جَوْهَرَةُ القُدس
جَوْهَرَةُ القُدس
قصيدة في بيان عظمة السيدة الزهراء عليها السلام
آية الله العظمى الشيخ محمّد حسين الإصفهاني رحمة الله عليه.
جَوْهَرَةُ الْقُدْسِ مِنَ الكَنْز الْخَفِي *** بَدَتْ فَأَبْدَتْ عالِياتِ الأَحْرُفِ
وَقَدْ تَجَلَّى مِنْ سَمَاءِ الْعَظَمَهْ *** فِي عَالَمِ الأَسْمَاءِ أَسْمَى كَلِمَهْ
بَلْ هِيَ أُمُّ الكَلِماتِ المُحْكَمَهْ *** فِي غَيْبِ ذاتِها نُكَاتٌ مُبْهَمَهْ
أُمُّ أَئِمَّةِ العُقُولِ الغُرِّبَلْ *** (أُمُّ أَبِيها) وَهْوَ عِلَّةُ العِلَلْ
رُوحُ النَّبِيِّ فِي عَظِيمِ المَنْزِلَهْ *** وَفِي الكَفاءِ كُفْؤٌ مَنْ لا كُفْوَ لَهْ
تمَثَّلَتْ رَقِيقَةَ الوُجُودِ *** لَطِيفَةً جَلّتْ عَنِ الشُّهُودِ
تَطَوَّرَتْ فِي أَفْضَلِ الأَطوَارِ *** نَتِيجَةَ الأَدْوَارِ وَالأَكْوار
تَصَوَّرَتْ حَقِيقَةَ الكَمالِ *** بِصُورَةٍ بَدِيعَةِ الجَمَالِ
فَإِنَّهَا الحَوْرَاءُ فِي النُّزولِ *** وَفِي الصُّعُودِ مِحْوَرُ العُقُولِ
يُمَثِّلُ الوُجُوبَ فِي الإِمْكانِ *** عِيَانُهَا بِأَحْسَنِ العِيانِ
فَإِنَّهَا قُطْبُ رَحَى الوُجُودِ *** فِي قَوْسَي النُّزُولِ وَالصُّعُودِ
وَلَيْسَ فِي مُحِيطِ تِلْكَ الدَّائِرَهْ *** مَدَارِها الْأَعْظَمِ إِلاَّ (الطَّاهِرَهْ)
مَصُونَةٌ عَنْ كُلِّ رَسْمٍ وَسِمَهْ *** مَرْمُوزَةٌ فِي الصُّحُفِ المُكَرَّمَهْ
(صِدِّيقَةٌ) لا مِثْلُها صِدِّيقَهْ *** تُفْرِغُ بِالصِّدْقِ عَنِ الحَقِيقَهْ
بَدَا بِذلِكَ الوُجُودِ الزَّاهِرِ *** سِرُّ ظُهُورِ الحَقِّ فِي المَظَاهِرِ
هِيَ البَتُولُ الطُّهْرُ وَالعَذْرَاءُ *** كَمَرْيَمَ الطُّهْرِ وَلاَ سَوَاءُ
فَإِنَّها سَيِّدَةُ النَّساءِ *** وَمَرْيَمُ الكُبْرَى بِلاَ خَفَاءِ
وَحُبُّهَا مِنَ الصَّفاتِ العالِيَهْ *** عَلَيْهِ دَارَتِ القُرُونُ الخَالِيَهْ
تَبَتَّلَتْ عَنْ دَنَسِ الطَّبِيعَهْ *** فَيَالَها مِنْ رُتْبَةٍ رَفِيعَهْ
مَرْفُوعةُ الهِمَّةِ وَالعَزِيمَهْ *** عَنْ نَشْأَةِ الزَّخارِفِ الذَّمِيمَهْ
فِي أُفُقِ المَجْدِ هِيَ الزَّهْرَاءُ *** لِلشَّمْسِ مِنْ زَهْرَتِهَا الضِّياءُ
بَلْ هِيَ نُورُ عَالَمِ الأَنْوَارِ *** وَمَطْلَعُ الشُّمُوسِ وَالأَقْمَارِ
رَضِيعَةُ الوَحْيِ مِنَ الجَلِيلِ *** حَلِيفَةٌ لِمُحْكَمِ التَّنْزِيلِ
