هيئة علماء بيروت :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> تعريف (5)
---> بيانات (87)
---> عاشوراء (117)
---> شهر رمضان (119)
---> الامام علي عليه (48)
---> علماء (24)
---> نشاطات (7)

 

مجلة اللقاء :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

---> فقه (15)
---> مقالات (202)
---> قرانيات (75)
---> أسرة (20)
---> فكر (127)
---> مفاهيم (205)
---> سيرة (83)
---> من التاريخ (30)
---> مقابلات (1)
---> استراحة المجلة (4)

 

أعداد المجلة :

---> الثالث عشر / الرابع عشر (12)
---> العدد الخامس عشر (18)
---> العدد السادس عشر (17)
---> العدد السابع عشر (15)
---> العدد الثامن عشر (18)
---> العدد التاسع عشر (13)
---> العدد العشرون (11)
---> العدد الواحد والعشرون (13)
---> العدد الثاني والعشرون (7)
---> العدد الثالث والعشرون (10)
---> العدد الرابع والعشرون (8)
---> العدد الخامس والعشرون (9)
---> العدد السادس والعشرون (11)
---> العدد السابع والعشرون (10)
---> العدد الثامن والعشرون (9)
---> العدد التاسع والعشرون (10)
---> العدد الثلاثون (11)
---> العدد الواحد والثلاثون (9)
---> العدد الثاني والثلاثون (11)
---> العدد الثالث والثلاثون (11)
---> العد الرابع والثلاثون (10)
---> العدد الخامس والثلاثون (11)
---> العدد السادس والثلاثون (10)
---> العدد السابع والثلاثون 37 (10)
---> العدد الثامن والثلاثون (8)
---> العدد التاسع والثلاثون (10)
---> العدد الأربعون (11)
---> العدد الواحد والاربعون (10)
---> العدد الثاني والاربعون (10)

 

البحث في الموقع :


  

 

جديد الموقع :



 شَهْرَ اللّهِ وعطاءاته

  من فضائل الصيام وخصائصه العظيمة

 الصوم لي وأنا أجزي به

 لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان

  المسارعة الى اقتناص الفرص

 من وظائف وامنيات المنتظرين للامام المهدي (عج)

 الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف

 شعبان شهر حَفَفهُ  الله بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ

 الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (38-95 هـ)

 من آثار الامام زين العابدين عليه السلام وفيض علمه

 

الإستخارة بالقرآن الكريم :

1.إقرأ سورة الاخلاص ثلاث مرات
2.صل على محمد وال محمد 5 مرات
3.إقرأ الدعاء التالي: "اللهم اني تفاءلت بكتابك وتوكلت عليك فارني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك"

 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • أرشيف كافة المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا
 

مواضيع عشوائية :



 عليّ بن أبى طالب(ع)

 كلمات وردت في القرآن الكريم

 عيد الغدير يوم الولاية

 من علامات الظهور الحتمية والقريبة

 القيم الروحية في عاشوراء الحسين (ع)

 من وظائف وتطلّعات المنتظرين لصاحب العصر والزمان عليه السلام

 انتهز الفرصة واسمع الموعظة

 وجود الإمام المهدي عليه السلام

       هيئة علماء بيروت تستغرب الدعوات لعقد القمم!!

 قداسة حركة الامام الحسين عليه السلام

 

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 2

  • الأقسام الفرعية : 17

  • عدد المواضيع : 1169

  • التصفحات : 7020079

  • التاريخ : 19/03/2024 - 03:50

 

 

 

 

 
  • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .

        • القسم الفرعي : فكر .

              • الموضوع : بِدءُ الحياة الإنسانيّة .

                    • رقم العدد : العدد الثامن عشر .

بِدءُ الحياة الإنسانيّة

 

 


