذا السياق:

يقال إن جمال باشا كان يجول في بيروت معتلياً جواده أيام المجاعة، في المرحلة الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، لاحظ الحاكم العسكري رجلاً مهيب البنية ضخماً وطويلاً يمر من أمامه، ولكنه ما لبث أن ترنح فجأة ووقع أرضاً ليستقر بلا حراك، استفسر جمال باشا من أعوانه عما حل بالرجل فقالوا له إن الجوع قد أنهكه فسقط ميتاً، عندها نظر الباشا إلى الجثة مخاطباً قبل أن يعبر من فوقها باحتقار: "أنت رجل قوي أمامك المتجر مليء بالأطعمة من كان سيمنعك من أخذ ما تريد به كيف تسمح للجوع بأن يتمكن منك؟"([19])

خاتمة:

لا يشك الباحث المتمعن في أن المشكلة في النظام اللبناني مشكلة وعلة بنيوية سببت هذا الاعتلال المزمن في نظام طائفي لم يرق إلى مصاف دول المواطنة التي تنشئ مواطنيها على الانتماء إلى وطن يشعر فيه بالأمن والحرية والعدالة والعيش الكريم وليس مجرد مكلّف يتوجب عليه دفع الضرائب من غير أن يحصل على أبسط حقوقه.

في مطلع القرن العشرين كان لبنان بحسب المؤرخ كمال الصليبي، المنطقة الأكثر تقدماً في الإمبراطورية العثمانية، وفي العام 1925 لدى وضع الدستور اللبناني، تطلع المنتفعون المستنيرون إلى حلم إقامة نظام يقوم على مبدأي الحرية والمساواة لجميع أبناء الشعب اللبناني من دون أي تمييز، لكن الطائفية التي هي مرض مخجل، تسللت إلى الدستور وأرست النظام التمثيلي الطائفي عبر المادة 95 منه ..

غير أنه ارتكب بحق الوطن وأحلام شعبه وطموحاته جرائم موصوفة جعلت من المواطن كائناً مسلوب الحقوق والإرادة والتضحية في سبيل وطن جعله حاكموه مزرعة ونهباً لأطماعهم التي لا حدّ لها! وهم أنفسهم همشوا مواطنيتّنا الضائعة بين تحالف أمراء الحرب وأصحاب المليارات المشبوهة. اللهم إلا في بعض المحطات الزمنية التي كان فيها بعض الرجالات الوطنية النزيهة وقفت بوجه الاستنزاف للمال العام والتدخل في شؤون القضاء، والتعدي على الحريات، والإثراء غير المشروع الذي أدى إلى أوضاع مزرية نتج عنها حراك واشتهر بإسم انتفاضة 1925..([20])

فالأزمة التي يمر لبنان فيها، أشد الأزمات التي مرت في حياته العامة منذ إعلانه كياناً مستقلاً عام 1943، مع العلم أنه كان بلد الأزمات غير المتوقفة في مراحله المختلفة، وحالة لم يسبق أن شهد مثيلاً لها، فليس من بلد في العالم ولد في الأزمات وعاش فيها وصبغت حياته كلها، وكأنه نشأ خصيصاً ليكون بلد أزمات، ليصح فيه الوصف أنه بلد "الأزمات المفتوحة".

ولأنه بلد "الأزمات المفتوحة" بطريقة غير مسبوقة بين الدول وفي التاريخ فذلك يعني أن لبنان كبلد ودولة، لم ينشأ ليكون وطناً بقدر ما نشاء ليكون ساحة أعدت لخدمة أغراض من انشأه ـ المحتل الفرنسي والبريطاني ـ الذي مهد له في اتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916.([21])

 

[1] ستيفان وينتر: الشيعة في لبنان تحت الحكم العثماني ص 78

[2] ألبير داغر: النخبة في لبنان، الأخبار 3936

[3] علي حمية: ميثاق شعبي لدولة مدنية، الأخبار 3895

[4] محمد غالب حيدر: آليات مكافحة الفساد بين القوانين والقضاء وضرورات التشريع. الأخبار 3935

[5] م.ن.

[6] الزبونية السياسية

[7] وسام اللحام: لبنان وسيادة الدولة النقدية، الأخبار: 3938

[8] أحداث لبنان: صراع على مقصل الحل الإقليمي: سمير حسن، مقالة الاخبار: 3914

[9] يزن زريق: مساهمة في تحليل بنية الطبقة الحاكمة في لبنان، الأخبار: 3954

[10] حسن عليق: سلوك المرابي، الاخبار: 3925

[11] ما بين "تكنو قراط: الحريري ودعوة life .. على دربج. الاخبار: 3923

[12] مقاومة أكثر، فقر أقل: أحمد حسن/جورج سالم الأخبار: 3916

[13] الاخبار العود: 3930 بتصرف

[14] أسعد أبو خليل: الانتفاضة اللبنانية: ماذا تحقق وماذا لم يتحقق. الاخبار: 3933

[15] هيام القصيفي: الحريري يراكم سلبياته ويستقيل من تصريف الأعمال. الاخبار:3936

[16] إيفون أنور صعيبي، نداء الوطن، تحت عنوان: إسترداد الأموال المنهوبة معلّق برقبة المنظومتين السياسية والمصرفية.

[17] إبراهيم الأمين، وقائع ومداولات لبنانية وخارجية حول الوقع المالي للبنان. الاخبار 3942

[18] تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظمة، وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية.

[19] عامر محسن: دليلك إلى نهاية العالم السقوط الأخير للمصرف، الاخبار 3943 بتصرف.

[20] خليل وفارس زعتر: انتفاضة 17 تشرين.. دروس وعبر، الاخبار 3924 بتصرف

[21] سمير حسن: أشد الأزمات في لد الأزمات المفتوحة: الاخبار 3929

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/04/23   ||   القرّاء : 2975


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net