مَفْطُومَةٌ مِنْ زَلَلِ الأَهْوَاءِ *** مَعْصُومَةٌ عَنْ وَصْمَةِ الخَطاءِ
مُعْرِبَةٌ بِالسِّتْرِ وَالحَيَاءِ *** عَنْ غَيْبِ ذاتِ بَارِیءِ الأَشْياءِ
رَاضِيَةٌ بِكُلِّ ما قَضَى القَضا *** بِمَا يَضِيقُ عَنْهُ وَاسِعُ الفَضا
زَكِيَّةٌ مِنْ وَصْمَةِ القُیُودِ *** فَهُيَ غَنِيَّةٌ عَنِ الحُدُودِ
يا قِبْلَةَ الأَرْوَاحِ وَالعُقُولِ *** وَكَعْبَةَ الشُّهُودِ وَالوُصُولِ
مَنْ بِقُدُومِها تَشَرَّفَتْ (مِنَى) *** وَمَنْ بِهَا تُدْرَكُ غَايَةُ المُنَى
وَبَابُها الرَّفِيعُ بَابُ الرَّحْمَه *** وَمُسْتَجارُ كُلِّ ذِي مُلِمَّهْ
وَمَا الحَطِيمُ عِنْدَ بَابِ فَاطِمَهْ *** بِنُورِها تُطْفَأُ نَارُ الحَاطِمَهْ
وبَيْتُهَا المَعْمُورُ كَعْبَةُ السَّما *** أَضْحَى ثَرَاهُ لِلثَرَايا مَلْثَما
وَخِدْرُها السَّامِي رِواقُ العَظَمَهْ *** وَهْوَ مَطَافُ الكَعْبَةِ المُعَظَّمَهْ
حِجَابُها مِثْلُ حِجَابِ الباري *** بَارِقَةً تَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ
تُمَثِّلُ الوَاجبَ في حِجَابِها *** فَكَيْفَ بِالإشْرَاقِ مِنْ قُبابِها
يا دُرَّةَ الْعِصْمَةِ وَالْوِلايَهْ *** مِنْ صَدَفِ الحِكْمَةِ وَالعِنَايَهْ
مَا الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ فِي السَّمَاءِ *** مِنْ ضَوْءِ تِلْكَ الدُّرَّةِ البَيْضاءِ؟
وَالنَّيِّرُ الْأَعْظَمُ مِنْها كَالسُّها *** كَيْفَ وَلاَ حَدَّ لَهَا وَمُنْتَهَى
أَشْرَقَتِ الْعَوَالِمُ الْعُلْوِيَّهْ *** بِنُورِ تِلْكَ الدُّرَّةِ البَهِيَّهْ
يا دَوْحَةً جَازَتْ سَنامَ الفَلَكِ *** بَلْ جَاوَزَ السِّدْرَةَ فَرْعُها الزَّكِي
يَا دَوْحَةً أَغْصَانُها تَدَلَّتْ *** بِمَوْضِعٍ فِيهِ العُقُولِ ضَلَّتْ
دَنَتْ إِلَى مَقامِ أَوْ أَدْنَى فَلا *** تَتْبَعُ مِنْ ذلِكَ أَعْلَى مَثَلاَ
يَا شَجَرَ الطُّورِ وَأَيْنَ الشَّجَرَهْ *** مِنْ دَوْحَةِ المَجْدِ الأَثِيلِ الْمُثْمِرَهْ
وَإِنَّما السِّدْرَةُ وَالزَّيْتُونَهْ *** عُنْوَانُ تِلْكَ الدَّوْحَةِ المَيْمُونَهْ
أَثْمَارُها الغُرُّ مَجالِي الذَّاتِ *** مَظَاهِرُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفاتِ
مَبادىءُ الحَيَاةِ فِي البِدايهْ *** وَمُنْتَهَى الغَاياتِ فِي النِّهَايَهْ