بِدءُ الحياة الإنسانيّة

آية الله الشيخ محمد آصف محسني

السؤال المقصود بالإجابة هنا هو أنّه متى تبدأ الحياة الإنسانيّة، وستعلم في الأبحاث الآتية أنّ مطلق الحياة ثابتة في مني الرجل وبويضة المرأة وبعد التحامهما وصيرورتهما خليّة، ثم إلى كتلة خلايا، ثمّ إلى حوصلة عالقة بالرحم، ثمّ منغرسة فيها والروح لم تنفخ بعد في جنين ميّت.
والمسألة ذات ثمرات مهمّة في الفقه؛ إذ يجوز إجهاض الجنين قبل ولوج الروح فيه في عدة من الحالات، ولا يجوز بعده، وتزيد دية الجنين بعد ولوج الروح. وتزيد دية إجهاض الجنين بعد ولوج الروح بكثير منها قبله. بل قيل بثبوت القصاص من المجهض بعد الولوج عمداً، فلا بد من التحقيق.
وإليك عدّة من الآراء في المقام:
القول الأوّل: المشهور في ألسنة المسلمين وأذهانهم أنّ الحياة الإنسانيّة تبدأ بنفخ الروح في الجنين، والمشهور عند أهل النظر منهم أنّه بعد أربعة أشهر من الحمل.
ولفقهائنا فيه قولان:
1 ـ ما نسب إلى المشهور من أنّ الروح تتعلّق بالبدن بعد أربعة أشهر، أي في خلال الشهر الخامس. ويؤكّده ما قاله صاحب جواهر الكلام بل ظاهر الأصحاب عدم اعتبار مضي الأربعة أشهر في الحكم بحياته على وجه يترتّب عليه الدية .
وعن المجلسي M ـ بعد ردّه خبراً دلّ على أنّ ولوج الروح بعد الخمسة أشهر: «وهو خلاف المشهور وما دلّ عليه غيره من الأخبار من ولوج الروح بعد أربعة أشهر» .
2 ـ ما عن السيد الأستاذ الخوئي{ من أنّه بعد بلوغ خمسة أشهر؛ استناداً إلى رواية صالح بن عقبة عن أبي شبل... «هيهات يا أبا شبل إذا مضت خمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب فيه الدية».
قال M: ثمّ إنّ الكليني والشيخ في التهذيب رويا هذه الرواية بسند صحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة، عن أبي شبل، ورواه الصدوق بسنده الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي شبل، والرواية على كلا التقديرين صحيحة، فإنّ صالح بن عقبة ثقة على الأظهر»  انتهى كلامه.
ونسب إلى كثير من أهل السنّة أنّه عند تمام أربعة أشهر.
أقول: المستفاد من الروايات استفادة قطعية هو القول الأوّل في الجملة، فإن عدّ (120) يوماً لتكامل الحمل إلى أن يبلغ مضغةً يدلّ على دخول الجنين في الشهر الخامس لا محالة في كثير من الموارد، فإن تتابع أربعة أو ثلاثة أشهر تامّة أو شهرين تامّين إن لم يكن أقلّ من فرض بعضها ناقصة، لم يكن بأكثر منها، وعليه فنفس (120) يوماً تنجر إلى ولوج الروح في كثير من الموارد في الشهر الخامس، وأمّا التصريح بذكر أربعة أشهر في الروايات فلا بدّ من حملها على العلامة التقريبية الوقتية أو على جهة أخرى دفعاً للتضاد أو التناقض.
ونفس هذا البيان يجري في خبر عبد الله بن مسعود المروي في صحيح مسلم، وفيه: «ثمّ يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح» وكلمة «ثمّ» للتراخي الزمني، وكأنّه إشارة إلى قوله تعالى: (فخلقنا المضغة عظاماً) وعلى كلٍّ استناد علماء أهل السنّة إلى هذا الخبر لقولهم السابق ضعيف مردود.
وممّا يدل على ضرورة حدوث تعلّق الروح بالجنين في أثناء الشهر الخامس أو بعده، أنّ الروح لا تتعلّق به في حال كونه مضغة؛ فإنّ القرآن يقول: (فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر...)  وهذا يدل على أنّ نفخ الروح بعد صيرورة المضغة عظاماً وبعد كسوة العظام لحماً، وهاتان المرحلتان لا تحقّقان بساعة أو ساعتين بل بأيام.
ووجه الدلالة أنّ المراد بإنشائه خلقاً آخر هو جعله حيّاً بحياة إنسانيّة بمقتضى الاعتبار والحديث الصحيح ، فافهم واغتنم.
فعلى هذا بطل القول المنسوب إلى أكثر أهل السنّة، وأمّا إنّ وقت تعلّق الروح في أثناء الشهر الخامس ـ كما عن المشهور أو بعد مضي الشهر الخامس (أي في أوّل الشهر السادس) كما يظهر من سيدنا الأستاذ ـ فلم يثبتا بعد بتمام حدودهما. فيحتمل تعلّق الروح في أثناء الشهر الخامس وفي أثناء الشهر السادس فضلاً عن أوّل الشهر السادس، ولا دليل معتبر عندنا يثبت أحد الاحتمالات الثلاثة.
والرواية التي استدلّ بها سيّدنا الأستاذ ضعيفة سنداً وصالح بن عقبة مجهول على الأقوى، بل وثاقة أبي شبل أيضاً محلّ بحث؛ لاحتمال الاشتراك، ولا ملزم لتفصيل البحث الرجالي ها هنا.
على أنّها معارضة بموثّقة الحسن بن جهم قال: سمعت أبا الحسن الرضا Q يقول: قال أبو جعفر Q: «إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً ثمّ تصير علقة أربعين يوماً ثمّ تصير مضغة أربعين يوماً، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاّقين...» .
هذا كلّه من جهة دلالة الروايات، وأمّا البحث من جهة الشهادات الطبّية فربّما يطمئنّ الباحث بخلاف ما في الروايات، وبضرورة تأويله أو ردّ علمه إلى من صدر عنه.
وقيل: لا يمكن الالتزام  بشيء من أقوال الفقهاء؛ لمخالفتها لما تعرفه الحوامل بالوجدان والحسّ، وعرفه الأطبّاء قديماً وحديثاً بالبحث والتجربة، من أنّ حركة الجنين تظهر في أوائل الشهر الرابع وتزداد بصورة تدريجية إلى أن تصبح في أواخر هذا الشهر واضحة. فكيف يقولون بعدم نفخ الروح إلاّ بعد انقضاء الشهر الرابع...
والعبرة في الحكم بحياة الجنين، بحركته المتميّزة عن الحركات الاختلاجية التي تحدث أحياناً لغير الأحياء، كالذبيحة بعد زوال روحها، حتّى يصحّ جعلها علامة للحياة الإنسانيّة.
وعلى كلٍّ لا نعتدّ بالأقوال ولا نستعجل في ردّ الروايات حتّى يتّضح الأمر بأكثر من هذا في علم الطب أو عندنا.
تتمّة
قيل: إنّ تحديد بقاء كلّ من النطفة والعلقة والمضغة بأربعين يوماً، مقطوع البطلان؛ فإنّ النطفة لا تبقى على حالها أربعين يوماً في رحم الأُم، ولا تكون خلال هذه المدّة الطويلة مثل التخامة البيضاء، وكذلك لا تكون علقة مثل علقة الدم الجامدة، خلال الأربعين الثانية، ولا مثل قطعة لحم حمراء فيها عروق خضر مشبّكة خلال الأربعين الثالثة، فكل هذا مخالف للحسّ  ومعلوم خلافه بالضرورة.
أقول: هذا الإيراد وإن لم يكن لي محسوساً غير أنّه قابل للقبول، وهذا إيراد آخر على الأحاديث المتضمّنة لتلك المعاني المخالفة لأقوال الأطبّاء بل لأقوال الحوامل، على ما عرفته.
القول الثاني: لحظة التحام الحيوان المنوي بالبويضة هي بداية الحياة الإنسانية اختاره بعض الأطباء واستدلّ عليه بتحقّق كائن في هذا الدور تنطبق عليه جميع الشروط التالية:
1 ـ أن تكون له بداية واضحة معروفة.
2 ـ أن يكون قادراً على النموّ ما لم يحرم أسبابه.
3 ـ أن يفضي نموّه إلى الإنسان جنيناً ووليداً وطفلاً وصبياً وشاباً وشيخاً وكهلاً إن نسأ الله له في الأجل.
4 ـ أن ما سبقه من دور لا يمكن أن ينمو فيفضي إلى إنسان.
5 ـ أن تكتمل له الحصيلة الإرثية لجنس الإنسان عامة، وكذلك له هو فرداً بذاته مختلفاً عن غيره من الأفراد منذ بدء الخليقة وحتّى قيام الساعة.
وقال هذه الشروط الخمسة تتوفّر جميعاً في البويضة (البيضة) الملقّحة، وهي لا تتوفر في غيرها ولا تنطبق على ما قبلها ولا ما بعدها.
واستشهد عليه أيضاً بتأجيل عقوبة الإعدام شرعاً إن كان المحكوم عليها حاملاً دون تقييد الحمل بزمان خاص، كما استشهد بقوله تعالى: (وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم)  قال: من هؤلاء الأجنّة؟ أنتم وأنا الإنسان  وأنكر أن تكون حياة الجنين قبل تمام أربعة أشهر نباتية أو حيوانية، فإنّ النبات ـ تعريفاً ـ ليس له جهاز حركي فعّال، ولا جهاز عصبي، وأُسلوبه الغذائي مختلف، وهو يقتات على الضوء ويستهلك ثاني أُوكسيد الكربون ويفرز الأُكسيجين وأحجم أن يصفها بأنّها حياة حيوانية، وقد يسعد جماعة داروين إن نقرر أنّ جنين الإنسان بدون حيواني .
أقول: الشرائط الخمسة لا تثبت أنّ حياة البيضة الملقحّة حياة إنسانيّة؛ لعدم الملازمة بينهما عرفاً وطباً وعقلاً وشرعاً، فهي ليست شروطاً للحياة الإنسانيّة، حتّى تترتّب عليها ترتّب المعلول على علته وتأجيل اعدام الحامل إنّما هو لأجل أنّ حملها في مصيره إلى الإنسانيّة لا أنه إنسان بالفعل حتّى في شهره الأول.
نعم، حرمة الإجهاض ولزوم تأخير اعدام الحامل وحكم الخروج عن العدّة وأمثالها، أحكام شرعية تتّبع موضوعاتها ولا معنى للتلاعب بعناوينها.
والاستدلال بقول الله تعالى: }وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم{  ضعيف، إذ لا شك في أن المراد به: أنتم كنتم أجنّة. أو ما يؤدّي معناه ولا يراد به أنكم الآن أجنة، كما أن الإنسان كان تراباً ولم يكن بإنسان.
على أن لازم هذا القول أن يكون نهاية الحياة الإنسانية بموت خلاياه لا بموت المخ كما ذهب إليه أطباء الأعصار الأخيرة.
ثمّ المفهوم من الآية الخامسة في سورة الحجّ بطلان هذا القول؛ فإنّ مدلولها أن الإنسان خلق ونشأ من النطفة والعلقة والمضغة، لا أنّه عينها.
القول الثالث: أن الحياة على أقسام:
1 ـ الحياة الخلية، وهي حياة البويضة المخصّبة.
2 ـ الحياة النسيجية، وهي انقسام الخلية المتكررة وانغراسها في جدار الرحم واستمرار نموّها.
3 ـ الحياة الإنسانية في الأسبوع الثاني عشر من وقت تخصيب البويضة، الذي  أصبح فيه للجنين كيان أو وجود، فهو يقفز ويلعب وينام ويصحو ويحسّ ويفزع، كلّ ذلك تزامناً مع اكتمال تكوين المخّ وبداية قيامه بوظائفه من ظهور محركات التنفّس واشارات المخّ الكهربائية الدالّة على نشاط وعمل قشرة المخ والنصفين الكرويين.
وهذه المرحلة تقف كعلامة هامة على طريق نمو وتطور الجنين، كما أنّ هذه العلامات والظواهر التي تحدث هي عكس العلامات التي توصف في مرحلة وفاة المخّ عند موت الإنسان. ومن هنا يمكننا أن نصفها بمرحلة ميلاد المخّ أو بداية الحياة الإنسانية. وفي نهاية هذا الأسبوع يكون الجنين قد بلغ تسع سنتيمترات طولاً و45 جراماً وزناً.
ومن السهل التعرّف على هذا المرحلة وتحديدها على وجه الدقة بالفحص بجهاز السونار لبيان الحركات التنفسية وأنشطة الجنين المختلفة .
ويزيد هذا القائل: وفي أثناء الأسبوع الثاني عشر تظهر على الجنين خمسة مظاهر جديدة وهامة، كلها تشير إلى اكتمال تكوين مخّ الجنين وبداية ظهور الكيان الإنساني في الجنين ويبدو ذلك من:
1 ـ تصور حركات الجنين حركات مركبة متوافقة، لا انقباضات تشنّجية مثل ثني الظهر ورفع الرأس والالتفات بالوجه إلى الجانبين، وكذلك حركات مركبة للفم والشفتين واللسان والفكين شبه حركات الرضاعة.
2 ـ ظهور الحركات التنفسية. وليس المقصود هنا أنّ الجنين يتنفس الهواء، فالرئتان لا تعملان في فترة الحمل، إلاّ أن هذه الحركات التنفسية تؤدي إلى التنفس بعد الولادة.
3 ـ مرور الجنين في هذه المرحلة بفترات متتابعة ومنتظمة من النشاط والحركة بعضها فترات روحة وسكون، وقد تكون فترات يقظة ونوم.
4 ـ بدء عمل ونشاط قشرة المخّ، كما سبق ذكره.
5 ـ بداية ظهور حركات، بناءاً على تنبيهات من الخارج. وهذا يعني أن مراكز عليا في المخ قد تدخلت  في حدوث هذه الحركة، وذلك بناءاً على انفعالات حسّية في مخّ الجنين أدرك بها حدوث شيء غير مألوف.
ويستنتج من هذا وجود الحس كذلك الوعي بالمحيط الذي يوجد فيه الجنين .
أقول: إن صحّ ما ذكره أولاً، فهو لا يدلّ على مدّعاه؛ لأنّ الحس والحركة اللإرادية تجامعان الحياة الحيوانية وتنفيان الحياة النباتية فقط، ولا تتطلبان الحياة الإنسانية بخصوصها حتى يقال: إن مخّه يدرك الكليات أو يحاول أن يثبت ملزوم إدراك الكليات، وهو تعلّق الروح الإنسانية بالجنين، فهذا القائل لم يقدر على إثبات مدّعاه.