أَثْمَارُها عَزَائِمُ الْقُرْآنِ *** فِي صَفَحَاتِ مُصْحَفِ الْإِمْكَانِ
أَثْمَارُها مَنَابِتٌ لِلْمَعْرِفَهْ *** مِنْ جَنَّةِ الذَّاتِ غَدَتْ مُقْتَطَفَهْ
لَكَ الهَنَا (يا سَيِّدَ الوُجُودِ) *** فِي نَشَآتِ الْغَيْبِ وَالشُّهودِ
بِمَنْ تَعَالَى شَأْنُها عَنْ مِثْلِ *** كَيْفَ ولا تَكْرارَ فِي التَّجَلِّي
لا يَتَثَنَّى هَيْكَلُ التَّوْحِيدِ *** فَكَيْفَ بِالنَّظِيرِ وَالنَّديدِ؟
وَمُلْتَقَى الْقَوْسَيْنِ نُقْطَةٌ فَلاَ *** تَرَى لَها ثانِيَةً أَوْ بَدَلاَ
وَحِيدَةٌ فِي مَجْدِها الْقَدِيمَ *** فَرِيدةٌ فِي أَحْسَنِ التَّقْوِيمِ
بُشْراكَ (يا أَبا العُقُولِ العَشَرهْ) *** بِالبَضْعَةِ الطَّاهِرَةِ المُطَهَّرَهْ
مُهْجَةُ قَلْبِ عَالَمِ الْإِمْكَانِ *** وَبَهْجَةُ الفِرْدَوْسِ فِي الجِنَانِ
غُرَّتُها الْغَرّاءُ مِصْباحُ الهُدَى *** يُعْرَفُ حُسْنُ الْمُنْتَهَى بِالمُبْتَدَا
وَفِي مُحَيَّاها بِعَيْنِ الْأَوْلِيا *** عَيْنَانِ مِنْ مَاءِ الحَياةِ وَالحَيا
بَلْ وَجْهُهَا الكَرِيمُ وَجْهُ البَارِي *** وَقِبْلَةُ العَارِفِ بِالأَسْرَارِ
بُشْرَاكِ يا خُلاَصَةَ الإِيجادِ *** بِصَفْوَةِ الْأَنْجَادِ وَالْأَمْجَادِ
أُمُّ الكِتَابِ وَابْنَةُ التَّنْزِيلِ *** رَبَّةُ بَيْتِ العِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ
بَحْرُ النَّدَى وَمَجْمَعُ البَحْرَيْنِ *** قَلْبُ الهُدَى وَبَهْجَةُ الكَوْنَيْنِ
*وَاحِدَةُ النَّبِيِّ أَوَّلُ العَدَدْ *** ثَانِيَةُ الوَصِيِّ نُسْخَةُ الأَحَدْ
وَمَرْكَزُ الخَمْسَةِ مِنْ أَهْلِ العَبا *** وَمِحْوَرُ السَّبْعِ عُلوّاً وَإِبا
لَكَ الهَنا يا سَيِّدَ الْبَرِيَّهْ *** بِأَعْظَمِ المَوَاهِبِ السَّنِيَّهْ
أَتَاكَ طَاووسُ رِياضِ الأُنْسِ *** بِنَفْحَةٍ مِنْ نَفَحاتِ القُدْسِ
مِنْ جَنَّةِ الصِّفَاتِ وَالأَسْمَاءِ *** جَلَّتْ عَنِ المَدِيحِ وَالثَّنَاءِ
فَارْتَاحَتِ الأَرْوَاحُ مِنْ شَمِيمِها *** وَاهْتَزَّتِ النُّفُوسُ مِنْ نَسِيمِهَا
بِهَا انْتَشَى فِي الكَوْنِ كُلُّ صَاحِ *** وَطَابَتِ الأَشْبَاحُ بِالأَرْوَاحِ
تُحْيِي بِهَا الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها *** وَمَرْجِعُ الأَمْرِ غَدَا إِلَيْها...