هذا إذا فرضنا وجود نفس حيوانية في الإنسان، مستقلّة عن الروح الإنسانيّة، وكانت هي المصدر للحسّ والحركة الإرادية، وأمّا إذا لم يكن الأمر كذلك وأن الحسّ والحركة الإرادية وإن كانا في الحيوانات مستندين إلى النفس الحيوانية، لكنهما في الإنسان مستندان إلى النفس الناطقة الإنسانية فقط، ولا روح حيوانية مستقلّة في الإنسان، فصحّة هذا القول يثبت مدّعى قائله لا محالة، فلا بدّ من بلوغ ما ادّعاه إلى درجة القطع.
القول الرابع: أن بدء الحياة الإنسانية ليس لحظة الالتحام بل وقت العلوق؛ إذ ليست كلّ بويضة (بيضة) ملقّحة هي لا بد أن تنغرس في الرحم، يمكن أن يتسبّب اللولب لتصريفها؛ لأنّه لا تبدأ الحياة فعلاً إلاّ حين تصبح ملتصقة بالأم وبالرحم، أي إذا انغرست في الرحم، وهو ما عبّر عنه بعض الأطباء بالاندغام، مأخوذاً من كلمة العلوق .
القول الخامس: إنّه تستغرق رحلة الإنسان من خليّة واحدة إلى 16 خليّة في المعمل حوالي 4 ـ 5 أيام، ومن خلية إلى 6 بلايين خلية ـ فترة الحمل ـ حوالي 283 يوماً.
ولقد اصطلح طبياً (علمياً) على أن تسمى مرحلة نمو الإنسان داخل الرحم منذ أن تأخذ الخلية الملقّحة في الانقسام إلى الثمانية أسابيع الأولى من الحياة بالجنين، ويسمى الجنين في الفترة الباقية من الحمل بالمولود.
والسبب في هذه التسمية هو أن الجنين في مرحلة نموه داخل الرحم يمر بمرحلتين هامتين من التكوين:
الأولى والتي تمتدّ ثمانية أسابيع يكون الجنين فيها في حالة تكوين وتشكيل ونمو مطرد في الخلايا.. والناظر إليه في تلك المرحلة يجد كتلة من الخلايا التجاويفية والقنوات، على شكل علقة ثم مضغة، ليس لها سمة الإنسان السوي، وأهمّ ما يميّز هذه المرحلة من الناحية التشريحية هو ظهور «الميزاب العصبي» وهو بداية تكوين الجهاز العصبي «الحسي عند الجنين، وبعد هذه المرحلة يأخذ الجنين داخل الرحم مظهراً آخر في النمو، ويمكن للناظر إليه ـ أي بعد مرحلة الثمانية الأسابيع الأولى ـ أن يميز شكل إنسان آخذ في النمو.. وقد وصف ذلك في آية الخلق والتطور داخل الرحم: (... ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).
إذن يمكن القول بأن الجنين هو إنسان في الأسابيع 6 ـ 8 ومنها ما هو حياته داخل الرحم أو في أنبوبة اختبار في محمل طفل الأنابيب .
أقول: هذه الأقوال الأربعة لعلماء الطب الذي هو في حال تطوّر وطريق تكامل، وقد عرفت أنها فاقدة للدليل غير قابلة للاعتماد.
وقبل الانتقال إلى القول الحقّ لا بدّ من بيان أمر هام يجب الالتفات إليه ومراعاته في كل باب، وهو أنّ ما ذكره أهل الطبّ وسائر العلوم التجريبية على أقسام:
منها: ما ثبت بالحسّ والتجربة بحيث لا يقبل الترديد، وهذا مما لا شك في قبوله بحكم العقل والفطرة، فإن وجد في القرآن المجيد أو الأحاديث المعتبرة ما يخالفه بظاهره وجب ردّ علم هذا الظاهر من الكتاب والسنّة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا معنى للتعبّد به على خلاف الحسّ كما بيّن ذلك في علم الكلام بأوضح برهان.
منها: ما هو استنباطات وآراء ظنية من هؤلاء العلماء الاختصاصيين، ولا عبرة بها كما لا قيمة لآراء الفقهاء والأصوليين والمجتهدين من علماء الدين، بل وآراء الصحابة والسلف الصالح (رض) في مقابل الأدلّة الشرعية من ظواهر الكتاب والسنة، ولا يجوز لنا تقليدهم بحال، فإنّ قداسة أحدٍ أمرٌ وتقليده أمرٌ آخر، ولا ملازمة بينهما.
ومنها: ما هو مبنيّ على الاحصائيات المحدودة محلاً ووقتاً، وهذا أيضاً لا اعتبار به، فليس كلّ ما ذكر أو بني عليه في العلوم أمراً حسياً وحقيقة واقعية يجب قبوله كما ربّما يتخيل من لا فهم له، كما أنه لا يجوز ردّ ما ثبت بطريق حسّي أو قطعي كالحسّ لأجل فتوى سلف أو حديث ضعيف بل معتبر، فإنّ الأحاديث كظواهر الكتاب ظنية، والظن يضمحلّ عند العلم بخلافه، اللهم إلاّ عند من لا عقل له.
إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ البحث هنا عن عدّة أمورٍ تناسب المقام على نحو الاختصار.
1 ـ أقسام الحياة وحقيقتها، ومعنى حياة الجنين في أدواره وأطواره.
2 ـ الفوارق الرئيسية بين الحيوان والإنسان عند الفلاسفة.
3 ـ تركّب الإنسان من البدن والنفس.
4 ـ الروح والنفس تتّحدان أو تتعدّدان.
5 ـ متى تبدأ الحياة الإنسانية.
فأقول مستعيناً بالله تعالى ومتوكلاً عليه في إصابة الحق:
البحث الأوّل
من الخير والحقّ أن نعترف صريحاً بأنّه لا علم لنا بحقيقة الحياة كما لا علم لنا بحقيقة منبعها وهو الروح، وإنّما نعرف الحياة بآثارها المذكورة في البيولوجيا، من التغذية والتنمية والتنفس وتوليد المثل والحس والحركة ونحوها.
ومن المشهور بل المحسوس أن الحياة ثلاثة أقسام: نباتية وحيوانية وإنسانية، فإن دل دليل عقلي أو علمي على انحصار الحياة بهذه الأقسام فنقول: إن حياة الجنين ما لم يكن له حس وحركة إرادية حياة نباتية، وحينما وجد له الحس والحركة الإرادية فحياته حيوانية ، ولا محذور فيه، ولا تعلق لهذا القول بقول داروين وأصحابه بوجه، ولا تتحقق الحياة الإنسانية دون تعلق الروح الإنسانية به، كما ستعرف.
وإن لم يدلّ دليل عليه فلا مانع من جعل حياة الخلايا المذكورة المسمّاة بالجنين قسماً رابعاً.
والإنسان في سيره العلمي ربما يصل إلى أقسام أخر من الحياة، وهذا هو الأظهر؛ إذ لنا أن نقول بأنّ حياته تعالى وحياة الملائكة نوعان آخران من الحياة.
البحث الثاني: ذكر بعض الحكماء المتعمقين أموراً من خواصّ الإنسان
1 ـ النطق والبيان .
2 ـ استنباط الصنائع العملية الغريبة. وأمّا ما يصدر من الحيوانات لا سيما من النحل في بناء البيوت المسدّسة فهو ليس من تدبير نفسها الشخصية الجزئية عن استنباط وإلا لم يكن على وتيرة واحدة، بل صدورها عن إلهام وتسخير من مدبرات أمرها!
3 ـ الحالة الانفعالية المسمّاة بالتعجب ـ وما يتبعه من الضحك ـ التابعة لإدراكه للأشياء النادرة، ويتبع إدراكه للأشياء المؤذية انفعال يسمى الضجر ويتبعه البكاء.
4 ـ إن المشاركة المصلحية تقتضي المنع من بعض الأفعال والحثّ على بعضها الآخر. ثم إن الإنسان يعتقد ذلك من حين صغره ويستمرّ نشؤوه عليه، فحينئذ يتأكد فيه اعتقاد وجوب الامتناع من أحدهما والاقدام على الآخر، فيسمى الأول قبيحاً والثاني حسناً جميلاً.
وأما مثل أن الأسد المعلم لا يأكل صاحبه، والفرس العتيق النجيب لا يسافح أمه، فليس ذلك من جهة اعتقاد في النفس بل لهيئة نفسانية أخرى.
5 ـ الخجل، فإنها حالة انفعالية تحصل عند إدراكه بأنّ الغير اطلع على أنه ارتكب قبيحاً.
6 ـ 7 ـ الخوف والرجاء، فإن الإنسان إذا ظن أن أمراً يحدث في المستقبل يضره فيعرض له الخوف أو ينفعه فيعرض له الرجاء، وأمّا سائر الحيوانات فإنّهما يحصلان لها بالفعل، لا لأجل الظن بحدوث موجبهما في المستقبل، كنقل النمل البرّ بالسرعة إلى حجرها منذرة بالمطر فإنها إمّا أن تتخيل أن هناك مؤذياً يكون، أو مطراً ينزل...
وبالجملة: إن الأفعال الحكمية والعقلية إنما تصدر من الإنسان من جهة نفسه الشخصية ومن سائر الحيوانات من جهة عقلها النوعية تدبيراً كلياً.
8 ـ ما يتّصل بما ذكر من أنّ الإنسان له أن يروي في أمور مستقبلية هل ينبغي أن يفعلها أو لا ينبغي؟ فحينئذٍ يفعل وقتاً ما ما حكمت به رؤيته وتدبيره أن يفعله، ولا يفعل هذا وقتاً آخر بحسب ما تقتضي رؤيته ألا يفعله، ما كان يصحّ أن يفعله في الوقت الأوّل، وكذا العكس وأما الحيوانات الأخرى فليس لها ذلك وإنما لها من الاعدادات ما يكون على ضرب واحد مطبوع فيها وافقت عاقبتها أو خالفت.
9 ـ تذكر أمور غابت عن ذهن الإنسان، والحيوانات الأخرى لا تقدر على مثله.
10 ـ أخصّ خواصّ الإنسان تصور المعاني الكلية المجرّدة عن المادة والاهتداء إلى التصديقات والتصورات المجهولة، وأخصّ من هذا اتصال النفوس الإنسانية بالعالم بحيث تفنى عن ذاتها وتبقى ببقائه، وحينئذٍ يكون الحقّ سمعه وبصره ورجله ويده، وهناك التخلق بأخلاق الله تعالى .
أقول: لم يكن للقدماء من الفلاسفة وغيرهم علم تجريبي دقيق بخصوصيات الحيوانات، وإنّما يعرفون منها أموراً كلية عامة لا غير، فلا اعتماد على آرائهم في جميع الموضوعات التي لا تعرف بمجرّد العقل؛ ولذا أخطأوا كثيراً في الأجسام العلوية والأفلاك والنجوم، وأصبح اليوم معرفة الشباب المتعلّمين بالسماويات أكثر من معرفة الفارابي وابن سينا والسهروردي وصدر الدين الشيرازي وسائر مشاهير الفلسفة، ولعلّه لا لوم على أحد إذا ادّعى أنه لا معرفة صحيحة لهؤلاء الحدسيين من الفلاسفة بالسماء وكواكبها ونجومها وما يتعلّق بها أصلاً!!!
وعلّة الاشتباه أنهم غلطوا في تمييزهم بين حدود الفلسفة والعلوم، فحاولوا إثبات ما يحتاج إثباته إلى الحسّ والتجربة بالعقل المجرد، وظنّوا أن لهم الصلاحية في جميع أقسام العلوم، كما أن الماديين اليوم مشوا على عكس ذلك، فإذا لم يجدوا شيئاً في حقلهم العلمي نفوه مطلقاً؛ تخيلاً منهم أنه لا حقائق خارج الحسّ.
والحق أنّ للحس مداراً خاصاً وللعقل مركزاً خاصاً، ولا بدّ من مراعاة ذلك حتى لا يضلّ الباحث ولا تطمس معالم الحق، وتفصيل البحث في محلّه.
وعلى كلٍّ، مجموع هذه الخواصّ يكفي لتمييز الإنسان عن الحيوان، ولكن لا نستطيع أن ندّعي أنّ شيئاً من تلك الخواصّ لا يوجد في الحيوانات، بل البحوث الحديثة تثبت خلاف ذلك، وربما تثبت التجربة العلمية في المستقبل حقائق أهمّ وأكثر وأعجب للحيوانات ممّا اكتشفته لحدّ الآن.
والذي أراه مميزاً جوهرياً بين الإنسان والحيوان ـ بعد اشتراكهما في الإحساس والحركة الإرادية وجملة من الأمور الأخر ـ هو تعلق الروح بالإنسان المستتبع لقدرته على الادراكات الكلية الكثيرة التي أوجبت تحوّل حياة الإنسان من المرحلة الابتدائية المظلمة، الشبيهة بحياة الحيوانات، إلى هذه المرحلة، ثم في المستقبل إلى المراحل التي لا تقع في ذهننا اليوم، ومن المحسوس عجز الحيوانات عن هذا التحوّل.
البحث الثالث: في حقيقة الإنسان
إن الإنسان له بدن مادي محسوس، وله نفس إنسانية سوى البدن، والكلام فيه تارة من جهة العقل، وأخرى من جهة دلالة القرآن، وثالثة من جهة العلم.
ونحن نذكر في الجهة الأولى، كلام بعض المفسّرين من أهل المعقول، وإن كان لنا نقاش أو إيراد على بعض كلامه. ثم إن بحثه وإن كان في تجرّد النفس لكنه يفي بالمقام، قال :
... وقد أنكر تجرّد النفس جميع الماديين وجمع من الإلهيين من المتكلمين والظاهريين من المحدثين، واستدلوا على ذلك وردّوا ما ذكر من البرهان بما لا يخلو عن تكلف من غير طائل.
قال الماديون: إن الأبحاث العلمية على تقدمها وبلوغها اليوم إلى غاية الدقة في فحصها وتجسسها لم تجد خاصة من الخواص البدنية إلا وجدت علّتها المادية، ولم تجد أثراً روحياً لا يقبل الانطباق على قوانين المادة حتى تحكم بسببها بوجود روح مجرّدة.
قالوا: فالنفس التي يقام البرهان على تجرّدها من طريق المشاهدة الباطنية هي في الحقيقة مجموعة من خواصّ طبيعية، وهي الإدراكات العصبية التي هي نتائج حاصلة من التأثير والتأثر المتقابلين بين جزء المادة الخارجية وجزء المركّب العصبي، ووحدتها وحدة اجتماعية لا وحدة واقعية حقيقية.
أقول: أمّا قولهم: «إن الأبحاث العلمية المبتنية على الحس والتجربة لم تظفر في سيرها الدقيق بالروح ولا وجدت حكماً من الأحكام غير قابل التعليل إلاّ بها» فهو كلام حقّ لا ريب فيه، لكنّه لا ينتج انتفاء النفس المجردة التي أقيم البرهان على وجودها؛ فإنّ العلوم الطبيعية الباحثة عن أحكام الطبيعة وخواصّ المادة إنما تقدر على تحصيل خواصّ موضوعها الذي هو المادة واثبات ما هو من سنخها، وكذا الخواص والأدوات المادية التي نستعملها لتتميم التجارب المادية إنّما لها أن تحكم في الأمور المادية، وأما ما وراء المادة والطبيعة فليس لها أن تحكم فيها نفياً ولا إثباتاً، وغاية ما يشعر البحث المادي به هو عدم الوجدان، وعدم الوجدان غير عدم الوجود، وليس من شأنه ـ كما عرفت ـ أن يجد ما بين المادة ـ التي هي موضوعها ولا بين أحكام المادة وخواصّها ـ التي هي نتائج بحثها ـ أمراً مجرداً خارجاً عن سنخ المادة وحكم الطبيعة.
والذي جرّأهم على هذا النفي زعمهم أنّ المثبتين لهذه النفس المجرّدة إنما أثبتوها لعثورهم على أحكام حيوية من وظائف الأعضاء ولم يقدروا على تعليلها العلمي، فأثبتوا النفس المجرّدة لتكون موضوعاً مبدءاً لهذه الأفاعيل، فلمّا حصل العلم اليوم على عللها الطبيعة لم يبق وجهٌ للقول بها. ونظير هذا الزعم ما زعموه في باب إثبات الصانع.
وهو اشتباه فاسد، فإن المثبتين لوجود هذه النفس لم يثبتوها لذلك، ولم يسندوا بعض الأفاعيل البدنية إلى البدن فيما علله ظاهرة وبعضها إلى النفس فيما علله مجهولة، بل أسندوا الجميع إلى العلل البدنية بلا واسطة وإلى النفس بواسطتها، وإنّما أسندوا إلى النفس ما لا يمكن إسناده إلى البدن البتة، وهو علم الإنسان بنفسه ومشاهدته ذاته، كما مر.
إن الحجة التي أوردها الماديون من طريق الحس والتجربة إنما ينتج عدم الوجدان، وقد وقعوا في المغالطة بأخذ عدم الوجود ـ وهو مدَّعاهم ـ مكان عدم الوجدان، وما صوروه لتقرير الشهود النفساني المثبت لوجود أمر واحد بسيط ثابت تصوير فاسد لا يوافق الأصول المادية المسلمة بالحس والتجربة ولا واقع الأمر الذي هو عليه في نفسه.
وأما ما افترضه الباحثون في علم النفس الجديد في أمر النفس، وهو أنه الحالة المتحدة الحاصلة من تفاعل الحالات الروحية من الادراك والإرادة والرضا والحبّ وغيرها المنتجة لحالة متّحدة مؤلّفة، فلا كلام لنا فيه؛ فإن لكل باحث أن يفترض موضوعاً ويضعه موضوعاً لبحثه، وإنّما الكلام فيه من حيث وجوده وعدمه في الخارج والواقع مع قطع النظر عن فرض الفارض وعدمه، وهو البحث الفلسفي، كما هو ظاهر على الخبير بجهات البحث.
وقال قوم آخرون من نفاة تجرّد النفس من الملّيّين: إن الذي يتحصل من الأمور المربوطة بحياة الإنسان كالتشريح والفيزيولوجي: أن هذه الخواص الروحية الحيوية تستند إلى جراثيم الحياة والسلولات التي هي الأصول في حياة الإنسان وسائر الحيوان وتتعلق بها، فالروح خاصة وأثر مخصوص فيها لكل واحد منها أرواح متعددة، فالذي يسميه الإنسان روحاً لنفسه ويحكي عنه بـ»أنا» مجموعة متكونة من أرواح غير محصورة على نعت الاتحاد والاجتماع.
ومن المعلوم أن هذه الكيفيات الحيوية والخواص الروحية تبطل بموت الجراثيم والسلولات وتفسد بفسادها، فلا معنى للروح الواحدة المجردة الباقية بعد فناء التركيب البدني غاية الأمر أن الأصول المادية المكتشفة بالبحث العلمي لمّا لم تفِ بكشف رموز الحياة كان لنا أن نقول: إن العلل الطبيعية لا تفي بايجاد الروح، فهي معلولة لموجود آخر وراء الطبيعة.
وأما الاستدلال على تجرد النفس من جهة العقل محضاً فشيء لا يقبله ولا تصغي إليه العلوم اليوم؛ لعدم اعتمادها على غير الحسّ والتجربة، هذا.
وأقول: وأنت خبير بأن جميع ما أوردناه على حجّة المادّيين وارد على هذه الحجة المختلقة من غير فرق ونزيدها أنها مخدوشة.
أولاً: بأن عدو وفاء الأصول العلمية المكتشفة إلى اليوم ببيان حقيقة الروح والحياة لا ينتج عدم وفائها أبداً، ولا عدم انتهاء هذه الخواص إلى العلل المادية في نفس الأمر على جهل منا فهل هذا إلا مغالطة وضع فيها العلم بالعدم مكان عدم العلم؟!
وثانياً: بأن استناد بعض حوادث العالم ـ وهي الحوادث المادية ـ إلى المادة وبعضها الآخر ـ وهي الحوادث الحيوية ـ إلى أمر وراء المادة ـ وهو الصانع ـ قول بأصلين في الايجاد، ولا يرتضيه المادي ولا الإلهي، وجميع أدلة التوحيد تبطله.
وهنا اشكالات أخر أوردوها على تجرّد النفس مذكورة في الكتب الفلسفية والكلامية، غير أن جميعها عن عدم التأمل والإمعان فيما مرّ من البرهان وعدم التثبت في تعقل الغرض منه؛ ولذلك أضربنا عن ايرادها والكلام عليها، فمن أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى مظانّها، والله الهادي  انتهى كلامه.
وأمّا الكلام في الجهة الثانية ـ وهي دلالة القرآن والسنة على أن للإنسان روحاً ونفساً غير البدن ـ فنقتصر فيه على نقل جملة من الآيات الكريمة:
1 (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .
2 (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) .
3 (وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب) .
واعلم أن هذه الآيات الثلاث تدلّ على أمرين:
أولهما: الحياة البرزخية للشهداء وأئمة الكفر فقط دون غيرهما، أي لا يستفاد منها عموم الحياة البرزخية للجميع، والاستدلال عليه بآيات أخر لا يخلو عن منع واشكال.
ثانيهما: أن للإنسان شيئاً آخر وراء البدن لا يموت بموت البدن وفنائه، وهو المستحق للثواب والعذاب، وهو الذي يسمى بالروح والنفس.
4 (فلولا إذا بلغت الحلقوم)  لكن لا يبعد رجوع الضمير في (بلغت) في هذه الآية وتاليتها إلى الحياة دون الروح.
5 (كلا إذا بلغت التراقى) .
6 (أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) .
أقول: ملك الموت لا يتوفى الجسم الذي يدفن في الأرض ويضلّ فيها، بل يتوفى النفس.
7 (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت، والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون...) .
8 (والله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت)   .

البحث الرابع
النفس والروح مفهومان لحقيقة واحدة فهما موجود واحد قطعاً، ومهما قيل في الفرق بينهما فهو بلحاظ الاعتبارات والمراتب لا غير؛ فإنّ كلّ إنسان يدرك من ضميره أنه واحد لا إثنان وتخيّل التعدّد من أوهام العوامّ ومن بحكمهم من مدّعي العلم المبتلين بالجهل المركّب.
ويناسب ـ هنا ـ أن نرجع إلى الكتاب والسنّة لنرى رأيهما في حقّهما وما يتعلّق بهما من خصوصياتهما:
أما الروح فقد استعملت في القرآن في معانٍ مختلفة غير ما به حياة الإنسان وشخصيته، بل ليس فيه أن آدم Q أعطاه الله روحاً، وإنما فيه أنه تعالى نفخ في آدم من روحه (الحجر: 29، 72) كما ورد (مثله) في حقّ عيسى Q، فلعلّ المراد من النفخ هو الاحياء فقط  لا أن آدم وعيسى صاحبا روح .
وأما قوله تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فالمراد بها مجهول، ويحتمل أنها الروح الأمين أو روح القدس ، أو أريد به ما أريد بقوله تعالى: (تنزل الملائكة والروح)، وبقوله: (يوم يقوم الروح والملائكة صفاً)، أو روح الإنسان. لكن في الأحاديث أنه خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل .
وأمّا قوله تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه)  فهي الروح المؤيدة للمؤمنين ـ رزقنا الله بفضله ـ وليست بروح تنشأ منها الحياة الإنسانية كما لا يخفى.
وأما النفس والأنفس فقد وردت في القرآن كثيراً، وإليك بعض ما يتعلق بها:
1 ـ النفس المسؤولة عن أعمال الإنسان كقوله تعالى: (ثم توفى كل نفس ما كسبت) ، وقوله: (ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) . والآيات الدالة عليه كثيرة .
2 ـ أنها تذوق الموت وإليها أسند القتل، كقوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) .
3 ـ أنّها تلهم فجورها وتقواها.
4 ـ أنّها المكلّفة: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) .
5 ـ أنّها أمارة بالسوء، وأنّها لوّامة ومطمئنة وترجع إلى ربها راضية مرضيّة.
6 ـ أنّها متنعّمة في الجنّة   .
وأما الأحاديث المعتبرة الواردة في المقام فإليك جملة منها:
1 ـ صحيح أبي ولاّد المرويّ في الكافي عن الإمام الصادق Q قال: قلت له: جعلت فداك يروون أنّ رواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش، فقال: «لا، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير (و) لكن في أبدان كأبدانهم» .
2 ـ صحيح محمد بن قيس المرويّ في الخصال عن الإمام الباقر Q قال: سأل الشامي، وعن العين التي تأوي إليها أرواح المشركين؟ فقال: «هي عين يقال لها سلمى» .
3 ـ صحيح الكناسي المرويّ في الكافي عن الباقر Q...: «إنّ لله جنّة خلقها الله في المغرب... وإليها تخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كلّ مساء... وإنّ لله ناراً في المشرق خلقها ليسكنها أرواح الكفار...» .
4 ـ صحيح الأحول المرويّ فيه قال: سألت أبا عبد الله Q عن الروح التي في آدم قوله: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) ، قال: «هذه روح مخلوقة، والروح في عيسى مخلوقة .
5 ـ حسنة حمران قال: سألت أبا عبد الله Q عن قول الله عزَّ وجلَّ: (وروح منه)   قال: هي روح الله مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسى» .
6 ـ صحيح أبي بصير المروي في الكافي قال: سألت أبا عبد الله Q عن قول الله (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) ، قال: «خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل» .
7 ـ معتبرة ابن أبي يعفور المرويّة في العلل عن الصادق Q: «إنّ الأرواح جنود مجنَّدة فما تعارف منها في الميثاق ائتلف هاهنا، وما تناكر منها في الميثاق اختلف هاهنا .
أقول: هذا المضمون وارد في عدّة من الأحاديث، لكن أكثرها ضعيفة سنداً فتكون مؤيّدة لها.
8 ـ موثّقة ابن بكير عن الباقر Q: «وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام» .
أقول: خلقة الأرواح قبل الأبدان بألفي عام وردت في جملة من الأحاديث  ولا يبعد حصول الاطمئنان بصدور بعضها عن الأئمةR، والظاهر أنها تنافي قول بعض الفلاسفة: إن الروح جسمانية الحدوث روحانية البقاء؛ ولذا أوله في الأسفار تأويلاً باطلاً.
واعلم أنّ الروح لا تطلق على الإنسان المركب منها ومن البدن، بل تطلق على نفسها فقط، بخلاف النفس؛ فإنها تطلق على خصوص معناها كما تطلق على معنى يعبر عنه بالفارسية بكلمة «خود، خودتان، خودما»، أي على مجموع الإنسان، كقوله تعالى: (فسلموا على أنفسكم) ، بل ربما على ما استحال البدن والنفس فيه، كما في حقه تعالى: (ويحذركم الله نفسه) .
بقي شيء، وهو أن عوام المسلمين يزعمون أن الروح لا تأمر بالشر، بل تأمر بالخير دائماً، وأما النفس فهي تأمر بالخير والشر، ولعلّ وجه هذا الزعم أن القرآن أسند الشر إلى النفس ولم يسنده إلى الروح، لكن القرآن لم يفصّل القول في الروح الإنسانية كما عرفت، وما تقدّم من الأحاديث المعتبرة يكفي في ضعف الزعم المذكور.
وبالجملة: هما مفهومان لمصداق واحد كما عرفت.
وأمّا الكلام في الجهة الثالثة ـ وهي دلالة العلم على وجود الروح ـ فلم نذكره للاختصار:
البحث الخامس: في بدء حياة الإنسان.
المتدبّر في البحثين الأخيرين يقتنع بسهولة أن الحياة الإنسانية إنما هي بتعلق الروح بالبدن كما أن موت الإنسان بانقطاع هذا التعلق نهائياً، ولا ربط لحياة الخلايا بحياة الإنسان ولا موته بموتها، وهذا الذي اعتقده علماء الإسلام هو الصحيح المطابق للبراهين العقلية أيضاً.
وإن شئت فقل: إن قوام إنسانية الإنسان بروحه لا ببدنه وإن فرض موجوداً تاماً في الخارج وكان جميع خلاياه حية، فالجنين مهما تكامل وتنامى فهو ـ قبل تعلق الروح ـ جنين الإنسان وما يؤول إلى الإنسان وليس بإنسان نفسه.
متى تتعلق الروح بالبدن؟
هذا هو السؤال المهم في المقام، ولا يصلح علم الطبّ وعلم الأجنّة وسائر العلوم للإجابة عليه لحدّ الآن، ولا أظن اهتداء العقل إليه أيضاً، فلا بدّ من الرجوع إلى الدين فيه، لكن القرآن الكريم ـ وحسب فهمي ـ ليس فيه ما يدلّ على توقيت تعلّق الروح بالبدن، سوى قوله تعالى: (ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) ، ولا بد في إرادة تعلق الروح بالجنين من هذه الآية؛ إذ إنشاء الجنين مخلوقاً آخر لا يناسب إلاّ صيرورته ذا روح، ويؤكّده قوله: (فتبارك الله...)، بل يدلّ على إرادة التعلق المذكور بعض الروايات المعتبرة الآتية، لكن لا يستفاد أن تعلق الروح بالجنين في أي شهر من شهور الحمل، وإنّما يستفاد من الآية المذكورة أنه بعد كسوة العظام لحماً. وإن قدر الطب بشكل دقيق محسوس على تعيين زمن كسوتها لحماً لم يقدر على زمان تعلق الروح بالجنين؛ إذ لا دليل على أنّه بعدها بلا فصل، بل ظاهر قوله: (ثم أنشأناه)، الفصل بينهما، وسوى قوله تعالى: (ثم سويه ونفخ فيه من روحه)  لكن تحديد زمان التسوية المقصودة للقرآن ليس بسهل. فلا  يبقى أمامنا للحصول على جواب السؤال المذكور سوى الأحاديث فنقول:
1 ـ الصحيح المرويّ في التهذيب عن أمير المؤمنين Q: «فإذا الشيء فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذٍ نفس، ألف دينار كاملة إن كان ذكراً وإن كان أنثى فخمسمائة دينار» .
2 ـ صحيح محمد بن مسلم المرويّ في الكافي قال: سألت أبا جعفر Q... قلت: فما صفة النطفة التي تعرف بها؟ فقال: «النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة، فتمكث في الرحم إذا صارت أربعين يوماً، ثمّ تصير إلى علقة، قلت: فما صفة خلقة العلقة التي تعرف بها؟ فقال: هي علقة كعلقة الدم المحجمة الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها عن النطفة أربعين يوماً ثم تصير مضغة، قلت: فما صفة المضغة وخلقتها التي تعرف بها؟ قال: هي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشتبكة، ثمّ تصير إلى عظم، قلت: فما صفة خلقته إذا كان عظماً؟ فقال: إذا كان عظماً شقّ له السمع والبصر ورتبت جوارحه، فإذا كان كذلك فإنّ فيه الدية كاملة» .
ورواه الشيخ في تهذيبه بتفاوت .
أقول: لم يذكر في هذا الصحيح توقيت المضغة بأربعين يوماً، ولا يضرّ؛ فإنه مذكور في صحيح زرارة وغيره. ولم يذكر تعلق الروح بالجنين أيضاً كما سيأتي ما في هذا التحديد من الإشكال.
أقول: لا يفهم من هذه الأحاديث مع الآية أنّ بدء الحياة الإنسانية، في أوّل الشهر الخامس من الحمل، بل يحتمل نفخ الروح بأطول من ذلك كما لا يخفى، بل في رواية أبي شبل: هيهات يا أبا شبل إذا مضت الخمسة الأشهر فقد صارت فيه الحياة وقد استوجب الدية» .
ولعله اشتباه ومحرّف الأربعة الأشهر، لكنه محتمل؛ إذ لا يخالفه نصّ معتبر، سوى معتبرة ابن الجهم، ولا بدّ لك أن تلاحظ ما يأتي من الآية والأحاديث في المسألة الآتية مع هذه الأحاديث جمعاً.
ومقتضى النظر الدقيق أنّ جميع الأحاديث لا تدلّ على أن نفخ الروح يكون في أول الشهر الخامس من الحمل، حتى معتبرة ابن الجهم في المطلب الأول من المسألة الآتية وإن كانت مشعرة بها.
نعم، مدلولها نفخ الروح في الجنين بعد أربعة أشهر، بل هو المنقول عن تفسير القمي، ففيه: إذا مضت أربعة أشهر  فلاحظ وتأمل جيداً، والله العالم.
ولعله لأجل ما ذكرنا قال صاحب جواهر الكلام{ في باب الدية (ص365، ج43): بل عن ظاهر الأصحاب عدم اعتبار مضي الأربعة أشهر في الحكم بحياته على وجه يترتّب عليه الدية. وإن قال الإمام الصادق Q في خبر زرارة: «السقط إذا تمّ له أربعة أشهر غسل» . وأفتى الأصحاب بمضمونه، إلاّ أنّ ذلك لا يقتضي تحقق العنوان في المقام.
أقول: أي حياة الجنين لوجوب الدية الكاملة.

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/04/09   ||   القرّاء : 9241


 
 

 

 

تصميم ، برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

هيئة علماء بيروت : www.allikaa.net - info@allikaa.net